المتحدث باسم الاتحاد العام التونسي للشغل، سامي الطاهري لـ"العربي الجديد".
- الرئيس قيس سعيّد يعتبر الحوار مهدداً للتفرد بالقرار وتمركز السلطات والهيمنة المطلقة التي يريد أن يفرضها على البلاد.
- منتبهون لكل مخططات ضرب الاتحاد ولن تمر.
- وجود المرسوم 54 دليل على أن الحريات دخلت أقفاص السجون.
- الجميع يحاول تركيع الاتحاد.
يشهد الاتحاد العام التونسي للشغل في الفترة الأخيرة حالة من التضييقيات المتواصلة، تمثلت في ملاحقة نقابيين وسجنهم، عدا عن حملات التشويه على مواقع التواصل الاجتماعي من مناصرين للرئيس قيس سعيد، والتلويح من الحكومة بدعم نقابات أخرى. فيما شهد مقر الاتحاد، أمس السبت، محاولة اقتحام من أنصار الحزب الدستوري الحر الذي تقوده عبير موسي، ما اعتبر تطوراً خطيراً في الأزمة التي تعيشها البلاد.
المتحدث الرسمي باسم الاتحاد، سامي الطاهري، يوضح لـ"العربي الجديد" خلفيات هذه التطورات الخطيرة، وموقف المنظمة من تدهور واقع الحريات في البلاد، ورؤية الاتحاد للخروج من الأزمة.
* بمَ تفسّرون الهجمة الشرسة على الاتحاد؟
الهجمة الشرسة على الاتحاد ليست غريبة وتأتي من عدة أطراف دون استثناء، من السلطة ومن النهضة وأنصارها ومن الحزب الدستوري، وهم جميعاً ينهشون الاتحاد ويحاولون تركيعه ويتسابقون على وضعه في الصف، هناك رغبة في الاستقطاب؛ وهؤلاء تنقصهم الخبرة والتجربة ولا يعرفون أن هذا الاستقطاب مرفوض من المنظمة. قد نلتقي في المواقف مع بعض الأطراف في تقييم وضع ما أو في ملف معين، ولكن لا يمكن أن نكون كمنظمة مصطفين مع هذا الطرف أو ذاك، فنحن كنا في تباين مع النهضة لدفاعها أثناء فترة حكمها على النهج الليبرالي، ونحن متباينون مع الحزب الدستوري لأنه يستعيد حكم الماضي الاستبدادي والليبرالي، ومتباينون أيضاً مع السلطة القائمة الحالية التي تعبر في الظاهر عن بعد اجتماعي ولكنها واقعياً تتبنى خيارات ليبرالية واضحة، وتمارس سياسة استبدادية.
هذه الأطراف الثلاثة تجتمع كلها في سياسات ليبرالية، فالاتحاد يتعارض معها جميعاً في هذه السياسات، ولذلك هي تعتبره عقبة في تنفيذ سياستها وفي التعهدات الدولية التي تعقدها مع الخارج باسم الشعب.
*هل تقصد السلطة في علاقة بالتعهدات مع صندوق النقد الدولي؟
كل من حكم كان دائماً يعقد تعهدات مع الخارج ومع الدول المانحة؛ تعهدات تضرب الاقتصاد الوطني والبعد الاجتماعي، وتفتح تونس للخارج سوقاً دون قيد أو شرط. ولذلك فالحملة ضد الاتحاد تأتي لمواقفه ولأنه قوة اجتماعية كلٌّ يريد أن يستخدمها للتمكن من السلطة أو العودة للسلطة.
*تزامنت هجمة الحزب الحر الدستوري مع لقاء سعيد برئيسة الحكومة نجلاء بودن ووزيرة العدل ليلى جفال، الجمعة، واللقاء فهم منه أنه رسائل مباشرة لاتحاد الشغل؟
إصرار الاتحاد على أن الحوار هو مخرج الأزمة التي تعيشها البلاد لا يرضي الرئيس طبعاً، لأنه مصرّ على الحكم الفردي، وهذا الإصرار يجعله يعتبر الحوار مهدداً للتفرد بالقرار وتمركز السلطات والهيمنة المطلقة التي يريد أن يفرضها على البلاد، وبالتالي فالرسائل للاتحاد دائماً موجودة، وعلى الرئيس عندما يتحدث عن حب الشعب أن يوجه ذلك لحكومته التي تتفاوض مع صندوق النقد الدولي لبيع تونس والاستدانة من جديد لتحميل عموم الشعب فشل سياسته التي يعتمدها، وهي سبب الغلاء ورفع الدعم، ولذلك هم مغتاظون من الدعوة للحوار.
أما بالنسبة لما قامت به رئيسة الحزب الحر الدستوري من محاولة اقتحام مقر الاتحاد أمس، فهذا الحزب خفت بريقه منذ مدة، وزعيمته تحاول العودة للساحة من جديد عبر المناوشات التي قامت بها أمام نقابة الصحافيين والاتحاد، وكانت في الحقيقة تخطط لمحاولة الاعتصام بأحد المقرين، وخلق أزمة جديدة في البلاد كما فعلت سابقاً أمام مقر اتحاد العلماء المسلمين، وهي تدفع نحو أزمة أمنية وسياسية جديدة، ولكنها لم تنجح في ذلك، لأنه في ظرف 5 دقائق فقط تجمع النقابيون للدفاع عن مقرهم وتم طردها ونأمل أن تعتبر من ذلك.
*تقول إن الرئيس رفض الحوار، ولكن في نفس الوقت هناك انتقادات عديدة للاتحاد لإصراره على تقديم المبادرة إلى الرئيس؟
صحيح هو عبر عن رفضه للحوار، ولكن نحن نرى أنه ينبغي الذهاب إلى آخر الطريق، ولا بد من تقديمها له، فنحن مصرّون طالما أن هناك سلطة قائمة هي معنية أيضاً بالحوار، وربما تكون المبادرة ضاغطة حتى يعود الرشد للبعض ويراجع موقفه وسياساته ويخفف من انفلاته في اتجاه التفرد والاستبداد، ولو رفض سيكون ذلك واضحاً أمام الشعب، نحن سنقدمها وإن رُفضت فستكون عنصر تجميع مدني وسياسي حول التصورات التي ستُقترح، وسيكون لكل حادث حديث وقتها، وستنبثق عنها قرارات لتفعيل المبادرة وعرض بدائل وتجميع القوى المعارضة لهذه السياسات الاستبدادية.
*المبادرة تأجل الإعلان عنها مرات عديدة، فمتى تنوون تقديمها؟
حالياً تم استكمال المبادرة، والمنظمات المشاركة (اتحاد الشغل، هيئة المحامين، رابطة حقوق الإنسان، منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية) ستعرضها على هياكلها، وإذا تمت المصادقة عليها سنعقد ندوة صحافية في الغرض.
*ما هو تقييم الاتحاد لواقع الحريات في تونس؟
استهداف الحريات واضح جداً في ظل عشرات الاعتقالات والانتهاكات والمضايقات، واستهداف الإعلام وعدم تمكين العاملين في المؤسسات الإعلامية المصادرة من أجورهم منذ أربعة أشهر مثل إذاعة "شمس أف أم"، إلى جانب حملات التشويه للإعلاميين والمحاكمات التي تهدف إلى الترهيب وفق المرسوم 54، مجرد وجود هذا المرسوم دليل على أن الحريات دخلت أقفاص السجون، لأنه حتى في غياب تدخل السلطة والمحاكمات هناك رقابة ذاتية تتسلل شيئاً فشيئاً، وهي أخطر ما يصيب الحريات.
*ألا ترى أن استهداف الاتحاد هو محاولة ضرب آخر معقل للدفاع عن الديمقراطية التونسية؟
السلطة القائمة، وحتى الحكومات السابقة، كانت دائماً تعمل على محاولة إضعاف الاتحاد، أو على الأقل إرباكه أو إسكاته بأي شكل من الأشكال، واليوم السلطة استهدفت الأحزاب والمجتمع المدني والأفراد، ونجحت في ذلك نسبياً ولم يبق أمامها سوى منظمة الاتحاد، وهناك رغبة لوضع اليد عليه للقيمة الرمزية والتاريخية والاعتبارية له، من خلال التشكيك في تاريخ المنظمة وشرعيتها والتضييق عليها من خلال إلهائها عما يحصل من استهداف الحريات بالمناوشات هنا وهناك، حتى تضيع بذلك قضايا الديمقراطية والحقوق، ومن ثمة حقوق الشعب، لأنه إذا ضُرب الاتحاد فستُباع المؤسسات ويُرفع الدعم، وهو الآن يرفع تدريجياً، وستجد الحكومة نفسها وجهاً لوجه مع الشعب دون أي جهة تدافع عنه.
نحن واعون بذلك، ومتنبهون إلى ما تخطط له السلطة دائماً، منذ 2011، اختلفت الطرق وتنوعت أساليب الاستهداف، ولكن اليوم تشعبت محاولات ضرب المنظمة من خلال استهداف المقرات ومحاولة إبراز نقابات جديدة لا وجود ولا تأثير لها على أرض الواقع، وهناك هجوم متواصل على الاتحاد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهناك صفحات تتبع أنصار الرئيس دائماً تهاجم الاتحاد وتطلق إشاعات لتشويهه، كذلك إيقاف المفاوضات من الحكومة، وغيرها من المخططات، نحن ندرك هذه الخطط ومستعدون للتصدي لها ومجابهتها بكل الوسائل.