مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية الأميركية يوم الثلاثاء المقبل، تحتدم الحملات الانتخابية للحزبين الديمقراطي والجمهوري، والتي يتصدرها أكثر فأكثر الرئيس جو بايدن، الذي يندفع في سياسة دفاعية للحفاظ على تفوق حزبه الأزرق في مجلسي النواب والشيوخ، مقابل بروز الرئيس السابق دونالد ترامب بوصفه القائد الأبرز للجمهوريين، مع محاولته الرهان على انتصارات لحزبه في انتخابات الثلاثاء تمهد الطريق أمامه للعودة إلى البيت الأبيض.
وبعدما كانت المؤشرات تدل في الشهرين الأخيرين على أن الجمهوريين متجهون لاستعادة الأكثرية في مجلس النواب، فإن المخاوف تزداد لدى الديمقراطيين من أغلبية كبيرة لمنافسيهم قد تؤدي إلى "موجة حمراء" من الانتصارات الجمهورية واسعة النطاق، تصل إلى مناطق كانت تقليدياً معقلاً للديمقراطيين.
لكن الخطر الذي يحدق بالديمقراطيين لم يعد مقتصراً على خسارة مجلس النواب، بل إن منافسيهم باتوا يقتربون من استعادة مجلس الشيوخ أيضاً، وخلف ذلك عامل أساسي هو الارتفاع الكبير في الإنفاق الانتخابي الذي عزز بشكل كبير حظوظ الجمهوريين.
أرقام قياسية للإنفاق الانتخابي
وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن الإنفاق في انتخابات التجديد النصفي يتجه إلى تحطيم الأرقام القياسية على مستوى الولايات والمستوى الفيدرالي، إذ يتم تمويل الكثير منه بشيكات ضخمة مكتوبة بشكل أساسي من قبل كبار الجمهوريين.
إجمالي الإنفاق في عامي 2021 و2022 سيصل إلى 16.7 مليار دولار
ونقلت الصحيفة عن المديرة التنفيذية لمنظمة "أوبن سيكرتس" (Open Secrets) غير الحزبية، شيلا كرومهولز، تقديرها أن إجمالي الإنفاق في عامي 2021 و2022 سيصل إلى 16.7 مليار دولار، عند حسابه بعد يوم الانتخابات، مضيفة "لقد حطمنا الأرقام القياسية".
وسجل الإنفاق الانتخابي 14 مليار دولار عام 2018. وتجاوز إجمالي الإنفاق على السباقات الفيدرالية، والذي يبلغ حالياً 7.5 مليارات دولار، الرقم القياسي البالغ 7.1 مليارات دولار عام 2018 ومن المتوقع أن يصل إلى 8.9 مليارات دولار.
ولفتت الصحيفة إلى أن 15.4 في المائة من التمويل جاء من المليارديرات. وفي حين أن كلا الحزبين لديهما مليارديرات يدعمونهما، إلا أن الجمهوريين يتفوقون. من بين أكبر 25 مانحاً في هذه الدورة، هناك 18 جمهورياً، وفقاً لـ"أوبن سيكرتس"، وقد فاق إنفاقهم إنفاق الديمقراطيين بمقدار 200 مليون دولار. ويشكل المليارديرات 20 في المائة من إجمالي تبرعات الجمهوريين مقارنة بـ 14.5 في المائة من تبرعات الديمقراطيين.
واللافت أن أكثر من 60 في المائة من الإنفاق الإعلاني في الشهرين الماضيين تدفق إلى المناطق التي فاز فيها بايدن بخمس نقاط أو أكثر قبل عامين، وفق صحيفة "بوليتيكو" الأميركية. لكن الصحيفة أشارت إلى أن هناك جانباً إيجابياً واحداً للديمقراطيين، فعلى الرغم من المخاوف السابقة بشأن نقص الموارد، فإنهم ينفقون ما لا يقل عن 107 ملايين دولار على الإعلانات التلفزيونية والإذاعية في سباقات مجلس النواب في الأسبوع الأخير قبل يوم الانتخابات، مقارنة مع 78 مليون دولار للجمهوريين.
لكن تسعا من المقاطعات العشر التي اجتذبت أكبر قدر من المال خلال الأشهر القليلة الماضية، هي مقاعد يتنافس فيها الديمقراطيون الحاليون على إعادة انتخابهم. وإجمالي الإنفاق الإعلاني على سباقات مجلس النواب في هذه الدورة قد تجاوز بالفعل 1.2 مليار دولار، مع تخطيط لصرف أكثر من 100 مليون دولار في عطلة نهاية الأسبوع الأخيرة قبل يوم الانتخابات.
بايدن يكثف حراكه الانتخابي
في ظل هذا الواقع، يسارع الديمقراطيون لدعم مرشحي الحزب في جميع أنحاء الولايات المتحدة. ويتصدر بايدن هذا الحراك، خصوصاً أن المخاطر عليه عالية أيضاً، فإذا استولى الجمهوريون على الكونغرس، من المرجح أن يواجه معركة سياسية دائمة ومأزقاً تشريعياً خلال العامين المقبلين من إدارته.
وزار بايدن في الأيام الأخيرة ولايات نيومكسيكو وكاليفورنيا وإلينوي، ويتوجه إلى بنسلفانيا اليوم السبت حيث سينضم إليه الرئيس السابق باراك أوباما في تجمّع انتخابي كبير. ويُمضي الرئيس الكثير من الوقت في حملته الانتخابية في مناطق تُعتبر معاقل الديمقراطيين، مثل كاليفورنيا، ما يشير إلى اعتماد الحزب سياسة دفاعية.
بايدن: مرشحون يتنافسون على مناصب من كل المستويات في أميركا، لا يلتزمون قبول نتائج الانتخابات
وفي زيارة إلى جامعة في نيو مكسيكو الخميس، حاول بايدن الترويج لمحاولة إدارته تخفيف ديون الطلاب، والحديث عن سياسات أخرى "حققت تقدماً هائلاً للأمة".
وهاجم بايدن في خطابه ترامب وأنصاره، واصفاً إياهم بأنهم يطرحون تهديداً أكبر على البلاد. وقال بايدن "هناك مرشحون يتنافسون على مناصب من كل المستويات في أميركا... لا يلتزمون قبول نتائج الانتخابات التي يخوضونها". وأضاف أن هدفهم كان اتّباع نهج ترامب ومحاولة "تخريب النظام الانتخابي"، مشيراً إلى أن هناك أكثر من 300 جمهوري ينكرون نتائج الانتخابات يشاركون في السباقات الانتخابية في كل أنحاء البلاد هذا العام.
وتابع "لقد شجعوا على العنف وترهيب الناخبين والمسؤولين عن الاقتراع" بعد أقل من عامين على قيام حشد من أنصار ترامب بالهجوم على مبنى الكابيتول في محاولة لإلغاء نتيجة انتخابات عام 2020. وقال "هذا هو السبيل إلى الفوضى في أميركا. إنه أمر غير مسبوق وغير قانوني ومنافٍ لقيم أميركا".
وفي أعقاب الهجوم العنيف على بول بيلوسي، زوج رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي، حضّ بايدن الأميركيين على الاتّحاد دفاعاً عن الديمقراطية. وأوضح "علينا أن نقف صفاً واحداً لنبذ العنف السياسي وترهيب الناخبين. نقطة على السطر". وقال إن الجمهوريين "شجعوا العنف وترهيب الناخبين ومسؤولي الانتخابات". وتابع "هذا هو الطريق إلى الفوضى في أميركا".
لكن استطلاعات الرأي تظهر أن الأميركيين يولون المزيد من الاهتمام لما يرون أنها قضايا أكثر إلحاحاً، ولا سيما الأوضاع الاقتصادية، في ظل أعلى معدل تضخم في أربعة عقود، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف السلع الأساسية مثل الغذاء والوقود. ويقول أكثر من نصف الأميركيين إن أسعار الوقود والسلع الاستهلاكية هي القضية الاقتصادية التي تقلقهم أكثر من غيرها، وفق استطلاع جديد أجرته جامعة كوينيبياك.
ورداً على خطاب بايدن، اتهم زعيم الجمهوريين في مجلس النواب كيفين مكارثي، عبر تويتر، الرئيس برفض "معالجة مخاوف الأميركيين الرئيسية".
ونجح الجمهوريون أيضاً في تنشيط قاعدتهم من خلال الحديث عن الارتفاع في الهجرة غير النظامية، والجريمة. وقالت رئيسة اللجنة الوطنية الجمهورية رونا مكدانييل: "من ارتفاع معدلات الجريمة، والتضخم المرتفع بشكل غير مريح، والحدود المفتوحة، تستحق أسر نيو مكسيكو أفضل من إخفاقات بايدن". وتابعت فيما كان بايدن يحط في الولاية: "الديمقراطيون يائسون... جلب بايدن لدفعهم لن يؤدي إلا إلى نتائج عكسية".
ترامب يعزز دوره
وفي ظل هذه المنافسة، عاد ترامب ليبرز كأقوى شخصية في الحزب الجمهوري، ويتوقع كثيرون إعادة ترشحه في عام 2024، على الرغم من خضوعه للتحقيق بتهمة الاحتفاظ بوثائق سرية جداً في منتجعه في فلوريدا وتعرّضه للمساءلة مرّتين خلال ولايته الرئاسية. ويقوم ترامب بجولة انتخابية في أربع ولايات رئيسية، بدأها في أيوا يوم الخميس، قبل الانتقال إلى فلوريدا وبنسلفانيا، وأخيراً أوهايو يوم الاثنين.
ترامب: سوف نستعيد أميركا، والأهم من ذلك، في العام 2024 سوف نستعيد بيتنا الأبيض الرائع
ويعزز ترامب دوره كزعيم جمهوري، وفي حال فوز مرشحيه المفضلين يوم الثلاثاء، فلن يوسع مجموعته القوية في الكونغرس فحسب، بل سيخلق زخماً لترشحه المتوقع لفترة رئاسية ثانية في انتخابات 2024. وانتقل الرئيس السابق إلى مرحلة الهجوم.
وخلال تجمّع في ولاية أيوا الخميس قال إن العام 2022 سيكون "العام الذي سنستعيد فيه الكونغرس، وسوف نستعيد مجلس الشيوخ". وتوجّه لمؤيديه بالقول "سأترشح على الأرجح" للانتخابات، من دون إعلان ترشحه بشكل رسمي. وأضاف "استعدوا، هذا كل ما يمكنني قوله. سوف نستعيد أميركا، والأهم من ذلك، في العام 2024 سوف نستعيد بيتنا الأبيض الرائع".
وفي السياق، نقلت وكالة "رويترز" عن ثلاثة من مستشاري ترامب، الخميس الماضي، إن الرئيس السابق يدرس طرح ترشحه للبيت الأبيض هذا الشهر. وقال المستشارون إنه يقوم باتصالات بالمقربين منه لبحث السيناريوهات المحتملة. وأضاف أحدهم: "أعتقد أنه يريد الإعلان عن ذلك قبل عيد الشكر (24 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي) بما يمنحه ميزة كبيرة على خصومه، وهو يعرف ذلك". وقال المستشارون إن إعلاناً في الأسابيع المقبلة قد يمنع منافسين محتملين في الحزب الجمهوري من الترشح، على الرغم من أنهم أضافوا أنه من الممكن أن يظل الرئيس السابق يؤجل قراره أو يغير رأيه.
من جهته، أفاد موقع "أكسيوس" أمس الجمعة، نقلاً عن ثلاثة مصادر مطلعة، بأن الدائرة المقربة من ترامب تجري مشاورات بشأن اختيار 14 نوفمبر/ تشرين الثاني موعداً للإعلان عن إطلاق حملته للانتخابات الرئاسية. وذكر التقرير أن ترامب لم يحسم قراره بشأن التوقيت، وأن الموعد غير مؤكد.