بالرغم من أن الأجواء العامة في أوروبا يسودها تضامن غير مسبوق مع أوكرانيا، الدولة غير العضو في نادي الاتحاد الأوروبي، إلا أنه ما زال هناك تردد أوروبي بضمّ البلد إلى معسكرهم دون شروط.
وسمحت الدول الأوروبية بتدفق السلاح على الأراضي أوكرانيا، بل وحتى غضّ الطرف عن ظاهرة "المحاربين الأجانب"، للقتال إلى جانب الأوكرانيين، على عكس ما كان عليه الوضع المُجرّم لانخراطهم في القتال في سورية.
ويولي الأوكرانيون أهمية كبيرة لعضوية بلدهم في النادي الأوروبي، باعتباره ترسيخاً لمبدأ "حق تقرير المصير"، بعيداً عن الفيتو الروسي، الذي ركز كثيراً منذ ضمّ شبه جزيرة القرم في 2014 على جعله أمراً واقعاً في خيارات كييف المستقبلية، وخصوصاً عضويتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وخلف التصريحات الرائعة عن أوكرانيا، والتضامن مع شعبها ومعاملته معاملة مميزة تسمح بدخوله إلى منطقة شينغن دون تأشيرة لـ90 يوماً، لا يبدو أن هناك إجماعاً أوروبياً لقبول عضوية أوكرانيا، ولا حتى القبول باستثناءات شروط العضوية، التي يجري العمل عليها بناءً على الاتفاقيات المشتركة بين الطرفين منذ 2012.
انقسام الموقف على عضوية أوكرانيا
يعتبر التقارب الأوروبي-الأوكراني أحد أهم أسباب التوتير، الذي أدى إلى انقسامات حادة بين تيارين سادا البلاد منذ 2013، وحتى الاجتياح الروسي الأول في 2014. وقد انقسمت الساحة السياسية والاجتماعية بين معسكرين، يتطلع الأول نحو علاقة استراتيجية عميقة مع موسكو، فيما أراد الثاني أن يكون جزءاً من المعسكر الغربي، كغيره في دول شرق القارة.
السياق العام لتقريب كييف من منظومة الاتحاد الأوروبي، في مسار سُمي "الشراكة الشرقية" (بين النادي الأوروبي ودول شرقيّ القارة، بما فيها بيلاروسيا وأوكرانيا) تطلّب تحرير كييف من سطوة موسكو ونفوذها، وخصوصاً في مجال استقلالها مع جيرانها من سطوة الطاقة الروسية وتعزيز الاندماج في هياكل الطاقة في أوروبا.
وتقف أوكرانيا اليوم على مفترق طرق صعب لإقناع الأوروبيين بتسريع قبول عضوية بلادهم في الاتحاد، ورغم الوقوف متضامنين لمواجهة الغزو الروسي، يبدو أن بعض ساسة المعسكر الأوروبي أكثر تردداً وتحفظاً للقفز على الاشتراطات التي تشمل كل دولة مرشحة للعضوية.
وتخشى أيضاً بعض الدول الأوروبية من أن قطع المراحل والقفز على الاشتراطات مع كييف سيؤديان إلى تكلفة مالية ضخمة، خصوصاً مع الضربات الكبيرة التي تعرّض لها البلد، وبالأخص البنية التحتية وتوقف العجلة الاقتصادية والصناعية.
وحتى إن بدا على سطح الأحداث أن دول الجوار الشرقية تؤيد كييف، إلا أن بعض ساسة غرب القارة، وخاصة في باريس وبرلين، وبعض الأجنحة في روما، تتردد في إبداء ذات القدر من الحماسة لضم أوكرانيا إلى معسكرهم دون تلبية الاشتراطات والتوافق التام مع القيم الأوروبية.
وتعيش المؤسسات الأوروبية في بروكسل وستراسبورغ أصلاً منذ سنوات حالات نزاع ممتد مع ساسة قوميين متشددين في المجر وبولندا، حيث أدت سياسات الخلط بين السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى ما يطلق عليه الأوروبيون "تقييد للحريات"، وبما يتعارض مع قيم القارة ومبادئها، وهو ما يخشى أن تنتجه الحالة الأوكرانية المتأزمة مع الغزو الروسي.
صحيح أن النظرة اليوم إلى الرئيس الأوكراني، زيلينسكي، هي نظرة تعاطف وإعجاب أوروبي، باعتباره يمثل روح مقاومة مشروع روسيا ضد القارة، بحسب ما ترى القارة، إذ أكد الرجل أمس الاثنين أهمية العضوية، معتبراً أن "هدفنا هو الوقوف مع جميع الأوروبيين، والأهم من ذلك أن نكون متساوين معهم، وأعتقد أن هذا أمر عادل ونستحق العضوية"، إلا أن طلب معاملة خاصة لبلده لا تلقى ذات القدر من الحماسة عند الجميع.
وبدا مسؤول السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، أمس الاثنين، غير متحمس حين طرح عليه في بروكسل طلب زيلينسكي ضم بلاده فوراً إلى نادي بروكسل، واستقبل بوريل الرسالة ببعض هدوء، فيما أكدت المفوضية الأوروبية، من خلال المتحدثين باسمها، أنها ملتزمة ما يتفق عليه قادة الاتحاد الأوروبي، ولا تستطيع اتخاذ قرار بشأن الطلب الأوكراني.
ولفتت المفوضية الأوروبية اليوم الثلاثاء، إلى أنه لا يوجد قرار "لعلاج العضوية الأوكرانية كحالة طارئة ومستعجلة". ونقلت الصحافة الأوروبية اليوم عن متحدثين باسم المفوضية قولهم إنه لا يمكن حتى رئيسة المفوضية، أورسولا فون ديرلاين، أن تعطي جواباً، "فهذا الأمر ينتظر تفويض قادة الاتحاد الأوروبي للرد رسمياً على طلب كييف".
وغير بعيد عن ذلك الموقف الهادئ، ذكر بوريل أمس، في معرض رده على سؤال: "أوكرانيا تريد عضوية الاتحاد الأوروبي، ما رأيك في ذلك وهل هذا ممكن؟"، بالقول إن "عضوية الاتحاد الأوروبي ليست على جدول أعمال الاجتماعات الحالية، والعضوية تستغرق سنوات، والآن يجب أن نقدم إجابات عن الساعات القادمة".
ويعتقد الأوروبيون، وهو ما جرت مناقشته في اجتماع وزراء دفاعهم أمس، أن تنسيق توريد الأسلحة إلى أوكرانيا من أجل الدفاع عن أراضيها هي الحالة الطارئة وليست قضية العضوية.
وأشار اجتماع وزراء دفاع دول الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين إلى تنسيق توريد الأسلحة والوقود إلى أوكرانيا. وهو ذات الموقف الذي عبّر عنه بوريل، الذي يعكس على ما يبدو المزاج العام في المعسكر الأوروبي حين ذهب إلى اعتبار الأولوية "أن نحارب العدوان (من روسيا)"، وتجنب الخوض في ما إذا كان من الممكن تسريع عضوية كييف في الاتحاد الأوروبي.
ورغم ذلك، فإن قادة الاتحاد الأوروبي، الذين سيعقدون اجتماعاً طارئاً الأسبوع المقبل، سيجدون أنفسهم مضطرين إلى مناقشة الطلب الأوكراني، أو على الأقل تقديم أجوبة واضحة عن هذا المسألة الحساسة لأوكرانيا وللغرب في علاقته بروسيا إجمالاً.
تاريخية العلاقة بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي
في 2003، بدأت دورة التحرك نحو اندماج أوكرانيا في المنظومة الأوروبية، فقد ركز التعاون بين الطرفين على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، وصولاً إلى عام 2012 بتوقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الجانبين بتوسع التعاون ليشمل تحسين مؤسسات الدولة والإدارة العامة في البلد، وتلبية أهم ما يستند إليه المعسكر الأوروبي لناحية تطبيق عملي لفصل السلطات واستقلالها، مع ضمان الحريات الأساسية المتعلقة بحرية الصحافة والحقوق المدنية، التي تتيح دوراً أوسع للمجتمع المدني ولتعددية حزبية وسياسية في البلد.
وقُبيل أن تشهد كييف ثورة في الشارع على النظام السابق في 2014، كان الأوروبيون يسيرون بثبات مع كييف لتطبيق التعاون في 7 من أهم القضايا التي تقرب العضوية، بما يشمل التعاون السياسي والخارجي والسياسة الأمنية والقضاء والحرية والتجارة ومكافحة الفساد والغش وتعزيز العمل المؤسساتي.
وتعود نقاشات انضمام أوكرانيا إلى الأشهر الأولى من استقلال البلاد عن الاتحاد السوفييتي سابقاً في عام 1991. وركزت العلاقات في البداية على النواحي التجارية، ودخلت أوروبا في اتفاقيات جعلت كييف شريكاً مهماً. لكن رواسب النظام القديم، أو ما سُمي نهج الكتلة الشرقية بزعامة موسكو، خلق في نظر الأوروبيين نظاماً يعتمد على الفساد والمحسوبيات ويفتقر إلى نظام اجتماعي صحي وإلى الديمقراطية ومبادئ قيمية ينتهجها المعسكر الأوروبي.
صحيح أنّ الوضع الاقتصادي تعافى من حالة اقتصاد موجه يُرثى له بعد انهيار النظام الشيوعي، إلا أن عدم الاستقرار السياسي أخّر كثيراً عضوية أوكرانيا في نادي القارة العجوز، الذي وُضع كهدف منذ 1994. وواجهت كييف مصاعب منذ اتفاقية الشراكة والتعاون مع الاتحاد الأوروبي في 1998، وخصوصاً لناحية اعتمادها على التجارة والطاقة على الجار الروسي.
وقُبيل الحرب، كان ساسة عاصمة الاتحاد الأوروبي، في بروكسل، يؤكدون أن تكون أوكرانيا حرة في اختيار ما إذا كانت تريد الانضمام إلى ناديهم.
وفي أكثر من مناسبة، ردد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي تصريحات إيجابية كثيرة عن اقتراب كييف من تلبية حزمة اشتراطات، وعلى رأسها ما يُسمى أوروبياً المبادئ والقيم التي تفصل بين السلطات وتعلي من شأن الحريات والديمقراطية في البلد الذي عانى بعد ثورة 2014 من قلاقل وانقسامات وتدخلات روسية مباشرة وغير مباشرة.