أطلقت شرطة الاحتلال الإسرائيلي سراح عدد من قيادات الداخل الفلسطيني، بينها رئيس لجنة المتابعة العليا لفلسطينيي الداخل محمد بركة، وذلك بعد اعتقالهم، صباح اليوم، تزامناً مع وقفة ضد العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة.
وأُطلق سراح أعضاء حزب التجمع الوطني الديمقراطي بشروط مقيدة، حيث منعت الشرطة سامي أبو شحادة من دخول الناصرة مدة 14 يوما، وجرى تحويل يوسف طاطور، نائب الأمين العام للتجمع، إلى الحبس المنزلي مدة خمسة أيام والإبعاد على الناصرة 14 يوماً.
وكذلك جرى إبعاد امطانس شحادة، النائب السابق عن الناصرة، وحنين زعبي، النائبة السابقة عن منطقة العين في الناصرة، مدة 14 يوماً.
وخضع رئيس لجنة المتابعة للتحقيق في محطة الشرطة في مدينة بيسان، حسب مركز ميزان الحقوقي، حيث رافقه كل من مدير مؤسسة ميزان، المحامي عمر خمايسي، والمحامي مروان مشرقي، والدكتور يوسف جبارين، إلى جانب أفراد من عائلة محمد بركة.
واستنكرت مؤسسة ميزان لحقوق الإنسان (الناصرة) "حملة الاعتقالات والهجمة التعسفية غير المبررة والمستهجنة في ذات الوقت على قيادات مجتمعنا العربي، وفي مقدمتهم رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية".
وتؤكد "ميزان" أن "اعتقال القيادات العربية تحمل رسائل التخويف والتهديد لمجتمعنا عامة، لمنعه من أي تضامن مع شعبنا الفلسطيني في غزة، وحتى لو كانت مجرد وقفة صامتة".
بركة: لن نسمح بإخماد صوتنا
وعقّب محمد بركة بعد إطلاق سراحه في كلمة مصورة من لجنة المتابعة، قائلاً: "واضح أن ماكينة الحرب تريد أن تسكت الأصوات ضد الحرب. وتوقيفي اليوم كان أشبه بعملية كوماندوز، أغلقوا الشارع العام من كل الجهات وفتحوا باب السيارة واقتادوني إلى محطة الشرطة".
وأوضح بركة أن الاحتلال بعد أن رأى التضامن والوفد المساند له، قرر نقله إلى محطة بيسان، مضيفاً: "لا يوجد عندهم شيء. هم يريدون إخماد الصوت، ونحن صوتنا لن نسمح لهم بإخماده".
وتابع: "نحن موقفنا موقف محترم وموقف إنساني، موقف معادٍ للحرب، موقف معادٍ للمسّ بالأبرياء. ولذلك نحن نقول كلاماً واضحاً، لن يسكتوا صوت لجنة المتابعة، لن يسكتوا صوت الجماهير الغربية الفلسطينية في البلاد".
اختطاف على طريقة عصابات الإجرام
وعن اعتقال بركة صباح اليوم، قال أمجد شبيطة، سكرتير حزب الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، إن "الاعتقال كان بطريقة الاختطاف إن صح القول، بمعنى أن محمد بركة كان في سيارته واعترضت طريقه سيارة مدنية لا سيارة شرطة، ترجل منها رجال شرطة واقتادوه إلى سيارتهم. نحن نعرف أن هذه وسائل ربما هي أقرب إلى تصرفات عالم الإجرام منها إلى الشرطة وأذرع تطبيق القانون".
من جانبها، عقبت الشرطة الإسرائيلية بالقول إنها أوقفت بركة للاستجواب بزعم "محاولته، خلافاً لتعليمات الشرطة، تنظيم مظاهرة قد تؤدي إلى التحريض والإضرار بسلامة وأمن الجمهور".
وادّعت الشرطة أنه "في هذه الأيام، وسط وجود دولة إسرائيل في حالة حرب، فإن الجو العام متوتر للغاية. المختطفون لدينا لم يعودوا بعد، والشرطة منشغلة بمهامها. مطلوب من كل مواطن في دولة إسرائيل أن يحترم القانون ويستمع لتعليمات الشرطة. لن تسمح شرطة إسرائيل بأي محاولة لانتهاك النظام العام أو محاولة التحريض، وستتخذ إجراءات صارمة ضد كل من يحاول القيام بذلك".
إدانات ومطالبات بإطلاق سراح الموقوفين
وأكد التجمّع أن "هذا الاعتداء على قيادات المجتمع العربي هو سابقة خطيرة، فيها رسالة سياسية واضحة لإسكات صوتنا الوطني والأخلاقي والإنساني، ورفض أي صوت ضد الحرب، وكمّ الأفواه في المجتمع العربي بالداخل".
كذلك طالب التجمّع بإطلاق سراح المعتقلين كافة، وختم بيانه بالقول إن "مطلب وقف الحرب بات مطلباً شعبياً ودولياً، حيث لا يمكن استمرار هذه الحرب التي تجبي آلاف الأرواح من المدنيين والأطفال والنساء والشيوخ"، مؤكداً أن "حملة التسكيت والملاحقة وتكميم الأفواه التي تمارس تجاه مجتمعنا العربي في الداخل لا تعني تخلينا عن موقفنا الأخلاقي والإنساني والوطني ضد الحرب والجرائم المرتكبة بحق المدنيين والأبرياء".
بدوره، أصدر الحزب الشيوعي بيان استنكار لاعتقال محمد بركة، إذ أكد البيان أن مثل هذه الاعتقالات لقيادات المواطنين العرب "تصعيد خطير في حملة الاعتقالات الترهيبية والسياسة الفاشية ضد مجتمع كامل".
وطالب البيان الشرطة بالتوقف عن استفزازاتها للمجتمع العربي، وبالتوقف عن الحرب المعلنة ضده قبل تصاعد الأمور.
كذلك، أصدر مركز عدالة بياناً دان فيه "السياسة الممنهجة في الميدان، وهدفها إسكات وتكميم أفواه لكل انتقاد أو رفض للسياسة العامة الإسرائيلية، وقمع مشين لحرية التظاهر للمواطنين الفلسطينيين في الداخل وملاحقتهم. الحديث يدور عن توقيف غير قانوني هدفه حظر أي نشاط سياسي".
العفو الدولية: الاعتقالات ملاحقة سياسية خطرة
بدورها، اعتبرت منظمة العفو الدولية (أمنستي)، اعتقال قيادات في لجنة المتابعة العليا وقيادات الفلسطينيين في الداخل، في طريقهم أو خلال وقفة احتجاجية ضد مواصلة الحرب على قطاع غزة وضد منع التظاهر من قبل الشرطة الإسرائيلية، "خطوة خطيرة ولا ينبغي أن تمر مرور الكرام، ومن الواضح أنها موجهة لمنع حرية التعبير والاحتجاج، وكتم أفواه وأصوات لا ترغب السلطات الإسرائيلية في سماعها".
وقالت مديرة منظمة العفو الدولية في البلاد مولي ملكار إن هذا الاعتقال "تصعيد خطير في سلسلة الملاحقات الواسعة التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين في الداخل، وارتفاع درجة في عمل شرطة الأفكار من قبل السلطات الإسرائيلية ضد كل من يعارض الحرب".
وتابعت ملكار: "رصد تعبير الفلسطينيين عن رأيهم من قبل الشرطة الإسرائيلية والتهديد بالتحقيق أو الاعتقال خلق حالة مروعة، حيث باتت تعتبر السلطات الإسرائيلية أن أي تعبير عن الحزن والأسى لمقتل المدنيين في قطاع غزة بمثابة تحريض على العنف أو تماه مع الإرهاب".
وشددت قائلة: "لا يمكن اعتبار حرية التعبير، لا في وقت السلم وأكثر في وقت الحرب، رفاهية، بل هي واجب. ومن الناحية الأخلاقية، يعتبر صوت المحتجين على مواصلة الحرب وقتل المدنيين أمراً ضرورياً، ليس فقط لمن يعبّر عنه، بل لكل المجموعات والمجتمعات، وعلمتنا التجارب السابقة أن السلطات التي تقيد حرية التعبير والاحتجاج وقت الحرب وتقمعها، تبقي هذه القيود حتى إشعار آخر ولا تزيلها بعد انتهاء الحرب".
وفي ظل منع الشرطة الإسرائيلية فلسطينيي الـ48 من التعبير عن النفس أو تنظيم أي مظاهرة ضد الحرب ومناصرة للأبرياء في قطاع غزة، قررت قيادة لجنة المتابعة (التي تضم مختلف الأحزاب والحركات السياسية في الداخل)، تنظيم وقفة احتجاجية في الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم، في ساحة العين في الناصرة، تقتصر عليها وعلى شخصيات تمثيلية فقط.
وجاء ذلك في محاولة منها لكسر الصمت من جهة، وتفادياً للتصعيد الإسرائيلي ضد فلسطينيي الداخل، في ظل حملة الاعتقال والمحاكمات الواسعة التي تطاولهم منذ عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وبداية حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة.
ورغم توضيح لجنة المتابعة أن "المشاركة في الوقفة ستكون محددة فقط لمن جرت دعوتهم شخصياً، وليست مفتوحة أمام الجمهور"، إلا أن هذا أيضاً لم يرق الشرطة الإسرائيلية التي اقتادت بركة إلى مركزها في مدينة "نوف هجليل" المجاورة للناصرة.
وكانت عناصر الأمن الإسرائيلية قد منعت عقد اجتماعين للجنة المتابعة في شفا عمرو وآخر في حيفا، قبل أسبوعين.
ويبحث فلسطينيو الداخل عن طرق للتضامن مع أهالي غزة والتعبير عن رفضهم الحرب، في فترة تضيّق إسرائيل فيها الخناق عليهم بشكل كبير وتفرض إجراءات مشددة، في أجواء هي أشبه بالحكم العسكري.
يبحث فلسطينيو الداخل عن طرق للتضامن مع أهالي غزة والتعبير عن رفضهم الحرب
واعتقلت الشرطة الإسرائيلية أكثر من 100 فلسطيني من الداخل منذ بداية الحرب، ووجهت لعدد منهم تهم التماهي مع حركة حماس وتأييد "تنظيم إرهابي"، وغيرها من التهم لمجرد رفض الحرب في حالات كثيرة.
وفي ظل الواقع الجديد، نظّمت لجنة المتابعة، أول من أمس الثلاثاء، لقاءً عربياً - يهودياً (أي بمشاركة إسرائيليين رافضين للحرب) عبر تطبيق "زوم"، شارك فيه نحو 600 شخص، من بينهم ذوو مسؤوليات سياسية وقضائية سابقة، وصنّاع رأي، ومسؤولون في مراكز حقوقية، وغيرهم، أكدوا جميعاً ضرورة وقف الحرب على قطاع غزة، ووقف الملاحقات والاعتقالات والمحاكمات في المجتمع العربي لقمع ما بقي من حرية تعبير.
وبحسب بيان صادر عن لجنة المتابعة، "كان من المفترض عقد اللقاء في واحدة من قاعات مدينة حيفا، إلا أن صاحب القاعة تلقّى تحذيرات وتهديدات من جهاز الشرطة بأوامر من وزيره (أي إيتمار بن غفير) وحكومته، فعقدت المتابعة مؤتمرا صحافيا حول القضية، ثم باشرت بإيجاد البديل وهو عبر تطبيق الزوم، إذ جرى التجهيز له ليكون قادرا على استيعاب المئات الذين أبدوا استعدادا للمشاركة".
وأكد المشاركون "أهمية اللقاء وتحدي كل الحصار الذي فرض على لقاء كهذا، رسالته السياسية واضحة".
"كانت معنا لافتة واحدة ولم نستطع فتحها"
من جهته، قال سامي أبو شحادة عقب إطلاق سراحه: "خرجنا قبل دقائق من محطة الشرطة في المجيدل أنا ورفيقي امطانس شحادة ونائب الأمين العام يوسف طاطور، جرى التحقيق معنا بشكل غير قانوني. كانت معنا لافتة واحدة لم نستطع فتحها مكتوب عليها أوقفوا الحرب".
وأضاف: "هذا لا شيء مقارنة مع ما يحصل لأبناء شعبنا في غزة أولاً وأبناء شعبنا في الضفة، ومع الملاحقات التي تحدث مع طلابنا الجامعيين ومع العمال ومع الأطباء ومع كل أبناء شعبنا من تعامل وحشي، فهذه الدولة تتعامل كأنه لا يوجد قانون. والقانون هو قانون العنف والغاب وتتعامل معنا على أساس أننا أعداء وغير مواطنين".
ومن جهته، قال المحامي حسن جبارين، مدير مركز عدالة، الموكل بالدفاع عنهم: "الاحتجاز غير قانوني، لأن التهمة هي تظاهرة غير قانونية، ولم تكن تظاهرة أصلاً كي لا تكون قانونية. نحن نتحدث عن وقفة احتجاجية التي كان من المفروض أن تكون اليوم في الساعة 11 صباحاً، ورئيس لجنة المتابعة أرسل إلى الشرطة بالأمس أنه سنقوم بوقفة احتجاجية ولا يتعدى عددها 50 شخصا وهي قانونية".