تذهب دولة الاحتلال الإسرائيلي، غداً الثلاثاء، لانتخابات هي الرابعة في أقل من عامين منذ حلّ حكومة بنيامين نتنياهو في ديسمبر/ كانون الأول 2018، ولم تخرج الجولات الانتخابية الثلاث السابقة تل أبيب من أزمتها السياسية الداخلية المرتبطة أساساً بمساعي نتنياهو، الإفلات من محاكمته بتهم الفساد وتلقي رشاوى وخيانة الأمانة العامة.
ومع أنّ إسرائيل دخلت دوامة الانتخابات على هذه الخلفية، إلا أن ملف نتنياهو، وإن ظل ثابتاً وحاضراً في المعارك الانتخابية الثلاث، لم يفرز أغلبية برلمانية ثابتة، لا لصالح نتنياهو ولا لصالح المعسكر المضاد له، بل زاد فقط من الاستقطاب بين معسكرين رئيسيين.
وفيما يتمتع معسكر نتنياهو بتجانس سياسي في الموقف العام من قضايا الصراع، فإنّ المعسكر الآخر غير متجانس، وهو خليط من أحزاب يمين ووسط ويسار، لا يجمعها إلا العداء لنتنياهو والرغبة بالتخلص منه.
وبالرغم من هذه الرغبة العارمة في التخلص من حكم نتنياهو إلا أنّ الفروق السياسية في طروحات المعسكر المناهض له حالت دون تحقيق الهدف حتى عندما حصل رئيس حزب "كاحول لفان"، الجنرال بني غانتس، على توصية لتشكيل حكومة بديلة بفضل أصوات النواب العرب في الكنيست.
وكان بمقدور غانتس، الذي توج زعيماً للمعسكر المناهض لنتنياهو، تشكيل حكومة بديلة للأخير، لكن العنصرية البنيوية للنظام السياسي الإسرائيلي، تغلبت على الرغبة في التخلص من نتنياهو.
وبفعل موقف نائبين من غلاة العنصريين في قائمة غانتس، هما يوعاز هندل (وهو مستوطن من عوفرا) وتسفي هاوزر، الذي بنى مجده على كون والده المدعي العام الإسرائيلي في محاكمة الضابط النازي أدولف أيخمان، باءت جهود غانتس بالفشل.
وكان هندا وهاوزر قد أوضحا أنهما لن يقبلا بحكومة تعتمد على دعم عربي من خارج الائتلاف، وكان ذلك يعني خسارة غانتس لأغلبية 61 صوتاً (من أصل 120)، مما ذهب به إلى حكومة الطوارئ الوطنية الحالية (هي اليوم حكومة تصريف أعمال) تحت رئاسة نتنياهو.
واليوم مع بقاء أقل من 24 ساعة على فتح صناديق الاقتراع، تشهد إسرائيل نشاطاً محموماً يقوده بالذات نتنياهو، بشكل لافت للنظر، لكسر حالة التعادل التي تتنبأ بها استطلاعات الرأي الإسرائيلية. ودعا الأخير في خطاب انتخابي له، أمس الأحد، إلى استنفار كل عضو في حزب "الليكود" الذي يتزعمه أو مقرب من "الليكود" للوصول إلى صناديق الاقتراع لتفادي "حكومة تناوب" و"طفرات" يقودها خصومه.
وخصص نتنياهو في الأيام الأخيرة دعايته الانتخابية لاستهداف حزب "يمينا" بقيادة نفتالي بينيت، ممثل التيار الديني الصهيوني، لصالح دعم حزب اليمين الفاشي الكهاني "هتسيونيت هدتيت" بقيادة بتسلئيل سموتريتش وشريكه الكهاني إيتمار بن غفير، لتكريس هذا الحزب ممثلاً للصهيونية الدينية.
ويحاول نتنياهو تفادي حالة يكون فيها حزب بينيت "بيضة القبان" الذي يحدد هوية الحكومة القادمة، وإضعاف هذا الحزب لإلزامه كحزب صغير بالانضمام لائتلاف بقيادة نتنياهو.
وتتوقع استطلاعات الرأي أن يحصل "يمينا" على ما بين 10 إلى 12 مقعداً، يمكن لها في حال حصل المعسكر المناهض لنتنياهو على 51 مقعداً بدون الأحزاب العربية أن تقرر وجهة بينت لصالح تشكيل حكومة يمين مع حزب الوسط.
وكشفت صحف إسرائيلية، اليوم الإثنين، أنّ حزب "الليكود" خصص عشرات ملايين الشواقل لتأمين حافلات وسيارات لنقل الناخبين إلى مراكز الاقتراع، فيما يواصل خصوم نتنياهو التنازع على مرشح واحد لتشكيل الحكومة القادمة.
وتعهد زعيم حزب "تكفا حداشا"، غدعون ساعر، المنشق عن "الليكود" بعدم الانضواء تحت قيادة زعيم المعارضة رئيس حزب "يش عتيد"، يئير لبيد، على غرار تعهد من بينيت بألا يكون في حكومة تحت قيادة لبيد، واتفاق الاثنين على إشراك لبيد في حكومة يقودها أحدهما تبعاً لنتائج الانتخابات.
ومقابل حالة الاستنفار التي أعلنها نتنياهو، سعياً لتحصيل مقعدين إضافيين لمعسكره لضمان حصوله على تكليف بتشكيل حكومة جديدة، تبرز حالة "الكسل التنظيمي" في صفوف المعسكر المناهض له، وسط نسبة عالية من المترددين من الوسط واليسار في حسم اختيارهم.
وأوضح استطلاع للقناة الإسرائيلية "11"، أنّ مجمل المقاعد التي يمثلها المترددون بحسم اختيارهم الانتخابي يصل إلى ما بين 10 مقاعد و5.5 مقاعد في صفوف اليسار والوسط، مقابل ما يوازي 3.5 مقاعد لمترددين في معسكر اليمين المؤيد لنتنياهو، حيث تدور المنافسة الشديدة بين أحزاب الحريديم "شاس" و"يهدوت هتوراة" وبين حزب "هتسيونوت هدتيت" الذي يقوده سموطريتش وحظي بتأييد وترويج معلن من نتنياهو.
ووسط هذه الأجواء والنشاط الذي يبديه نتنياهو بشكل واضح، فإنّ التوقعات في إسرائيل تشير إلى تخوف واضح من أن تتمخض نتائج الانتخابات عن إحدى حالتين لا غير، إما فوز واضح لمعسكر نتنياهو بـ 61 مقعداً من أصل 120 مقعداً، باحتساب أصوات حزب "يمينا"، أو تكريس حالة التعادل، والاتجاه لانتخابات خامسة.
وسيكون البديل المعروض لائتلاف نتنياهو مبنياً على حزبين يمينيين أكثر تشدداً من "الليكود"، وهما "يمينا" بقيادة بينت، و"تكفا حداشا" بقيادة ساعر، مما يعني استبعاد أي دور أو تأثير للقائمتين العربيتين في عملية التوصية على مرشح هذا المعسكر للحصول على تكليف بتشكيل الحكومة.
وسيكون ذلك مخالفاً لنتائج انتخابات مارس/ آذار من العام الماضي، التي أفرزت وضعا أوصت خلاله الأحزاب العربية لصالح غانتس بتشكيل الحكومة. وينبع الاختلاف هذه المرة من تصريحات معلنة لكل من ساعر وبينيت أنهما لن يجلسا في حكومة يدعمها النواب العرب، ولو من خارج الحكومة والائتلاف.
أما في المجتمع الفلسطيني في الداخل، حيث يملك نحو مليون و50 ألف فلسطيني حق المشاركة في الاقتراع، ويشكلون 16 من إجمالي الأصوات المسجلة، فإنّ المعركة الانتخابية على أشدها بين "القائمة المشتركة" بقيادة أيمن عودة و"القائمة العربية الموحدة" بقيادة منصور عباس، التي انشقت في مطلع فبراير/ شباط عن "القائمة المشتركة" الأم على خلفية اتجاه عباس لخط سياسي جديد لا يستبعد ولا يلغي من خياراته التعاون مع أي حكومة قادمة، بما في ذلك دعم حكومة برئاسة نتنياهو، فيما تصر "القائمة المشتركة" على وجوب العمل على إسقاط نتنياهو بأي ثمن.
ورافق هذا الخلاف السياسي، خلاف على القضايا الاجتماعية ولا سيما مسألة التصويت على قوانين في الكنيست الإسرائيلي تعنى بحقوق المثليين. واعتبرت "القائمة الموحدة"، هذه التصويتات بمثابة تنكر لأعراف المجتمع الفلسطيني في الداخل وجعلت من هذا الموضوع شعاراً لها في الانتخابات تحت مسمى "نهج واقعي ومؤثر ومحافظ"، وهو ما زاد في زرع بذور الشرخ في المجتمع الفلسطيني في الداخل.
وتؤثر هذه الخلافات، مع ما سبقها من خيبة أمل عامة لدى الجمهور الفلسطيني، حتى قبل وقوع الانشقاق، في نسبة المشاركة المتوقعة لفلسطينيي الداخل في الانتخابات. وتنبأت الاستطلاعات التي سبقت الانشقاق بتراجع تمثيل القائمة المشتركة من 15 مقعداً حالياً إلى 10 مقاعد، أما بعد الانشقاق، فإنّ الاستطلاعات تشير إلى تراجع نسبة التصويت في الداخل من 62% في الانتخابات الأخيرة إلى نحو 58% وربما أقل من ذلك مما يعني تراجع التمثيل العربي في الكنيست الإسرائيلي.
وإذا كان كل هذا غير كاف فإن الاستطلاعات تشير أيضاً إلى أن نحو 30% من الأصوات قد تذهب للأحزاب الصهيونية التي كثفت بعد الانشقاق من نشاطها في المجتمع الفلسطيني، مع تفرد نتنياهو بجولات كثيرة في البلدات العربية مستغلّاً منصبه الرسمي رئيساً للحكومة، وحملات التطعيم ضد فيروس كورونا في البلدات العربية.
كما عززت أحزاب اليسار، وخاصة "العمل" و"ميرتس" من نشاطها في المجتمع الفلسطيني، لا سيما مع ترشيح هذين الحزبين لثلاثة مرشحين عرب على لوائحها الانتخابية.