الاحتجاجات على وفاة مهسا أميني تمتد إلى 20 مدينة إيرانية وسط اشتباكات مع الشرطة
تمددت الاحتجاجات على وفاة الشابة مهسا أميني ليلة الثلاثاء-الأربعاء إلى مدن أخرى، وسط مشاهد كرّ وفرّ واشتباكات بين المحتجين وقوات الشرطة والتدخل السريع، واتهامات رسمية لسفارات أجنبية بـ"إثارة الشغب" في البلاد، وحديث رسمي عن اعتقال رعايا أجانب، فضلاً عن وجود أنباء غير رسمية عن قتلى ومصابين جدد.
وتوفيت الشابة مهسا أميني الجمعة في المستشفى بعد أيام من إيقافها من قبل شرطة الآداب بتهمة عدم التقيد بقواعد الحجاب.
وشهدت 20 مدينة إيرانية الليلة الماضية تجمعات احتجاجية، وفق وكالة "إرنا" الرسمية، لكن الأخيرة قلّلت من أهمية أعداد المشاركين في هذه التجمعات، مشيرة إلى أنها راوحت بين 100 إلى 400 شخص، حسب قولها.
واتهمت "إرنا" من سمّتهم "المندسين" بين المحتجين بممارسة "سلوك تخريبي" و"إثارة الشغب" ومهاجمة الممتلكات العامة والخاصة، مشيرة إلى احتجاجات في أربع نقاط وسط طهران، وقالت إن المحتجين "أغلقوا معابر وسط المدينة وأحرقوا مستوعبات النفايات ورموا الحجارة تجاه قوات الشرطة".
الإحتجاجات الغاضبة في "#Iran" (#إيران) على مقتل الشابة الإيرانية "#MahsaAmini" (#مهسا_أميني) .. المحتجون يضربون شرطي بعدما حاول التهجم عليهم pic.twitter.com/z0PgoNMy5X
— Mohammed Qasim 🇺🇦 (@Mohamme71998) September 20, 2022
انطلقت آخر الاحتجاجات، ليل الأربعاء، في عدة مدن إيرانية، من بينها العاصمة طهران، وسط تواجد مكثف لقوات الشرطة والأمن.
وقالت وكالة "فارس" الإيرانية إن محتجين تجمعوا في عدة نقاط وسط طهران، مطلقين هتافات سياسة حادة ضد المسؤولين والسلطات، قبل أن تفرقهم الشرطة مستخدمة الغاز المسيل للدموع.
ولفتت الوكالة إلى أن المحتجين أغلقوا شارع "وليعصر"، بعض الوقت قبل أن تفرقهم قوات الأمن.
كذلك أوردت وكالة "تسنيم" الإيرانية أن طهران في عدة نقاط في شمالها ووسطها، شهدت "تجمعات محدودة".
إلى ذلك، راجت أنباء عن حظر منصة "إنستغرام" و"واتساب" في إيران، بعد صعوبة الوصول إلى هذه الشبكات، لتؤكد وكالة "تسنيم" الإيرانية، تقييد الوصول إلى المنصتين الاجتماعيتين "بشكل مؤقت"، عازية السبب إلى "محاولة منع الاتصالات الأمنية بين مثيري الشغب والعناصر المنظمة لأعمال الشغب"، على حد تعبير الوكالة.
وتشير مقاطع مصورة منتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي، لا يمكن لـ"العربي الجديد" التحقق من صحتها، إلى تنظيم تجمعات احتجاجية، اليوم الأربعاء، في جامعات بطهران، ومدن أخرى، منها مشهد وسيرجان وسردشت ومهاباد والأهواز، وبابل ونيشابور وسقز.
كذلك، راجت أنباء غير رسمية على شبكات التواصل عن اعتقالات لمحتجين ونشطاء وناشطات في عدة مدن، من بينهم الناشطة المعارضة في مدينة مشهد فاطمة سبهري، فضلاً عن حديث غير رسمي عن سقوط قتلى جدد بالاحتجاجات في مدن بمحافظتي أذربيجان الغربية وكردستان، لكن لا تعليق رسمياً بعد على هذه الأنباء.
كما أعلن عن تشكيل أول وحدة نسائية للقوات الخاصة في إيران. ففي مقطع مصور، نشرته وكالة "مهر" الإيرانية، تتحدث واحدة من هذه القوات عن أنها تمكنت من "القبض على 8 سيدات" خلال تجمعات أمس الثلاثاء في طهران، متهمة إياهن بإدارة هذه التجمعات.
ونشرت وكالة "تسنيم" مقطعاً مصوراً عن مسيرة لأنصار النظام في مدينة مشهد التي تشهد تجمعات احتجاجية على وفاة الشابة مهسا أميني.
وانتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي، مشاهد لتعنيف المحتجين وإطلاق النار واستخدام الغاز المسيل للدموع، وسط تعليقات غاضبة من المستخدمين.
إلى ذلك، قال المدير العام لمنظمة الطب العدلي في محافظة طهران، مهدي فروزش، مساء الأربعاء، في مقابلة تلفزيونية، إن نتائج معاينات الطب العدلي الأولية تظهر "عدم وجود آثار ضرب على رأس ووجه وأطراف العيون وانكسار في الجمجمة" على جسد الفتاة مهسا أميني. وأضاف أن تشريح جثمانها أيضاً "أظهر عدم وجود نزيف داخلي في البطن أو تمزق في الأمعاء"، قائلاً في الوقت ذاته إن "تحديد سبب الوفاة بحاجة إلى الوقت"، وستعلن عن النتائج لاحقاً في تقرير رسمي للطب العدلي، حسب قوله.
وشهدت، أمس الثلاثاء، عدة جامعات في طهران ومحافظات أخرى، تجمعات احتجاجية غاضبة على وفاة الشابة مهسا أميني، التي تؤكد الشرطة أنها توفيت بسبب "نوبة قلبية"، لكن المحتجين يشككون في هذه الرواية، متهمين الشرطة بضربها والتسبب بوفاتها.
وفيما تمددت الاحتجاجات الثلاثاء إلى المزيد من المدن، فإنها تراجعت في محافظة كردستان التي كانت معقل الاحتجاجات خلال الأيام الماضية، إذ تعود أصول الفتاة مهسا أميني إلى مدينة سقز بالمحافظة نفسها قبل أن تزور طهران الثلاثاء بالأسبوع الماضي برفقة عائلتها للسياحة وزيارة الأقارب.
وفي الأثناء، أفادت منظمة "هنجاو" الحقوقية خارج إيران بـ"مقتل محتج من مدينة أرومية (مركز محافظة أذربيجان الغربية) يدعى فرجاد درويشي بنيران قوات الأمن". وكانت المنظمة قد أشارت قبل أمس إلى مقتل 3 محتجين آخرين في محافظة كردستان بنيران القوات الإيرانية. وأكد رئيس محافظة كردستان، إسماعيل زارعي كوشا، مقتل هؤلاء الأشخاص، لكنه نفى أن تكون القوات الإيرانية قد قتلتهم، متهماً مجموعات وصفها بأنها "إرهابية" بقتلهم، ومحذراً من "اصطناع القتلى".
والمقاطع المصورة المتداولة على شبكات التواصل الاجتماعي في إيران، تظهر مواجهات بين المحتجين وقوات الشرطة والأمن وحالات كرّ وفرّ بينهم، وتعنيف محتجين ومحتجات، فضلاً عن استخدام الشرطة الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق المتظاهرين. كذلك شوهد استخدام الأسلحة، وسُمع إطلاق نار في بعض التجمعات، وتتحدث أنباء غير مؤكدة على شبكات التواصل عن مقتل محتجين في طهران وكرمان، لكن السلطات لم تؤكدها أو تنفها بعد، ولم ترد بعد أنباء بشأن ذلك على الوكالات ووسائل الإعلام الإيرانية.
In today's demonstration in #Tabriz Iranian Azerbaijanis are following police and forcing them to flee#تبریز#IranProtests2022 pic.twitter.com/res4GXtRZr
— Yashar Hakak Pour (@YasharH3) September 20, 2022
النّساء يشكّلنَ عصب الاحتجاجات
من اللافت أن النساء يشكلن عصب الاحتجاجات الأخيرة، إذ أظهرت فيديوهات مشاهد خلع بعضهن خلال التجمعات الاحتجاجية الحجابَ ورفعهنّ مناديل الرأس بأيديهن أو حرقها، بالإضافة إلى أن بعضهن قمن بقص الشعر، تعبيراً عن الاحتجاج على وفاة مهسا أميني و"الحجاب الإلزامي".
وإلى ذلك، رفعت خلال الاحتجاجات هتافات سياسية حادة ضد المسؤولين ومطالبات بإنهاء عمل دوريات شرطة الآداب وإلغاء قانون الحجاب، فضلاً عن شعارات دعت إلى احترام حقوق المرأة.
وأوردت وكالة "تسنيم" الإيرانية، اليوم الأربعاء، أن أحد رجال الشرطة في مدينة مشهد شرقي إيران، أُحرق بـ"شكل مريب"، مشيرة إلى أن عدداً آخر من المحتجين أخمدوا الحريق، لكن الشرطي أصيب بـ"حروق خطرة".
وفي السياق، يظهر مقطع مصور منتشر على شبكات التواصل، أن شرطياً يركض والنيران مشتعلة على جسده قبل أن ينجح محتجون في إخماده، وذكرت "تسنيم" أن عدداً آخر من قوات الشرطة "تعرضوا للاعتداء" في مناطق أخرى في البلاد، قائلة إن "الحالة الصحية لبعضهم ليست مناسبة".
🔥
— Emad Alreakany (@reakanyreakany) September 20, 2022
حرق شرطي وسط الشارع في مشهد ـ ايران pic.twitter.com/GdujtGSqr9
وأضافت الوكالة أن مسجداً في مدينة رشت شماليّ البلاد تعرض لحريق، معتبرة أن ذلك "من المؤشرات الواضحة على اندساس عناصر منظمة بين المحتجين"، مع الإشارة إلى أن مزاراً دينياً في مدينة همدان أيضاً تعرّض للاعتداء، فضلاً عن "الاعتداء" على العلم الإيراني ومحجبات وسيارات إسعاف. واتهمت الوكالة قنوات "بي بي سي" الفارسية ومنصات إعلامية تابعة للمعارضة الإيرانية في الخارج بتحريض الشارع الإيراني.
إلى ذلك، قال رئيس محافظة طهران، محسن منصوري، إن تقارير الأجهزة الإيرانية المعنية "تظهر بوضوح مؤشرات على تدخل بعض السفارات والأجهزة الأجنبية (الاستخباراتية) في القضايا الأخيرة في طهران"، مضيفاً أنه "خلال الاعتقالات في تجمعات طهران الليلة الماضية اعتُقِل رعايا من ثلاث دول".
من جهته، كشف وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي، محمد مهدي إسماعيلي، اليوم الأربعاء، في تصريحات للتلفزيون الإيراني، عن قرار لـ"إصلاح أسلوب شرطة الآداب"، مضيفاً أنه سيتم الإعلان عنه قريباً.
وقال إسماعيلي إن "المجلس الأعلى للثورة الثقافية أصبح يناقش قبل أشهر وقبل الأحداث الأخيرة موضوع شرطة الأمن الأخلاقي وتبنى قرارات جيدة لاتخاذ أسلوب جديد (في شرطة الآداب)".
إلى ذلك، قال النائب الإيراني جلال رشيدي كوجي، عضو لجنة تقصي الحقائق البرلمانية حول حادث وفاة الشابة مهسا أميني، اليوم الأربعاء، إن تحقيقاته وتقرير الطب العدلي خلصت إلى أن أميني "لم تتعرض لأي ضرب أو عنف جسدي"، على حد تعبيره.
بنا به گزارش دقیق دستگاه های متولی، در مسائل اخیر تهران، ردپای مداخله ی برخی از سفارتخانه ها و سرویس های خارجی به وضوح مشاهده میشود. در بازداشت های شب گذشته تجمعات تهران، تبعه هایی از سه کشور خارجی دستگیر شدند.
— محسن منصوری (@mansouri0mohsen) September 20, 2022
تفاعلٌ دوليّ مستمر
وعلى الصعيد ذاته، ما زالت قضية مهسا أميني تتفاعل خارج إيران بموازاة تفاعلها داخلها، ليصدر المزيد من التعليقات والتصريحات من الدول، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية. وفي المقابل، ووجهت هذه الردود برفض إيراني.
ووصل الاحتجاج الدولي إلى أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث أشار الرئيس التشيلي غابريل بوريك في كلمته بالجمعية أمس، إلى هذا الحادث، داعياً إلى "إنهاء العنف ضد النساء".
وعلّقت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك على هامش اجتماعات الجمعية العامة على وفاة مهسا أميني، داعية الحكومة الإيرانية إلى احترام الاحتجاجات التي قالت إن المحتجين يتظاهرون دفاعاً عن حقوق الإنسان.
كذلك، خرجت المزيد من التصريحات من الإدارة الأميركية، حيث قال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، في مؤتمر صحافي، إن "هذا الحادث يظهر قمع ووحشية النظام.. أن تفقد امرأة روحها لأجل حقوقها الأساسية. لا نستغرب نزول المواطنين إلى الشارع للاحتجاج على أن هذا الوضع الذي يعيشون فيه لا يليق بهم".
إلى ذلك، قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في تصريحات إعلامية إنه خلال لقائه نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي، الثلاثاء، تحدث عن حقوق النساء في إيران، مضيفاً: "قلت بشكل صريح إننا ندافع عن حقوق الإنسان، ولا سيما حقوق النساء".
وفي السياق، نقلت وكالة "فارس" الإيرانية، عن مسؤول الشؤون السياسية بمكتب الرئاسة الإيرانية، محمد جمشيدي إن لقاء ماكرون مع رئيسي كان من المقرر أن يستغرق 45 دقيقة، لكنه طال إلى 90 دقيقة، قائلاً إن الرئيس الفرنسي "أطلق جملة عامة حول حقوق النساء من دون ذكر اسم إيران".
وأشار إلى أن الرئيس الإيراني رد على هذا الجزء من تصريحات ماكرون بدعوته إلى زيارة إيران للتعرف إلى ما قال إنه "الحقائق بشأن تقدم حققته النساء بعد الثورة". وأضاف رئيسي أن "قضايا إيران تخص الإيرانيين وحدهم، والاتحاد الأوروبي إذا أراد أن يصدر بياناً حول النساء، فعليه أن يصدره حول عنف الشرطة ضد النساء في أميركا والغرب".
في الأثناء، رد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية على المواقف ضد بلاده بشأن وفاة الفتاة مهسا أميني بإدانة هذه المواقف، داعياً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودولاً أخرى لم يسمِّها إلى "تجنب الانتهازية واستخدام مصلحي لمقولة حقوق الإنسان"، ومضيفاً أن هذه الدول "سجلها طويل في إثارة الحروب والعنف في أنحاء العالم ولا تتمتع بشرعية لوعظ الآخرين بشأن حقوق الإنسان".
وكانت "شرطة الأخلاق" في العاصمة الإيرانية طهران قد اعتقلت، الثلاثاء الماضي، مهسا أميني التي كانت في زيارة لطهران للسياحة برفقة أسرتها، آتية من محافظة كردستان، أمّا السبب فحجابها "غير المناسب" وفق رواية الشرطة. لكن بعد ساعتَين من اقتيادها إلى مركز شرطة نُقلت الشابة إلى مستشفى في حالة غيبوبة، قبل أن تتوفّى مساء الجمعة الماضي.
وأعلنت الشرطة الإيرانية أنّ الغيبوبة نتجت من إصابة أميني بـ"نوبة قلبية مفاجئة" خلال "جلسة إرشاد"، لكنّ أسرتها ونشطاء ومدوّنين يشكّكون في الرواية الرسمية، وسط اتهامات للشرطة بتعذيبها وتعنيفها.
وتحوّلت وفاة مهسا أميني في هذه الظروف إلى قضيّة رأي عام في إيران، وحاولت السلطات احتواء غضب الشارع، من خلال إطلاق تصريحات وطمأنات بإجراء تحقيقات "عادلة وعاجلة" بشأن حادثة وفاتها، فأجرى الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، اتصالاً بأسرتها، مطمئناً إياها إلى متابعة الموضوع.