مع بقاء 17 يوماً على الموعد الرسمي الأخير لتقديم قوائم الأحزاب المتنافسة في الانتخابات الخامسة في إسرائيل منذ انتخابات إبريل/نيسان 2019، تمكّن رئيس الحكومة الأسبق، زعيم حزب "الليكود" بنيامين نتنياهو، يوم الجمعة الماضي، من إلزام زعيم حزب "الصهيونية الدينية" بتسلئيل سموطريتش، وزعيم حزب "القوة اليهودية" إيتمار بن غفير، بتوقيع اتفاق تحالف لخوض الانتخابات في قائمة واحدة.
وشكّل هذا الاتفاق عملياً الخطوة الأخيرة في توحيد صفوف المعسكر المؤيد لنتنياهو، في قوائم قادرة على خوض الانتخابات، من دون أن يتهددها خطر عدم اجتياز نسبة الحسم المحددة بـ3.25 في المائة من مجمل الأصوات الصالحة.
ويعني هذا الاتفاق أيضاً طرد شبح عدم تمكن "الصهيونية الدينية" الذي يقوده سموطريتش من اجتياز نسبة الحسم، بما يضمن عدم خسارة معسكر نتنياهو 4 مقاعد من أصل 61 مقعداً يحتاجها نتنياهو للحصول على تكليف رسمي لتشكيل ائتلاف حكومي مقبل.
وبذل نتنياهو جهوداً مكثفة منذ أسابيع للتوصل إلى هذا الاتفاق، بعد أن بدا أن بن غفير، الكهاني، الذي تنبأت له الاستطلاعات بـ8 مقاعد على الأقل، مصمم على خوض الانتخابات بشكل منفرد، في الوقت الذي يراوح فيه معسكر اليمين بقيادة نتنياهو مكانه بين 59-60 مقعداً لا غير، وفق الاستطلاعات المتواترة في الأسابيع الأخيرة.
يعتقد نتنياهو أن بن غفير هو الوحيد القادر على تحريك أنصار اليمين في إسرائيل بفعل نشاطه الدائم وتصريحاته الفاشية
ويسعى نتنياهو من وراء إتمام الاصطفاف في اليمين المؤيد له في قوائم قادرة على اجتياز نسبة الحسم، إلى محاولة رفع نسبة التصويت في أطراف اليمين التقليدي. ويوجّه نتنياهو عناية خاصة لمؤيدي "الليكود" التقليديين في بلدات "التطوير" الإسرائيلية التي أقيمت في ستينيات القرن الماضي لتوطين اليهود العرب والروس، ممن بيّنت دراسة نتائج الانتخابات الثلاث الأخيرة، أنهم لم يشاركوا فيها، ويسعى لحثهم على الخروج للتصويت وكسر حالة التوازن بين المعسكرين الرئيسيين في إسرائيل.
وبحسب مراقبين فإن نتنياهو بات يعتقد، في ظل تنامي قوة الكهاني الفاشي إيتمار بن غفير، أن الأخير هو الوحيد القادر على هز وتحريك أنصار اليمين في إسرائيل بفعل نشاطه الدائم وتصريحاته الشوفينية القومية الفاشية التي تلقى صدى واسعاً في المجتمع الإسرائيلي.
ويرغب نتنياهو بالاستفادة من نشاط بن غفير في إحداث حالة يقظة عند أوساط تقليدية تصوّت لـ"الليكود" ولا ترغب بأن يكون نتنياهو رهينة لنزعات بن غفير، لدفعها إلى الانخراط في المعركة الانتخابية.
بن غفير فزاعة في يدي نتنياهو
ومع أن نتنياهو يستفيد للوهلة الأولى من نمو قوة بن غفير، إلا أنه قد يستخدم هذه القوة كفزاعة يلوّح بها في وجه بني غانتس وغدعون ساعر، لإرغامهما بعد الانتخابات على النزول عن شجرة تعهداتهما بعدم تشكيل حكومة مع نتنياهو، لأن البديل، الذي سيلوّح به نتنياهو، هو حكومة يكون بن غفير عضواً في مجلسها الأمني المصغر للشؤون السياسية والأمنية "الكابينت".
وفيما يبدو أن توحيد الصفوف في معسكر نتنياهو، قد يؤتي أكله، لا يزال أمام نتنياهو نزاع صغير آخر لحله، نشب أخيراً بين الحزبين المشكلين لقائمة "يهدوت هتوراة" للحريديم الغربيين الإشكناز، وهما "ديغل هتوراة" و"أغودات يسرائيل"، ويهدد بفك الشراكة بينهما.
ونشأ النزاع بين الحزبين، حول مسألة إلزام تلاميذ اليهود الحريديم بدراسة وتعلم المواضيع العلمية والرياضيات، وعدم الاكتفاء بتعلم ودراسة علوم التوراة. ومع أن قادة الحزبين يهددان بالانشقاق وتفكيك القائمة المشتركة التي تحصل وفق الاستطلاعات على 8 مقاعد، وتعتبر ركيزة أساسية في قوة معسكر نتنياهو، إلا أنه من المتوقع أن يتمكن نتنياهو من حل الخلاف بين الطرفين حتى موعد تقديم اللوائح الانتخابية في 15 من الشهر المقبل.
تنافس وفوضى في صفوف مناهضي نتنياهو
في المقابل، يسود الشقاق والتنافس الشديد داخل المعسكر المناهض لنتنياهو، والمشكّل من 8 أحزاب على الأقل، من أقصى اليسار وحتى أقصى اليمين، وهي أحزاب "ييش عتيد" بقيادة يئير لبيد، والتحالف الثلاثي لغانتس وغادي أيزنكوط وساعر المسمى "المعسكر العمومي"، و"الروح الصهيونية" بقيادة أيليت شاكيد، و"يسرائيل بيتينو" بقيادة أفيغدور ليبرمان، و"العمل"، و"ميرتس"، والقائمة العربية الموحدة الإسلامية بقيادة منصور عباس. وتصل هذه الأحزاب معاً إلى 56 مقعداً فقط، مقابل 6 مقاعد للقائمة المشتركة للأحزاب العربية الثلاثة غير المشاركة في الحكومة، والتي يقودها أيمن عودة.
يسود الشقاق والتنافس الشديد داخل المعسكر المناهض لنتنياهو
وبالإضافة إلى التنافس الشديد بين حزب "المعسكر العمومي" بقيادة غانتس، وبين "ييش عتيد" بقيادة يئير لبيد، فإن خطر عدم اجتياز نسبة الحسم يهدد حزبي "ميرتس" بقيادة زهافا غالئون، و"الروح الصهيونية" بقيادة أيليت شاكيد، مما يبعد هذا المعسكر أكثر عن إمكانية تشكيل ائتلاف حكومي. ويواجه حزب "ميرتس" حتى الآن رفضاً من زعيمة "العمل" ميراف ميخائيلي، لتوحيد الحزبين في قائمة واحدة مشتركة، إذ تخشى ميخائيلي أن يمس التحالف بقوة حزبها، وأن يهرب مصوتو الحزب باتجاه التصويت لتحالف غانتس-أيزنكوط-ساعر.
لكن المشكلة الأساسية التي يثيرها التنافس الداخلي بين أحزاب المعسكر المناهض لنتنياهو، تكمن أساساً في هوية المصوتين، وضبابية هوية أحزاب المعسكر، خلافاً للهوية السياسية والاجتماعية والدينية الواضحة لأحزاب معسكر نتنياهو، وتنوّعها بين أحزاب يمين دينية تقليدية، كأحزاب الحريديم، وأخرى فاشية مؤيدة للاستيطان، مثل تحالف "الصهيونية الدينية" و"القوة اليهودية" وأحزاب يمين سياسي واقتصادي "ليبرالي" مثل "الليكود".
وفيما يجد المصوت اليميني لمعسكر نتنياهو، مبررات واضحة للتصويت لأحد أحزاب المعسكر، فإن هذا "المبرر" غير متوفر للمصوّت في المعسكر المناهض لنتنياهو، باستثناء "العداء لنتنياهو"، وهو ما قد يكون ممكناً التغلب عليه والعودة لحضن معسكر نتنياهو في حال تمكن زعيم "الليكود" في دعايته التحريضية ضد العرب في الداخل، من إقناع المترددين في هذا المعسكر بأن الحكومة المقبلة قد تعتمد على دعم أصوات النواب العرب في الكنيست، مما سيجعلها عرضة للابتزاز.
وإذا كان هذا غير كافٍ، فإن الاستطلاعات التي تختص بنسبة التصويت عند العرب، تتوقع تراجع نسبة المشاركة في الانتخابات، بنحو 25 في المائة، مقارنة بالمشاركة في الانتخابات الأخيرة. كما أن خطر انشقاق القائمة المشتركة بقيادة أيمن عودة، يهدد هو الآخر بزيادة نسبة الممتنعين عن التصويت عند العرب، وبعدم اجتياز أحد الأحزاب العربية نسبة الحسم، مما يعني عددياً خسارة المعسكر المناهض لنتنياهو 4 مقاعد على الأقل، ليمنح ذلك معسكر نتنياهو المقعدين اللازمين له للحصول على تكليف لتشكيل الحكومة الجديدة.