من الواضح أن مواصلة اليمين برئاسة نتنياهو الاحتفاظ بالحكم بعد الانتخابات يعني بدء العد التنازلي لمواجهة جديدة مع حركة "حماس" في غزة، وسيفضي أيضاً إلى تقليص هامش المناورة أمام قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله، وسيدفعها إلى اتخاذ خطوات أكثر جدية في المؤسسات الدولية ضد إسرائيل، وما قد يترتب على ذلك من قيام تل أبيب بفرض بمزيد من العقوبات على السلطة، قد تفضي إلى اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية.
في الوقت نفسه، فإن السياسات التي ستتخذها هذه الحكومة الإسرائيلية ستقلص من هامش المناورة أمام نظم الحكم العربية، سواء التي تقيم علاقات رسمية مع إسرائيل، أو تلك التي يجمعها بتل أبيب مصالح مشتركة.
فتشكيل حكومة يمين برئاسة نتنياهو بعد الانتخابات يعني أن هذه الحكومة ستدين بالفضل في بقائها إلى الأحزاب اليمينية الأكثر تطرفاً، مثل "البيت اليهودي"، الذي يقوده وزير الاقتصاد نفتالي بينيت، و"يسرائيل بيتنا" برئاسة وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، و"ياحد"، الذي يرأسه وزير الداخلية السابق الحاخام إيلي يشاي. فكل من بينيت، ليبرمان، ويشاي يتنافسون فيما بينهم في تقديم التعهدات للجمهور الإسرائيلي بالاندفاع إلى جولة قتال حاسمة ضد "حماس".
ومن أجل طمأنة الجماهير الإسرائيلية إلى جدية تعهداتهما، فإن كلاً من بينيت وليبرمان يؤكد على إصراره على الحصول على حقيبة الأمن، لكي يكون بإمكان كل منهما إدارة الحرب المقبلة بشكل يفضي إلى تحقيق النتائج التي لم تحقق في الحرب الأخيرة على غزة، وفي مقدمتها تصفية وجود حركة "حماس".
اقرأ أيضاً: الإسرائيليون يفضلون حكومة "يمين" على حكومة وحدة وطنية
وستحرج أي حكومة لليمين نظم الحكم في العالم العربي، لأن الأحزاب المرشحة للمشاركة فيها تجاهر بنيتها الإقدام على خطوات تثير استفزاز الرأي العام العربي والإسلامي. فعلى سبيل المثال، تعهدت قيادات من جميع الأحزاب اليمينية، وضمنها الليكود، بتمرير مشاريع قوانين في الكنيست المقبل تشرّع تهويد المسجد الأقصى من خلال فرض التقاسم الزماني داخل الحرم القدسي بين اليهود والفلسطينيين، في حين أن البعض يطالب بالتقاسم المكاني، بحيث يتم اقتطاع مساحة من الحرم لصالح اليهود. وإذا تم الأخذ بعين الاعتبار تعهد قادة اليمين بتشريع عمليات الاقتحام للحرم، فإن هذا الأمر سيقلّص من قدرة النظام الأردني على وجه الخصوص على المناورة في كل ما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل. مع العلم أن الأردن اضطر لسحب سفيره في تل أبيب بسبب اقتحامات قادة اليمين للمسجد الأقصى تحت ضغط الرأي العام الأردني. وإن كان هناك اجماعاً في إسرائيل على أن إنجاز نتنياهو الكبير والوحيد خلال فترة حكمه الحالية هو تطوير علاقات تحالف استراتيجي مع مصر في ظل حكم عبد الفتاح السيسي، كما ذكر الصحافي أمير تيفون، في موقع "والا" قبل فترة وجيزة، فإن قدرة السيسي على مواصلة التحالف غير المعلن مع إسرائيل في ظل حكم اليمين ستكون محدودة.
كما يشير تيفون إلى أن السيسي حرص خلال عشرات الاتصالات التي أجراها سراً مع نتنياهو على التشديد على أهمية إحراز تقدم في المسار التفاوضي مع السلطة الفلسطينية ومساعدة الرئيس الفلسطيني محمود عباس على اعتبار أن هذا يساعد مصر على التعاون مع إسرائيل بشكل علني.
في المقابل، في حال أفضت الانتخابات إلى تشكيل حكومة برئاسة هيرتسوغ، تضم تحالف اليسار والوسط، فإن مثل هذه الحكومة ستسعى إلى سحب فتيل الأزمة مع السلطة الفلسطينية وستعمل على إحياء المفاوضات بشكل يمنح عباس المبرر للتراجع عن خطواته في المحافل الدولية، وضمنها تقديم شكاوى ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية. مع العلم أن إحياء المفاوضات لن يفضي إلى التوافق على حل للصراع، إذ أن هناك فرقاً شاسعاً بين أدنى ما يطالب به الفلسطينيون وأقصى ما يبدي الإسرائيليون استعداداً لتقديمه.
وقد تكون حكومة هيرتسوغ أكثر انفتاحاً للاستماع لمقترحات دولية وإقليمية بشأن التعاطي مع قطاع غزة. وستكون في المقابل أكثر قدرة على تجنيد دعم دولي لشنّ عمل عسكري جديد على "حماس".
ومن الواضح، أن سلوك هذه الحكومة سيساعد الدول العربية، ولا سيما التي تقيم علاقات رسمية مع إسرائيل على مواصلة تطوير علاقاتها مع تل أبيب.
للوهلة الأولى يمكن الافتراض أن حكومة يسار وسط في تل أبيب ستكون أكثر قدرة على توظيف المصلحة المشتركة في إحباط المشروع النووي الإيراني في تعزيز التنسيق غير المباشر مع الدول العربية التي تنظر بحساسية لهذا المشروع. لكن من ناحية واقعية، فإن هذه الدول، وتحديداً السعودية ستكون معنية أكثر بتعزيز علاقاتها مع دول وأطراف تراها إسرائيل معادية لها، مثل تركيا وجماعة الإخوان المسلمين، من أجل تحسين قدرتها على مواجهة التوسع الإيراني في كل من اليمن والعراق وسورية. فأية حكومة إسرائيلية لن تنظر بعين الرضا لأي توجه عربي يمكن أن يفضي إلى تحسين مكانة تركيا الإقليمية.
ومن الواضح أنه لن يكون هناك ثمة اختلاف في التعاطي مع الواقع في سورية، إذ أنّ أية حكومة ستواصل توجيه ضربات جوية داخل سورية في حال توفرت معلومات استخبارية بشأن نقل سلاح لحزب الله.
وفي حال تشكلت حكومة "وحدة وطنية" وهو الاحتمال الأكثر تضاؤلاً، فإن هذه الحكومة ستكون حكومة شلل سياسي، إذ أن أحزاب اليمين المشاركة فيها ستعمل على محاولة إملاء برامجها ومواقفها، ما قد يفضي إلى نتائج ستشبه إلى حد كبير النتائج المتوقعة لتشكيل حكومة يمينية صرفة.
اقرأ أيضاً: انتخابات الكنيست تحتدم... و3 سيناريوهات لتشكيل الحكومة المقبلة