انتخابات الرئاسة الإيرانية التي تجري، اليوم الجمعة، نالت من الاهتمام لدى نخب وخبراء السياسة الخارجية الأميركية أكثر من أي استحقاق مماثل في السابق، فهي تأتي وسط مفاوضات نووية واعدة في فيينا، والأهم أنها من المفترض أن تكون آخر انتخابات قبل التغيير المرتقب في سدة المرجعية الأولى في النظام الإيراني وذلك بحكم تقدم المرشد الأعلى علي خامنئي بالسن.
وعليه، فإن وضع المرشح المرغوب على سكة الفوز عبر عملية غربلة أسماء المرشحين التي قام بها مجلس صيانة الدستور، يُنظر إليه من زاوية أنه يشي بملامح المرحلة المقبلة وتركيبتها وتوازناتها وبالتالي توجهاتها الإقليمية والدولية وإن كان من غير المتوقع حصول فوارق كبيرة في خط النظام بين ما بعد وما قبل الانتقال الرئاسي.
ملف تفاعلي: كل ما تود معرفته عن الانتخابات الرئاسية الإيرانية
إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن همها التوصل إلى توافق للعودة إلى اتفاق 2015، الإشارات التي صدرت عنها خاصة بعد الجولة الخامسة من مفاوضات فيينا، بدت أن الأولوية لديها هي بلوغ هذه النقطة من دون الإصرار على مطلبها في "تمديد وتقوية" الاتفاق.
وكانت قد طرحت هذا الشرط من البداية لضمان بقاء الاتفاق سارياً لمدة طويلة وبالترافق مع تقييد البرنامج الصاروخي الإيراني وكبح نفوذ طهران في المنطقة.
وثمة في الكونغرس الأميركي وبعض دوائر المحافظين من يدعو إلى "تأبيد" الاتفاق والإبقاء على العقوبات أو بعضها وانتزاع قبول إيران بذلك قبل التوصل إلى إحياء اتفاق 2015 معها.
لكن الإدارة لا تبدو في هذا الوارد، المطلب هذا شبه تلاشى ذكره في حديث المسؤولين، أخيراً، بعد تعثر المفاوضات. ربما جرى تعليقه لإنقاذ الاتفاق قبل مغادرة الرئيس الإيراني حسن روحاني بعد حوالي شهرين ومجيء خلفه المتشدد إبراهيم رئيسي، المرجح وصوله أو إيصاله إلى الرئاسة. أو ربما من باب الاعتقاد بأن تحقيقه متعذر في الوقت الحالي. وهذا احتمال غير بعيد عن تفكير بعض صناع القرار في الإدارة الأميركية.
مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي جيك سوليفان كتب مقالة في 2019 ذكر فيها أن "على الولايات المتحدة اعتماد سياسة خارجية تكون قادرة على التمييز بين ما يمكنها تغييره وما لا يمكنها". براغماتية اعتمدها الرئيس بايدن في لقاء القمة، أمس، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في جنيف، حيث اكتفى بالتأسيس للحوار بديلاً عن لغة الإنذار.
لكن الأوساط المعنية بأمور وقضايا السياسة الخارجية والمعنية بالشأن الإيراني، تعامل بعضها مع الانتخابات الإيرانية من منظار ما يعنيه ترتيب العملية بصورة تضمن فوز المرشح إبراهيم رئيسي بالرئاسة وفي هذا الوقت بالذات. اختياره أو بالأحرى دفعه إلى الواجهة من جانب المرشد الأعلى، يتخطى عملية تفضيله على غيره كمتشدد وكمقرب من هذا الأخير وغير متنافر معه.
المسألة أبعد وأكثر تعقيداً حيث تتصل بلعبة الخلافة وحساباتها "وصراعات العائلات الرئاسية مع آية الله خامنئي"، كما كتبت مجلة "فورين أفيرز" الأميركية المرموقة.
حسب هذا التحليل، هناك واحد من احتمالين وراء هذا الاختيار، وفقاً للمجلة نفسها، الأول أن "المرشد عمل على رفع رئيسي إلى منصب الرئاسة ليضمن تفشيله في هذا الموقع وبما يبعده بالتالي عن خلافته". خشيته من رئيسي أنه لو صار المرشد فإنه قد "يقوم بإقصاء عائلة خامنئي كما فعل الأخير مع عائلتي الخميني ورفسنجاني".
الاحتمال الثاني أن خامنئي ربما ينوي "إجراء تغييرات في بنية النظام وأن رئيسي لن يعارضه"، منها جعل "انتخاب الرئيس من البرلمان الذي يصبح بإمكانه إزاحة الرئيس لو عاكس المرشد"، أو قد يتجه نحو استبدال صيغة المرشد الفرد "بمجلس من عدة شخصيات من بينها ابنه مجتبى الذي يتولى دوراً هاماً في مكتب والده". وبذلك يمكنه "ضمان استمرار عائلته في الحكم وتركته ورؤيته للثورة".
الجدل الأميركي حول الوضع الإيراني مزمن. يتجدد عند كل استحقاق أو احتكاك أو توتر، توزع على أكثر من مدرسة. واحدة دفعت دوماً باتجاه تغيير النظام، من رموزها السفير والمستشار الرئاسي السابق جون بولتون. أخرى اختارت الانفتاح والتقارب "علّ ذلك يسعف المعتدلين في الداخل" كما فعل الرئيس السابق باراك أوباما وفشل فيه.
وثالثة راهنت على العقوبات باعتقاد أنها قد تؤدي عبر "ضغوطها القصوى" إلى تبدّل الأحوال، كما فعلت إدارة الرئيس دونالد ترامب لكن بدون جدوى. والآن ينتظر الرئيس بايدن التغيير الرئاسي ويجد نفسه في سباق مع الوقت للعودة إلى الاتفاق قبل انقضاء الفسحة الانتقالية للانتخابات.
وكل هذه المحاولات تتقاطع عند الطموح لإحداث ثغرة في جدار نظام "قد يتطلب انتقاله إلى الديمقراطية سنوات طويلة تكون نهاياتها بمثابة المفتاح الأهم للتغيير في الشرق الأوسط"، كما يقول كريم سدجدبور، الأستاذ في جامعة جورج تاون والباحث المتخصص بالشأن الإيراني في "مؤسسة كارنيغي" للدراسات والأبحاث في واشنطن.