فيما ينشغل العالم بحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، دفعت الحكومة الإسرائيلية، خلال الآونة الأخيرة، بالعديد من المخططات لتوسيع الاستيطان في القدس المحتلة، مستغلة الهجمات الفدائية التي يشنها مقاومون فلسطينيون، والتي كانت آخرها عملية حاجز الزعيم، إلى الشرق من مدينة القدس المحتلة.
وفي هذا الإطار، أعلنت سلطات الاحتلال عن التجمّع الاستيطاني "متيسبه يهودا" المتاخم لمستوطنة "معاليه أدوميم"، المقامة على أراضي الفلسطينيين شرق القدس المحتلة، مستوطنة رسمية، تقررت لتوسيعها مصادرة أكثر من 600 دونم، في حين سبق هذا الإعلان بناء مئات الوحدات الاستيطانية على أراضي قرية أم طوبا جنوب القدس المحتلة.
وسبق هذين الإعلانين مصادقة ما يسمى بـ"اللجنة اللوائية للتنظيم والبناء الإسرائيلية في القدس"، في التاسع من شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام المنصرم، على إقامة حي يهودي جديد في قلب حي رأس العمود الفلسطيني، بالإضافة إلى بناء جدار وطريق أمني، وتسيير آليات مصفحة وكاميرات حماية قادرة على التعرف على الوجه، وذلك بعد يومين فقط من عملية "طوفان الأقصى".
برنامج إسرائيلي لتفتيت الأحياء الفلسطينية والسيطرة عليها
وفي هذا الشأن، يقول خبير الاستيطان خليل تفكجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الحي الاستيطاني المقترح هو واحد من أربعة أحياء تدفع بها ما تسمى وزارة العدل الإسرائيلية، والأحياء الثلاثة الأخرى هي "نوفي راحيل" الذي يبعد بضعة أمتار فقط عن بيوت قرية أم طوبا المقدسية ويضم 650 وحدة استيطانية، والحي الاستيطاني المخطط لإقامته في قلب قرية أم ليسون في صور باهر بالقدس، وحي "غفعات هشكيد" الملاصق لبلدة بيت صفافا، بما يشمل في النهاية بناء 3000 وحدة استيطانية.
ويرى تفكجي أن ما أعلن الاحتلال عنه مؤخراً "إنما يندرج ضمن برنامج إسرائيلي واضح لتفتيت الأحياء الفلسطينية والسيطرة عليها، بإقامة البؤر الاستيطانية داخل هذه الأحياء، مستندا إلى برنامج يقوم على ثلاث نقاط رئيسية.
ويسرد الخبير الفلسطيني هذه النقاط، وأولها التطويق، أي تطويق الأحياء الفلسطينية بالمستعمرات الإسرائيلية، وقد تم تطويق صور باهر وأم طوبا وإحاطتهما من الناحية الجنوبية بمستوطنة جبل أبو غنيم، ومن الناحية الشمالية بـ"تلبيوت" الشرقية، أما من الناحية الغربية فطوقت بمستوطنات "جفعات همتوس" و"القناة السفلى"، ومن الناحية الشرقية الشارع الأميركي.
أما النقطة الثانية، بحسب تفكجي، فتستند إلى ما يعرف بعملية الاختراق، أي إقامة بؤر استيطانية داخل الأحياء الفلسطينية، وهذا ما يحدث الآن في إقامة الوحدات الاستيطانية المقترحة في "نيفي راحيل" لإقامة البؤرة الاستيطانية في صور باهر.
أما النقطة الثالثة فتستند إلى عملية التشتيت، أي تحويل الأحياء الاستيطانية إلى فسيفساء داخل الأحياء الفلسطينية، وهذا هو الهدف الأمني، وصولاً إلى الهدف السياسي، وهو منع أي تواصل للدولة الفلسطينية مستقبلا حال أقيمت، وهو ما لن يحدث بالمطلق وفق الرؤية الإسرائيلية، بحسب خبير الاستيطان.
ويضيف تفكجي أن بعد ذلك يأتي تحديد النمو السكاني الفلسطيني في هذه الأحياء، بما في ذلك بيت صفافا بعد تطويقها بالكامل، ودمجها ثم تقطيعها بالشوارع وإحاطتها بالمستعمرات الإسرائيلية من جميع الجهات.
استغلال الأوضاع لتوسيع الاستيطان في القدس
من جانبه، يرى المحلل السياسي والإعلامي محمد هلسة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن كل الحكومات الإسرائيلية، يسارها ويمينها ومركز وسطها، استثمرت على الدوام الظروف الإقليمية والدولية التي شعرت أنه بإمكانها استغلالها للانقضاض على الفلسطيني في كل أماكن وجوده وتحديدا في مدينة القدس، وظلت هذه السياسة مشهداً يحكم الساحة السياسية الإسرائيلية، مع تفاوت في الطريقة المنتهجة لتحقيق أهدافها.
ويقول هلسة: "المشهد الآن مختلف لاعتبارات عدة، أولها أن هذا اليمين هو يمين قومي استيطاني، ومشروع الاستيطان والتوسع هو مشروعه الرسمي المعلن صراحة ليس مواربة وليس على استحياء، بل هو يعلن عنه ويقلب المشهد لمصلحة روايته بالإكراه، خلافا لمنطق الحكومات السابقة التي آمنت بمنطق التدرج والقضم التدريجي للحقوق في المسجد الأقصى ولمعالم مدينة القدس وجغرافيتها أو لحساب سياسة الاحتلال والطرد الهادئ".
ويضيف هلسة: "بالتالي هذه الحكومة تؤمن بكسر الوضع الراهن وكل الخطوط الحمراء، التي ظلت سائدة بالحكومات السابقة في التعامل مع المقدسي ومع العربي، وقد رأينا في سياسة بن غفير تجاه الأسرى وطريقة تعامله معهم، بحيث جردهم من كل الحقوق ومن إنسانيتهم، واليوم يفاخر بما قام به من دون أن تحدث أية رد فعل، ويحاول أن يقيس هذا المشهد على حرمان المسلمين من الداخل الفلسطيني والضفة الغربية من الصلاة في المسجد الأقصى، ومثله فعل وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش في تعامله مع قضية الاستيطان وتوسيعه متذرعاً بالهجمات الفلسطينية".