في ممارسة مشابهة لحالات سابقة، وآخرها خلال هبّة الكرامة عام 2021، يشهد الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 ملاحقات واعتقالات لعشرات الناشطين، على خلفية نشر منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، تحتوي على مضامين تضامنية مع أهل غزة. ويشبه إسكات المحتوى الفلسطيني وإرهاب مستخدمي وسائل التواصل بعد عملية "طوفان الأقصى"، العودة إلى الحكم العسكري، وذلك لإسكات وشطب أي رأي إنساني تضامني مع أطفال غزة والمدنيين منهم.
ويجرّ هذا الأمر مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي إلى التعرّض لمساءلات قانونية، بعد مراقبة من وحدة السايبر في أجهزة الأمن لمراقبة وسائل التواصل. وبرز منذ عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي قيام نشطاء اليمين المتطرف الإسرائيلي بمراقبة الناشطين الفلسطينيين بشكل طوعي، وتهدديهم ونشر أسمائهم مع تفاصيل شخصية عنهم.
وطاول ذلك جزءاً من المعتقلين، النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي الذين لديهم أعداد كبيرة من المتابعين، منهم مهند من كابول (جنوب شرقي عكا)، الذي أُفرج عنه بشروط مقيدة، وعيسى الفايد من يافة الناصرة الذي لا يزال معتقلاً.
ونالت المؤسسة الإسرائيلية من قيادات أيضاً، فاعتقلت بسبب منشورات على وسائل التواصل عامر الهزيل، وهو دكتور في العلوم السياسية ومرشح لرئاسة بلدية رهط، والذي لا يزال معتقلاً بزعم تعاونه مع فصائل فلسطينية.
وفي حديث مع المحامي الموكل بالدفاع عن الهزيل، شحدة بن بري، أوضح الأخير أن اعتقال الهزيل يوم الجمعة، والذي مدّد حتى يوم غدٍ الاثنين، جاء بسبب منشور على وسائل التواصل يحلل فيه أسباب الحرب، وجرى اتهامه "بمساعدة العدو في زمن الحرب"، وهذا يعتبر أخطر بند في قانون الجنائيات. وأوضح أن منشور الهزيل كان عنوانه "هذه حرب إبادة جماعية وتهجير قسري بالحديد والنار".
وتحدث بن بري عن "اعتقالات أخرى في النقب من تل السبع والأطرش ورهط ومناطق بالنقب". وأضاف أنه يوم أمس السبت خلال وجوده في المحكمة، "جرى إحضار صبيتين على خلفية نشرهما تعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي".
وكان قد اعتقل كذلك محمد كناعنة، من القيادات في حركة "أبناء البلد"، عضو لجنة المتابعة، هو ونجليه. وقد وصلت 40 سيارة شرطة بقوات ووحدات خاصة إلى منزله يوم الاعتقال، وجرى اعتقاله ثم الإفراج عنه مع حبس منزلي لمدة 5 أيام.
وفي حديث معه، قال كناعنة: "جرى اعتقالي وكذلك ولدي أسعد وحكيم، وصهري، ليل الخميس- الجمعة، وقد وصلت قوات كبيرة مدججة ضربوا ابني حكيم بوحشية، وقد تلقى علاجاً في المستشفى، كما اعتدوا على المارين بالسيارات والمتاجر في الحي في عرابة".
وشدّد على أن مشاهد الاعتقال "تؤكد العنجهية البربرية عند هؤلاء لترهيب الناس"، وشدّد على أن اعتقاله "هو ملاحقة سياسية وكان استباقياً، لأن دعوات خرجت للتظاهر الجمعة لا نعرف مصدرها، وهم يعتبرونني شخصاً محرضاً".
تلقى "مركز عدالة" عشرات البلاغات من طلاب فلسطينيي الداخل، الذين جرى فصلهم وإبعادهم عن التعليم، بسبب منشورات على وسائل التواصل
وأضاف كناعنة أنه "بالنسبة للمنشورات التي كتبتها على فيسبوك، فقد اعتبروها تحريضاً لكسر الصمت". وكان كناعنة كتب: "المياه الراكدة آسنة"، ومنشوراً آخر "#غزة لا تحترق، #غزة تُباد. حرب الإبادة مستمرّة بقرار وإجماع صهيوني ودعم أوروبي أميركي". وأضاف في منشوره: "نحن ندرك أن اليوم هناك هجمة إرهابية علينا كفلسطينيين من الوزير بن غفير، ونحن مدركون أن الأوضاع صعبة وخطيرة، ولكن نضالنا سياسي مشروع".
وتلقى "مركز عدالة" الحقوقي عشرات البلاغات من طلاب فلسطينيي الداخل الذين يدرسون في الجامعات والكليات الإسرائيلية، جرى فصلهم وإبعادهم عن التعليم، بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي اعتبرتها إدارات الجامعات "تحريضية".
ولحساسية الموضوع ولعلاجه قضائياً، فإن معظم الطلاب لا يريدون الإفصاح عن أسمائهم، ولكن في حديث مع عدد منهم، أكدوا أنهم نشروا صورة عن حرب غزة جرى شطبها.
وفي حديث مع طالب من جامعة حيفا، يدرس الحسابات والاقتصاد، قال لـ"العربي الجديد": "أنا تلقيت رسالة بإبعادي عن جامعة حيفا من عميد الطلبة، وذلك لأنني قمت بنشر صورة بالخطأ لمجموعة واتساب للطلاب العرب حينما كنت أرسل وأرفق مواد تعليمية عن مادة جديدة، ولكن قمت بإرفاق صورة لجنود في غزة بالخطأ، وقمت بشطبها على الفور في أقل من 10 ثوان. توجهنا إلى مركز عدالة، وهم يتابعون الملف، ونحن في انتظار الرد منهم".
من جهته، كتب الطالب في إدارة الأعمال والسياسة بجامعة بن غريون بالنقب، حمزة عبد الرحمن سمارة، على "فيسبوك": "إن صبرتم نلتم، وأمر الله نافذ، وإن ما صبرتم كفرتم، وأمر الله نافذ". وقال سمارة: "قام مجموعة طلاب من اليهود بملاحقتي بعدما ترجموا المنشور بطريقتهم الخاطئة طبعاً. هم يدرسون معي في القسم، وقد هددوني وصوّروا المنشور ووزعوه، ليجري إخراجي من مجموعة الطلاب التابعة لموضوع دراستي. وكنت قد صوّرت المنشور وأرسلته إلى رئيس القسم وعميد الطلاب، وشرحت أنهم يهددوني قبل أن يقدموا بلاغاً عني". ولفت إلى أنه تقدم بشكوى لدى الشرطة ضدهم أيضاً.
وفي السياق، قال يوسف طه، من مركز الدائرة الطلابية في التجمّع الوطني الديمقراطي: "نحن نعيش حكماً عسكرياً، ومحاولة إسكات أي صوت حتى لو كان صوتاً لا يصدر عنه أي شيء تحريضي. مجرد صوت لاستنكار قتل الأطفال ولا يقبل بالجرائم التي تحصل في غزة". وأضاف أن ذلك يحصل "بطريقة اعتقال ترهيبية لإبعاد المتهمين عن وسائل التواصل الاجتماعي"، لافتاً إلى أن "هناك مئات المجندين داخل المجتمع الإسرائيلي لمراقبة فلسطينيي الداخل على وسائل التواصل، وهم ينشرون أسماءهم وتفاصيل عنهم ويهددونهم بقتلهم وهدر دمهم".
إلى ذلك، اجتمع مندوبو الحركات الطلابية الفاعلة (التجمّع الطلابيّ، الجبهة الطلابية، ومؤسسة القلم) في الجامعات والمعاهد العليا، صباح أمس السبت، في مكتب لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، وبحضور رئيسها السيد محمد بركة، ورئيس لجنة متابعة قضايا التعليم شرف حسان، وذلك بهدف تنظيم العمل الطلابي والجهود المبذولة في ظل حملة التحريض وملاحقة الطلاب العرب في الجامعات والمعاهد العليا ومختلف الكليات.
وأكد بركة، خلال الاجتماع "أهمية تنظيم الحركة الطلابية بشكل عام، وفي ظل الظروف الراهنة بشكل خاص، والتي يجري خلالها استهداف الطلاب في مختلف الجامعات والكليات، وتشن ضدهم حملة واسعة من التحريض".
كما طرح مندوبو الحركات الطلابية سبل التعامل مع ما يعيشونه "من ملاحقة وتكميم أفواه وتحريض مستمر على طلابنا العرب في الجامعات والكليات، وتصاعد الحملات الممنهجة من قبل قوى اليمين الفاشي والطلاب العنصريين"، محذرين من "استغلال أجواء الحرب والخطاب الفاشي المتصاعد والعقلية الأمنية التي تتعامل بها المؤسسة مع المجتمع العربي في الداخل، لكم الأفواه".
وأقر الاجتماع عدداً من البنود، من بينها "العمل على تشكيل ضغط على الجامعات والكليات والمؤسسات ذات الصلة لمنع التواطؤ مع موجة التحريض والعنصرية التي تطاول الطلاب العرب"، و"إقامة هيئة طوارئ طلابية قُطرية لمتابعة قضايا الطلاب، والعمل على توثيق التحريض ضدهم".