تقدمت المفوضية الأوروبية بطلب إلى محكمة العدل الأوروبية لفرض عقوبات مالية على بولندا بسبب الخلاف حول الإصلاح القضائي المثير للجدل وتحديداً فيما يخص نشاط الهيئة التأديبية ودورها بمعاقبة القضاة.
يأتي ذلك بعد أن أعلنت بولندا أنها ستلغي الهيئة التأديبية، لكنها تواصل السماح لها بالعمل حتى الآن، فيما وصفت خطوة المفوضية الأوروبية بأنها بمثابة إشارة بالاستعداد لأخذ دورها كحارس للمعاهدات الأوروبية، علماً أن بولندا تقلت إنذاراً نهائياً في وقت سابق.
وأفادت المحكمة الأوروبية منتصف يوليو/ تموز الماضي بأن القضاة الأوروبيين وجدوا أن أرفع محكمة في البلاد والتي تأسست عام 2018 لم تعمل كهيئة إشرافية ولا تقدم جميع ضمانات الاستقلال والحياد، مطالبين بتعليق الأحكام التي تخول الهيئة التأديبية البت بطلبات التنازل عن الحصانة القضائية وفي القضايا المتعلقة بتوظيف القضاة وتقاعدهم.
من جهتها، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين ضرورة أن تكون الأنظمة القضائية في الاتحاد الأوروبي مستقلة وعادلة.
وأشارت صحيفة "شبيغل أون لاين" إلى أن بروكسل تخضع لتعليمات برلين كما يرى اليمين البولندي، فيما يَعتقد أن "انتقاد الإصلاح القضائي ليس موضوعيا، ولكنه مؤامرة سياسية من قبل القوى المعادية للقومية، بما في ذلك المعارضة الليبرالية الموالية لأوروبا التي يقودها دونالد توسك".
ويرى مراقبون أن الطلب من المحكمة الأوروبية فرض عقوبات على وارسو هو مجرد شد وجذب بين الجانبين، وأن الخطوة سياسية للغاية، فيما يؤكدون أن لدى بولندا الوقت لاتخاذ موقف مناسب.
يعد خروج وارسو من الاتحاد أمراً صعباً باعتبارها أكثر الدول تلقياً للأموال من بين الدول الأعضاء
وفي الثاني والعشرين من سبتمبر/ أيلول المقبل ستبت المحكمة الدستورية وبشكل أدق "ما تبقى من هذه المؤسسة" بالأمر، وستحدد إذا ما كان ينبغي أن يكون لقوانين الاتحاد الأوروبي أسبقية عن القانون البولندي.
من جانبها، أشارت صحيفة "دي تسايت" إلى أن إنكار المحكمة الدستورية التي تعتبر حالياً أداة بيد الحكومة في وارسو سيهز الاتحاد الأوروبي بشدة كمجتمع يرتكز على القيم والقانون، كما سيشكل سابقة للبلدان الأخرى، مؤكدة أن مثل رفض الالتزام بالمبادئ الأساسية للاتحاد لم يظهر بعد في منطق الاتحاد الأوروبي نفسه.
وتضيف الصحيفة "أنه ورغم المحاولات السابقة لحكومة وارسو كسب الوقت والعمل بشكل منهجي على تقويض المبادئ الأوروبية للديمقراطية وسيادة القانون، وتأجيل قرارها عدة مرات، إلا أنها أدركت الآن العواقب التي يمكن أن تترتب على الحملة المناهضة للاتحاد الأوروبي" .
ولم يعد أمام وارسو إلا الانصياع لقرار بروكسل واتخاذ موقف أكثر وضوحاً، وليس فقط فيما يتعلق بالهيئة التأديبية، ولكن أيضاً فيما يتعلق بأولوية قانون الاتحاد الأوروبي، وإما أن تستسلم الحكومة البولندية وتعلن أن مشروع التمرد القومي ضد التكتل الأوروبي قد فشل، أو تخاطر بحدوث انفصال نهائي عن الاتحاد الأوروبي، بحسب الصحيفة.
ويعد خروج وارسو من الاتحاد أمراً صعباً باعتبارها أكثر الدول تلقياً للأموال من بين الدول الأعضاء في الاتحاد، علماً أن الاتحاد قام قبل أيام بتمديد فترة المعالجة لصرف الأموال من صندوق إعادة الإعمار الذي أسسه خلال أزمة فيروس كورونا، وهذا يعني أنه سيتعين على بولندا الاستغناء عن حوالي 24 مليار يورو في الوقت الحالي.
ولا يعتبر تمديد موعد منح الأموال عقوبة رسمية، بل يمكن اعتباره تحذيراً حول جدية الأمور ونفاد صبر المفوضية الأوروبية. يأتي ذلك وسط تأكيد أوروبي أن الأمر ليس مسألة شكلية فقط، بل إنها تتعلق بسيادة القانون.
وقدمت وارسو في مايو/ أيار الماضي خطة إنفاق إلى بروكسل للموافقة عليها، فيما تتوقع أنها ستحصل على 57 مليار دولار من الصندوق القومي الأوروبي لإعادة الإعمار، حيث يخطط المحافظون في بولندا لاستخدامها في برامج اجتماعية تضمن فوزهم في الانتخابات في غضون عامين.
من جهة ثانية، فإن عدم دفع الأموال في الوقت الحالي لبولندا يفوق خطر فرض الغرامات، لا سيما أنه من غير الواضح موعد وحجم المبلغ الذي ستفرضه محكمة العدل الأوروبية ضمن عقوباتها.
وقال وزير العدل البولندي في تغريدة له عبر "تويتر"، "إن حجب الأموال غير قانوني وتطبيق العقوبات هجوم على وارسو".
وتأمل المفوضية الأوروبية في أن تجبر المحنة الجديدة بولندا على الاستسلام، إذ غردت نائبة رئيسة المفوضية فيرا يوروفا قائلة "إن بروكسل ما زالت على استعداد للبقاء في مفاوضات مع حكومة وارسو لإيجاد مخرج لهذه الأزمة".
في المقابل، اعتبر الكاتب يان بول المتابع للشؤون البولندية في مقال نشرته صحيفة "شبيغل أون لاين" أن "الاتحاد الأوروبي يعاقب بولندا عن حق، لكن بوسائل خاطئة، حيث تكبح المفوضية مليارات كورونا بدلاً من إصدار عقوبات حقيقية أخرى، وهذا خطأ لأن بروكسل تكون بذلك تعمل على تقوية الحكومة البولندية، وتسمح لها بتقديم نفسها ضحية مؤامرة معادية لها".
وتظهر أصوات في بروكسل تطرح تساؤلات متعلقة بكيفية دفع الاتحاد الأوروبي مليارات لدولة يقوض ساستها المبدأ المركزي لفصل السلطات ويتجاهلون أحكام محكمة العدل الأوروبية.