أغلقت مفوضية الانتخابات العراقية، أمس الجمعة، صناديق الاقتراع ليوم التصويت الخاص لقوات الأمن والجيش والنازحين ونزلاء السجون والمستشفيات، في الانتخابات التشريعية المبكرة، معلنة بدء مرحلة الصمت الانتخابي في عموم البلاد، اعتباراً من فجر اليوم السبت، تمهيداً ليوم الاقتراع العام، الذي ينطلق في السابعة من صباح غد الأحد، لنحو 23 مليون عراقي يحق لهم التصويت لاختيار ممثليهم في البرلمان.
يتعلق تشتت الأصوات خصوصاً باقتراع أفراد الجيش
وشهدت الساعات الأولى من اقتراع يوم أمس الخاص لأفراد الجيش والشرطة وتشكيلات أمنية أخرى، إلى جانب النازحين والسجناء، مشاكل فنية تتعلق بعملية التصويت وأسماء الناخبين ومطابقتها للمعلومات المدونة في أجهزة الاقتراع، وعدم مطابقة بصمة الناخب مع البيانات الموجودة في الأجهزة، ما حرم كثيرين من أفراد الأمن الاقتراع. وجرى تجاوز جزء من هذه المشاكل في مراكز اقتراع عدة، فيما لم تحل أخرى. ورأى أحد أعضاء المفوضية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن إحدى فوائد إجراء تصويت خاص لمليون عراقي، من أصل أكثر من 24 مليون ناخب، هو اكتشاف أي خلل ممكن أن يصادف يوم التصويت العام قبل يومين، وحلّه سريعاً. وبرزت مشاكل أخرى في مدن غرب وشمال العراق، من بينها سوء خدمة الإنترنت في مراكز ومحطات الاقتراع، إضافة إلى تكدس طوابير غير منظمة للقوات الأمنية، فضلاً عن رصد حالات ترويج من بعض الضباط لعناصر مسؤولين عنهم، بحسب ما أكد المسؤول ذاته، الذي اعتبرها "مخالفات إدارية ستتولى الحكومة محاسبة الضباط المتورطين بها".
ومع مقاطعة غالبية القوى المدنية والعلمانية للانتخابات، بما فيها الحزب الشيوعي والتيار المدني و"البيت العراقي"، وقوى أخرى برّرت في وقت سابق قرار المقاطعة بـ"وجود السلاح المنفلت والمال السياسي"، ما يحول دون تحقق انتخابات "نزيهة ومقنعة"، تتجه مؤشرات تصويت المشمولين بالاقتراع الخاص، إلى فوضى واضحة من ناحية تشتت الأصوات بين الكتل المتنافسة، خصوصاً ما يتعلق باقتراع أفراد الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب، البالغة أكثر من نصف مليون صوت. وتحدث مراقبون محليون، لمراسلي "العربي الجديد" في بغداد والبصرة وذي قار وبابل، عن أن الأصوات التي أدلى بها العسكريون العراقيون في تلك المحافظات كانت متباينة بين مرشحين مستقلين مؤيدين لتظاهرات تشرين (حراك أكتوبر/ تشرين الأول 2019)، وبين "التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر، وتحالف "قوى الدولة" الذي يمثله حيدر العبادي، وعمار الحكيم. وجاء ذلك على عكس تصويت أفراد ومنتسبي وزارة الداخلية التي تمتلك فصائل وأحزاب مسلحة نفوذاً واسعاً فيها، إذ ذهبت نسبة من التصويت لتحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري. كما سجل تحالف "عزم"، الذي يترأسه السياسي العراقي خميس الخنجر، تقدماً في مراكز اقتراع مختلفة. ورصدت مقاطع فيديو وصور لأفراد أمن من الجيش والشرطة قاموا بالتأشير على أكثر من اسم وكيان سياسي مرشح بغية إبطال أوراقهم الانتخابية، في استجابة على ما يبدو لدعوات بالمشاركة وإبطال الأوراق الانتخابية كتعبير احتجاجي آخر.
في المقابل، سجلت مخيمات النازحين عزوفاً في عدد منها، بحسب ما أكده مدير أحد المخيمات شمالي العراق ضمن محافظة نينوى، موضحاً في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "النازحين امتنعوا عن الإدلاء بأصواتهم، وهم داخل المخيمات في بلدهم، وعلى بعد نصف ساعة من مدنهم الأصلية". وكشف أنه من بين 400 نازح في أحد المخيمات، لم يصوّت أكثر من 90 نازحاً، بينهم 22 سيدة. ويُخشى أن يتكرر ذلك في المدن العراقية المدمرة والمنكوبة بفعل الحرب على الإرهاب، في يوم الاقتراع العام، إذ ما زالت العديد منها في أوضاع سيئة.
من جهتها، قالت المتحدثة باسم المفوضية العليا للانتخابات، جمانة غلاي، في تصريح للتلفزيون الحكومي العراقي، إن 12 فريقاً يتبع للأمم المتحدة شاركوا في مراقبة عملية الاقتراع الخاص، كاشفة عن ارتفاع عدد المراقبين الأمميين إلى 1500 مراقب و274 مراقباً من الاتحاد الأوروبي، و17 مراقباً من الجامعة العربية، وهو عدد غير مسبوق في الانتخابات السابقة التي شهدها العراق بعد عام 2003.
ولا يتوقع الإعلان عن نتائج أولية ليوم التصويت الخاص، إذ أكد مسؤولون في مفوضية الانتخابات لـ"العربي الجديد"، أن الإعلان عن النتائج الأولية للاقتراع سيبدأ مساء الإثنين (بعد غد)، بعد مرور 24 ساعة على إغلاق صناديق الاقتراع العام في عموم مدن البلاد. وأوضح مسؤول في المفوضية أن "المراقبين الدوليين سيكونون موجودين لمراقبة عملية العد والفرز ونقل البيانات الإلكترونية من الأجهزة".
شارك 12 فريقاً تابعاً للأمم المتحدة في مراقبة الاقتراع
ومنتصف نهار أمس، قال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي عقب اجتماعه مع قادة الجيش وكبار المسؤولين الأمنيين إن نسبة التصويت جيدة في الاقتراع الخاص. وأضاف مخاطباً قوات الأمن، وفق بيان لمكتبه: "إنكم مؤتمنون على حماية العملية الانتخابية"، مجدداً تأكيده على "أهمية المشاركة الواسعة في الانتخابات". وطالب الكاظمي قوات الأمن بـ"عدم الخضوع لأي استفزازات أو تهديدات جانبية من بعض الجهات بغية التأثير على خياراتهم". وبحسب البيان، فقد أصدر الكاظمي توجيهات "تتعلق بمنع التدخل والترويج لأي مرشح، وتسجيل الخروقات بكل أنواعها ورفعها للقضاء".
ومارس المحتجون ضغوطاً كبيرة على السلطات من أجل القبول بتشريع قانون انتخابات جديد ينتقل بالبلاد من دائرة انتخابية كبيرة على مستوى المحافظة إلى دوائر صغيرة متعددة. وأقر البرلمان العراقي مطلع العام الحالي قانون الانتخابات الجديد بكافة بنوده وبصيغته الجديدة، التي تقوم على أن الفائز هو من يحصل على أكبر عدد من الأصوات في دائرته الانتخابية، كما جرى تقسيم العراق إلى 83 دائرة انتخابية، لكل دائرة ما بين 3 و5 مقاعد في البرلمان، وعددها الكلي 329 مقعداً. كما اعتمد القانون الترشيح الفردي للمرة الأولى في العراق ليكون الفائز في الدائرة الانتخابية هو المرشح الذي يحصل على أعلى الأصوات بغض النظر عن أهميته السياسية والحزبية. ومثّل ذلك تغييراً جذرياً في آليات قانون الانتخابات التي كانت تعتمد في السابق على معادلات معقدة تؤدي نتائجها إلى فوز أحزاب السلطة على حساب القوى الصغيرة والمستقلين. إلا أن ما يعاب على الترشيح الفردي في الدوائر المتعددة بحسب مراقبين ومختصين، هو التسبب في زيادة سطوة رؤساء القبائل والزعماء المحليين الذين ستجد الأحزاب نفسها مرغمة لترشيحهم في الانتخابات، لقدرتهم على حصد عدد كبير من الأصوات بسبب السطوة وشبكة العلاقات الاجتماعية الواسعة التي يتمتعون بها.
مشكلة أخرى متعلقة بقانون الانتخابات الجديد حذّر منها سياسيون ومتابعون، وتتمثل بالمشاكل التي يمكن أن تحدث لاحقاً بسبب عدم وضوح الحدود بين الدوائر الانتخابية في المحافظات، كما تم تأشير دمج مدن وبلدات غير متجاورة ضمن نفس الدائرة الانتخابية، وهو ما فُسّر على أنه محاولة من أحزاب السلطة لجمع أنصارها ضمن حدود دوائر معينة.
وضمن قانون الانتخابات هناك حصة كوتا الأقليات من المقاعد البرلمانية، كما أتاح القانون للمرشحين الآخرين من الأقليات الترشيح بشكل منفرد خارج الكوتا، ويكون التصويت عليهم في جميع أنحاء العراق. وحظيت المرأة باهتمام كبير في قانون الانتخابات الجديد الذي قسّم العراق إلى 83 دائرة انتخابية، وهذا العدد مساوٍ لحصة النساء من المقاعد في مجلس النواب، والتي أقرها الدستور بألا تقل عن ربع مقاعد البرلمان. كما تمتلك النساء فرصة لحصد مقاعد أخرى في الدوائر الانتخابية الصغيرة في حال فازت أكثر من امرأة في دائرة انتخابية.
وعلى الرغم من وجود الكثير من الانتقادات والتحفظات على قانون الانتخابات الجديد، إلا أن ما يميزه هو قدرته على الانتقال بالبلاد إلى الدوائر المتعددة، وفرض الترشيح الفردي، والذي خلّص المرشحين من قيود بعض المعادلات، وأبرزها "سانت ليغو" التي اتهمت بمحاباة أحزاب السلطة من خلال منح القوى الكبيرة القدرة على التهام النسبة الأكبر من المقاعد على حساب الآخرين الذين شاركوا في الانتخابات.