الاستفتاءات الروسية تقتطع 27% من مساحة أوكرانيا

23 سبتمبر 2022
جنود أوكرانيون في دونيتسك، الأربعاء (أناتولي ستيبانوف/فرانس برس)
+ الخط -

ينطلق في مقاطعات دونيتسك ولوغانسك (في منطقة دونباس، شرقي أوكرانيا)، وزابوريجيا (جنوب شرقي أوكرانيا)، وخيرسون (جنوب أوكرانيا)، اليوم الجمعة، التصويت في "استفتاءات تقرير المصير"، المنتظر أن تسفر عن انضمامها إلى روسيا.

ومن المفترض أن يستمر التصويت حتى يوم الثلاثاء المقبل، وسط عدم اعتراف دولي بشرعية الإجراء، وتحذير من دخول الغزو الروسي لأوكرانيا مرحلة جديدة من التصعيد، لا سيما بعد توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أول من أمس الأربعاء، على مرسوم التعبئة الجزئية القاضي باستدعاء 300 ألف فرد من قوات الاحتياط.



بموجب الاستفتاءات تقتطع روسيا 135.845 كيلومتراً مربعاً من أوكرانيا

وفي حال ضمّ المقاطعات الأربع إلى السيادة الروسية وفق نموذج ضمّ شبه جزيرة القرم الأوكرانية في عام 2014، سيرتفع عدد الأقاليم الروسية من 85 إلى 89، ما سيوفر لروسيا، وفق رؤيتها وعقيدتها العسكرية، أرضية لاستخدام الأسلحة غير التقليدية للدفاع عنها، تحديداً النووية منها، في حال اعتبرت أن أي هجوم على هذه المقاطعات "يُشكّل تهديداً لوجود الدولة الروسية".

ومن اللافت أن استفتاءي مقاطعتي زابوريجيا وخيرسون يقتضيان الانضمام إلى روسيا الاتحادية ضمن حدودهما الإدارية، ما يمهد الطريق لروسيا لمواصلة العمليات الهجومية لا سيما في الأراضي الخارجة عن سيطرتها في زابوريجيا، وذلك في استنساخ لتجربة الاعتراف بـ"جمهورية دونيتسك الشعبية" و"جمهورية لوغانسك الشعبية"، إذ إن الغزو الروسي في 24 فبراير/ شباط الماضي، بررته موسكو رسمياً بأنه يهدف إلى "إخراج القوات الأوكرانية" من الحدود الإدارية للمقاطعتين.

اقتطاع 27% من مساحة أوكرانيا

وتبلغ مساحة مقاطعة دونيتسك 26.517 كيلومتراً مربعاً، ولوغانسك 26.684 كيلومتراً مربعاً، وزابوريجيا 27.183 كيلومتراً مربعاً، وخيرسون 28.461 كيلومتراً مربعاً.

وبعدما ضمّت روسيا القرم، البالغة مساحتها 27 ألف كيلومتر مربع، بالقوة، تُصبح مساحة المناطق التي اقتطعتها روسيا من أوكرانيا 135.845 كيلومتراً مربعاً، من أصل 603.628 كيلومتراً مربعاً، أي أكثر من 27 في المائة بقليل من المساحة الإجمالية لأوكرانيا.

وحول هذه التطورات، يشير النائب في مجلس الدوما (النواب) الروسي عن حزب "روسيا الموحدة" الحاكم، رئيس "جمعية متطوعي دونباس" ألكسندر بوروداي، إلى أن انضمام المقاطعات الأوكرانية بشكل رسمي إلى روسيا سيتيح التعامل معها كما يتم التعامل مع أي إقليم روسي، وسيُغيّر الطابع الحالي لـ"العملية العسكرية الخاصة" (الاسم الروسي الرسمي لغزو أوكرانيا)، الذي يصفه بـ"الناعم".

ويقول بوروداي، الذي شغل في عام 2014 منصب رئيس وزراء "جمهورية دونيتسك الشعبية" المعلنة من طرف واحد، في حديث لـ"العربي الجديد": "هذه الاستفتاءات انتظرها سكان جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين منذ عام 2014، أملاً في أن يصبح إقليماهما جزءاً من روسيا، وكانوا يتحملون المتاعب ويقاتلون ويموتون من أجل ذلك".

وحول رؤيته لتأثير استفتاءات الضمّ على سير أعمال القتال في أوكرانيا، يشدّد على أن "هذه الأقاليم باتت فعلياً جزءاً من روسيا، ولكن انضمامها رسمياً قد يغير الطابع الناعم للعملية العسكرية الخاصة التي ستتحول إلى الدفاع عن الأقاليم الروسية. ولذلك تم الإعلان عن التعبئة الجزئية، لا العامة، إذ إن الأمر لا يستدعي إشراك ملايين الأفراد في أعمال القتال".

ويعتبر بوروداي أن ضم مناطق شرق أوكرانيا لا يعني تراجع روسيا عن "تحقيق الأهداف الطويلة الأجل، مثل نزع النازية وتحييد سلاح أوكرانيا"، مؤكداً أنه "لا تراجع عن الأهداف التي أعلن عنها الرئيس بوتين، ولكنها طويلة الأجل ولن تتحقق إلا بإنهاء وجود أوكرانيا كدولة بشكلها الحالي وتغيير الإدارة الاستعمارية الأميركية في كييف، مع التأكيد أنه لا يجري حديث عن إبادة سكان البلاد. ومن وجهة النظر التاريخية، ليست هناك دولة أوكرانيا، ونعتبر هذه الأراضي جزءاً من روسيا".

ومع ذلك، يبدو أن الأعمال الأوكرانية المحتملة لإفشال الاستفتاءات تقلق موسكو، إذ يقول مصدر مقرّب من السلطة المحلية الموالية لروسيا في مقاطعة خيرسون في حديثٍ مع "العربي الجديد": "الخوف ليس من القوات المسلحة الأوكرانية، بل يكمن الخطر الرئيسي في المجموعات الاستخباراتية - التخريبية الأوكرانية الموجودة داخل المقاطعة. وهناك مخاوف أيضاً من شنّ قوات الجيش الأوكراني قصفاً مكثفاً بعد إجراء الاستفتاء مباشرة، من منطلق أن خيرسون لم تعد مدينة تابعة بلادهم".

ويلفت المصدر، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، إلى أنه حتى قبل إجراء الاستفتاء، لم تعد مظاهر الحياة في خيرسون تختلف كثيراً عن أي مدينة روسية من جهة انتشار أعلام روسيا ولوحات روسية لأرقام السيارات وحتى رمز أرقام الهواتف.

الخيارات الأوكرانية

وحول خيارات الرد الأوكراني على التحركات الروسية الأخيرة، يعتبر أستاذ التاريخ بجامعة ماريا كوري سكلودوفسكا في مدينة لوبلين البولندية غيورغي كاسيانوف أن الخطوة الأكثر فاعلية هي شن هجوم مضاد في مقاطعتي خيرسون وزابوريجيا لإفشال الاستفتاءات.

ويقول كاسيانوف في حديث لـ"العربي الجديد": "إذا تحدثنا عن الخطوات العملية، فالخطوة الأكثر فاعلية هي تحقيق تقدم في مقاطعتي خيرسون وزابوريجيا على غرار مقاطعة خاركيف لإفشال ما يسمى استفتاءات ومنع الضم الجديد والتغيير الراديكالي لقواعد اللعبة التي تغيرها روسيا بانتظام".


غيورغي كاسيانوف: على الأوكرانيين شن هجوم مضاد في خيرسون وزابوريجيا لإفشال الاستفتاءات

وكان نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف قد اعتبر، الثلاثاء الماضي، أن إجراء الاستفتاءات في أوكرانيا "ضروري لاستعادة العدالة التاريخية"، متوقعاً أن "تغيّر مسار تنمية روسيا لعقود" وتدفع بالتحول الجيوسياسي في العالم إلى نقطة اللاعودة.

ويتوقع رئيس المركز الأوراسي للتحليل في موسكو نيكيتا ميندكوفيتش أن يستثمر الغرب التقدم الأوكراني المضاد الأخير في مقاطعة خاركيف والتعبئة الجزئية لترويع سكان روسيا، قائلاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد": "الرهان الرئيسي لحلف الأطلسي هو إثارة أعمال شغب في روسيا خلال فصل الخريف، لأنه لا يرى سبيلاً آخر لتحقيق نصر على بلادنا من دون الحديث عن تهديد كبير، وسيتم الترويج لعدم الثقة بالسلطة والقيادة العسكرية والجيش في روسيا".

من جهتها، توقعت صحيفة "فزغلياد" الإلكترونية الروسية الموالية للكرملين أن تغير التعبئة الجزئية من طابع أعمال القتال الجارية في أوكرانيا في حد ذاته، معتبرة أن تثبيت السيطرة على الأراضي "المحررة" يقتضي انتقالاً إلى الأعمال الدفاعية في محاور ميكولايف - كريفيي ريه وزابوريجيا وخاركيف بشكل عام.

وأرجعت الصحيفة التعبئة الجزئية إلى ضرورة ملء الجبهة بالأفراد، مستشهدة بحسابات أولية تظهر أن عدد أفراد قوات الجيش الروسي وحلفائه (أي انفصاليي دونيتسك ولوغانسك)، يقل بمقدار أربعة أضعاف عن المعدل المعتمد في العلوم العسكرية لعدد الجنود لكل كيلومتر من الجبهة.

وانتقد الغرب، كما وزارة الخارجية التركية، مساء أول من أمس الأربعاء، مخطط روسيا "غير الشرعي" لإجراء استفتاء يهدف الى ضم أربع مناطق أوكرانية تسيطر عليها القوات الروسية. وذكرت وزارة الخارجية التركية في بيان أن "أمراً واقعاً كهذا لن يحظى باعتراف المجتمع الدولي". ولم تعترف تركيا قط بضم الكرملين شبه جزيرة القرم الأوكرانية في عام 2014.