اصطدمت رغبة ألمانيا وفرنسا في استئناف الحوار مع روسيا عبر عقد قمة مع فلاديمير بوتين برفض عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ما أثار استياء المستشارة أنجيلا ميركل، قبل أن يعلن الكرملين عن أسفه لهذا القرار.
وبعد مناقشات طويلة، أمس الخميس، بين ميركل ونظرائها الأوروبيين المجتمعين في قمة في بروكسل، قالت المستشارة الألمانية، بحسب ما أوردت وكالة "فرانس برس"، "لم يكن ممكناً اليوم الاتفاق على أننا يجب أن نلتقي على الفور في قمة" مع روسيا. وأضافت "كنت أفضل شخصياً نتيجة أكثر جرأة".
وبعد أسبوع على القمة بين الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي، سعت ميركل إلى تنظيم اجتماع مع بوتين لمناقشة قضايا ذات أهمية كبرى للاتحاد الأوروبي قبل أن تغادر الساحة السياسية في الخريف.
وقالت ميركل، في مجلس النواب الألماني (البوندستاغ) قبل توجهها إلى بروكسل، أمس الخميس، "لا يكفي أن يتحدث الرئيس الأميركي مع الرئيس الروسي. يجب على الاتحاد الأوروبي أيضاً أن ينشئ صيغاً مختلفة للمناقشة" مع موسكو.
وكان بوتين، قد قال أمس الخميس، إنه "يؤيد" آلية لحوار واتصالات مع الاتحاد الأوروبي، حسب ما أعلن المتحدث باسمه ديمتري بيسكوف.
وعبّر عدد من القادة الأوروبيين عن دعمهم هذا الاقتراح. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنّ "هذا الحوار ضروري لاستقرار القارة الأوروبية". وأضاف أنه "سيكون حازماً لأننا لن نتخلى عن أي من قيمنا أو مصالحنا".
من جهته، صرح المستشار النمساوي سيباستيان كورتس، وفقاً لـ"فرانس برس"، "دعمتُ ألمانيا وفرنسا لإجراء حوار على أعلى مستوى مع روسيا"، لكن "من الضروري الآن تحديد أيّ قنوات حوار ستكون مفيدة".
لكن الاقتراح أدى إلى انقسام الدول الأعضاء ولم يتم التوصل إلى توافق. وتعارض دول البلطيق وبولندا والسويد وهولندا استئناف الحوار مع رئيس روسي يضاعف التحركات العدائية ضد بلدان الاتحاد الأوروبي وجوارها.
وتدهورت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا منذ ضم شبه جزيرة القرم وبدء النزاع في أوكرانيا في 2014. ولم تعقد أي قمة بين الجانبين منذ ذلك الحين.
وقال رئيس ليتوانيا جيتاناس ناوسيدا، بحسب الوكالة الفرنسية، إنّ هذا الأمر "مبكر جداً لأنّنا لا نرى حتى الآن تغييراً جذرياً في سلوك فلاديمير بوتين".
أول تعليق روسي
أعرب المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، اليوم الجمعة، عن أسف الكرملين لرفض الاتحاد الأوروبي عقد قمة بمشاركة بوتين، قائلاً في تصريحات أوردتها وسائل إعلام روسية: "تعلمون أن الرئيس بوتين كان ويبقى مهتما بتنظيم علاقات العمل بين موسكو وبروكسل".
وذكّر بأن بوتين نشر قبل أيام مقالا بصحيفة "دي زيت" الألمانية تناول الذكرى الـ80 لبدء الحرب العالمية الثانية على أراضي الاتحاد السوفييتي، مصدرا فيها "رسائل إيجابية للأوروبيين من جهة إنعاش العلاقات".
وأضاف: "نعلم أيضا أن المستشارة الألمانية والرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) طرحا مبادرة (لعقد قمة بمشاركة بوتين)".
إشارة سيئة
رأى الرئيس الليتواني أنّ خوض حوار "بدون أي خط أحمر وبدون أي شرط مسبق سيكون إشارة سيئة للغاية".
لكن النتائج التي أقرت بشأن روسيا، اليوم الجمعة، تؤكد مع ذلك ضرورة أن يحاور الاتحاد موسكو حول قضايا مرتبطة بمصالحه إذا توافرت الشروط لذلك. وذكر عدداً من القضايا ومن بينها المناخ والبيئة والطاقة والصحة ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
وأكدت ميركل أنه "من المهم الإبقاء على حوار والعمل على صيغته".
وصرح رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو أنه "لا يمكن أن تقتصر العلاقة مع روسيا على عقوبات اقتصادية وقرارات طرد دبلوماسيين"، مؤكداً أنه "في مرحلة ما يجب أن تتوفر إمكانية الاجتماع حول طاولة".
وقال دبلوماسي أوروبي، لوكالة "فرانس برس"، إن "على الاتحاد الأوروبي إبداء حزم وتحقيق توازن في القوى لمواجهة روسيا، ويجب أن يصبح في وضع يكون فيه قادراً على المقاومة، ولا سيما الهجمات الإلكترونية".
وتابع أنه "يجب أن يكون الاتحاد الأوروبي قادراً على خوض حوار مع روسيا حول المسائل المرتبطة بمصالحه"، مؤكداً في الوقت نفسه أنه من الضروري "الاتفاق على الاستراتيجية قبل الحديث عن اجتماعات قمة وأماكن عقدها".
وتساءل "كيف يجري هذا الحوار؟ على أي مستوى؟ عبر أي قناة؟ وما هو الدور الذي يجب أن يعطى للمؤسسات الأوروبية؟".
وتقدم رئيس الوزراء الهولندي مارك روته باقتراح، وقال إنّ "اللقاء بين رؤساء المؤسسات الأوروبية وفلاديمير بوتين لا يزعجني"، لكنني "لن أشارك بنفسي في الاجتماع مع فلاديمير بوتين بصفتي عضواً في المجلس الأوروبي".
ومن اللافت أن قمة "روسيا - الاتحاد الأوروبي" كانت تعقد سنوياً منذ عام 1995 إلى أن تم تجميدها بعد ضم القرم وفرض عقوبات غربية على روسيا قبل سبع سنوات.
إلا أنه بعد عقد القمة الروسية الأميركية الأخيرة في جنيف في منتصف يونيو/حزيران الحالي، بدأت تتبلور ملامح استعادة الاتصالات الروسية الغربية المتجمدة، دون أن تجد حتى الآن دعماً من قطاع عريض من الدول الأوروبية، وفي مقدمتها بلدان أوروبا الشرقية وهولندا التي تعتبر موسكو مسؤولة عن واقعة إسقاط طائرة الخطوط الجوية الماليزية المتجهة من أمستردام إلى كوالالمبور في يوليو/تموز 2014.
(فرانس برس، العربي الجديد)