على الرغم من تعدد الأطراف السياسية المشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية التي تجرى في 14 مايو/ أيار الحالي، إلا أن المنافسة الأساسية ستتركز بين تحالفين: الأول يتمثل بالتحالف الجمهوري الحاكم الذي يقوده رئيس البلاد رجب طيب أردوغان، والثاني يقوده زعيم المعارضة كمال كلجدار أوغلو باسم تحالف الشعب.
أردوغان الذي وصف هذه الانتخابات بأنها "مفترق طرق"، يبدو مصراً على تتويج مسيرة حكمه الممتدة لنحو 21 عاماً، بانتصار جديد يبقيه في السلطة لولاية جديدة. ويتنافس في الانتخابات 4 مرشحين في الرئاسيات، هم أردوغان مرشحاً عن التحالف الجمهوري، وزعيم المعارضة كلجدار أوغلو مرشحاً عن تحالف الشعب، فضلاً عن زعيم حزب البلد محرم إنجه، ومرشح تحالف "أتا" سنان أوغان. وإن لم يحصل المرشح الرئاسي على نسبة 50 في المائة زائداً واحداً في الجولة الأولى، تُجرى جولة ثانية بين أول مرشحين حصلا على أعلى نسبة أصوات في الجولة الأولى. وفي البرلمانيات يتنافس 24 حزباً، من بينها 5 تحالفات، و151 مرشحاً مستقلاً.
التحالف الجمهوري يتألف رسمياً من 4 أحزاب مسجلة لدى الهيئة العليا للانتخابات، يقوده حزب العدالة والتنمية، ويضم أحزاب الحركة القومية، والوحدة الكبرى، والرفاه من جديد. ويحظى التحالف بدعم معلن من حزب اليسار الديمقراطي، وحزب هدى بار الكردي، والحزبان الأخيران يخوضان الانتخابات البرلمانية بقوائم العدالة والتنمية، فيما تخوض بقية الأحزاب الانتخابات البرلمانية بقوائمها.
برنامج انتخابي بوعود كبيرة
وفي 11 إبريل/ نيسان الماضي، كشف أردوغان عن برنامجه وبيانه الانتخابي المتضمن مشاريع عديدة، ومنها تعهده بالعمل "على رفع حجم التجارة الخارجية للبلاد إلى تريليون دولار، وجذب 90 مليون سائح، وإيرادات بقيمة 100 مليار دولار سنوياً، وبمعدل نمو سنوي 5.5 في المائة يزيد من الدخل القومي خلال الفترة المقبلة، مع توفير 6 ملايين وظيفة جديدة في 5 سنوات، وخفض معدل البطالة إلى حدود 7 في المائة".
وأضاف أنه سيرفع نصيب الفرد من الدخل القومي في الفترة المقبلة إلى 16 ألف دولار سنوياً، ثم إلى مستويات أعلى، وسيُخرج البلاد من مشكلة التضخم، مشدداً على أن حكومته ستضمن استمرار استقرار تركيا، وبقاءها جزيرة للسلام والأمن في وقت يواجه العالم والمنطقة تحديات متفاقمة.
قدّم أردوغان وعوداً بتوفير وظائف جديدة ورفع الدخل الفردي وإخراج البلاد من مشكلة التضخم
وضمن الوعود الملموسة، قال أردوغان أيضاً إنه "سينشئ بنك الأسرة والشباب من عائدات الغاز الطبيعي والنفط، فضلاً عن عزم الحكومة التركية على إنشاء خط قطار فائق السرعة بين العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول، وإعادة هيكلة النظام الرئاسي استناداً إلى تجربة السنوات الخمس الماضية، ورفع الإنتاج الزراعي في المرحلة المقبلة إلى 132 مليون طن، والمنتجات البحرية إلى 750 ألف طن".
كذلك قدّم أردوغان وعوداً للشباب وأخرى في مجال الطاقة، منها مجانية فواتير الغاز لشهر و25 متراً مكعباً مجانياً كل شهر لمدة عام، بعد ربط الغاز المستخرج من البحر الأسود بالشبكة الوطنية. ومن أبرز الوعود أيضاً مشروع التحول العمراني المدعوم من الحكومة لمقاومة الزلازل في عموم تركيا، بمساهمة الدولة بنسبة 50 في المائة من التكاليف، وتقديم قروض ميسّرة لبقية التكاليف.
ومع بداية الحملات الانتخابية الحالية، تداولت الأوساط المؤيدة لأردوغان دعايته الانتخابية في عام 2011 التي عرض فيها مجموعة مشاريع كبرى لتحقيقها بحلول عام 2023 وتحقق الإيفاء بها، ومنها جسور معلقة وطرقات وقطارات سريعة ومطارات وأسلحة دفاعية متنوعة.
ومع كارثة الزلزال في 6 فبراير/ شباط الماضي التي طاولت 11 ولاية تركية وخلّفت مقتل أكثر من 50 ألف شخص بحسب إحصاءات رسمية، إضافة إلى أضرار مادية كبيرة، قدّم أردوغان وعوداً بإعادة الإعمار وتسليم المنازل خلال عام واحد للمواطنين، وهو ما حظي بقبول شعبي وعدم تشكيك، نظراً لنجاحه بالتعامل مع كوارث سابقة.
ونجح أردوغان بتنفيذ مشاريع كبرى في فترة حكمه، أكبرها ما يتعلق بالصناعات الدفاعية والتكنولوجيا، التي حققت تركيا فيها قفزة كبيرة خلال السنوات الأخيرة. وبرز ذلك بإنتاج الشركات التركية المسيّرات بأنواعها العديدة، والكشف عن المقاتلة الوطنية من الجيل الخامس "كآن"، وإنجاز حاملة طائرات مسيّرة، ومروحيات ودبابات ومدرعات، وسيارة كهربائية محلية الصنع، وكلها لاقت اهتماماً كبيراً من قبل الأتراك.
ويُحسب لأردوغان أيضاً عمله على تكريس استقلالية تركيا عبر سياسة خارجية متوازنة في محاولة لتعزيز مكانة أنقرة الخارجية، على الرغم من الاشتباكات التي حصلت في ساحات عدة. وشهد حكمه استقراراً سياسياً، وذلك بالتوازي مع الخبرة التي اكتسبها في الإدارة.
مآخذ على أردوغان
إلا أن أردوغان، على الرغم من النجاحات على الصعيد الاقتصادي وإيفاء ديون صندوق النقد الدولي عام 2013، إلا أنه لم يتمكن من المحافظة على المكتسبات واستقرار سعر صرف العملة، إذ ساهم انهيار الليرة التركية مع ارتفاع أسعار الطاقة إلى ارتفاع جنوني للأسعار في البلاد، وزيادة التضخم، ولم تنجح كل الحلول وزيادة الرواتب في التقليل من النقمة الشعبية على هذا الوضع.
وفي الداخل أيضاً، يُعتبر الملف السوري نقطة ضعف للحكم، في ظل وجود مئات آلاف اللاجئين السوريين في تركيا، وهو ملف عملت المعارضة على استثماره في ظل استجابة شعبية لمزاعمها.
لم ينجح أردوغان في المحافظة على المكتسبات الاقتصادية مع انهيار سعر العملة وارتفاع التضخم
كذلك، يواجه أردوغان في الانتخابات الحالية اجتماع أبرز أطياف المعارضة في تحالف واسع (تحالف الشعب)، يروّج لترهل حزب العدالة والتنمية وأنه "قطار مثقل ومتعب منذ 20 عاماً". ويحظى تحالف المعارضة بدعم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، ما يجعل جبهة المعارضة معززة ويرفع حظوظ كلجدار أوغلو بالوصول إلى حاجز 50 في المائة زائداً واحداً. كذلك يعاني أردوغان من خلافات مستمرة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
تنافس محموم بين أردوغان ومعارضيه
ولفت الكاتب والباحث طه عودة أوغلو، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "هناك حركة غير مسبوقة نتابعها للمرة الأولى منذ سنوات في ما يتعلق بالتنافس المحموم بين تحالف الشعب والتحالف الجمهوري"، مشيراً إلى أن "هناك حملات دعائية كبيرة لجذب أكبر عدد من الناخبين، وهذه المرة تُظهر استطلاعات الرأي تقارباً بين الرئيس أردوغان وكلجدار أوغلو للمرة الأولى منذ سنوات".
ورأى أن من نقاط قوة أردوغان وتحالفه، "الوعود التي تُترجَم على أرض الواقع، وافتتاح المشاريع وإعلان مشاريع أخرى ضخمة، وهو ما طمأن الشارع التركي كثيراً، على خلاف المعارضة التي تواجه انتقادات حتى من المقربين أو المترددين في ما يتعلق بالوعود التي قطعها كلجدار أوغلو حول الصناعات الدفاعية وغيرها".
وقال إن "كل طرف يحاول اجتذاب أصوات جديدة، ولا سيما شريحة المترددين، وكل يوم سنسمع أشياء جديدة من كلا المرشحين حتى نهاية الأسبوع، حيث هناك مؤتمر جماهيري ضخم للمرشحين في إسطنبول، وأعتقد أنه يمكن من خلاله قياس الشعبية على خلاف استطلاعات الرأي التي نتابعها".
ولفت عودة أوغلو إلى "أننا تابعنا قبل أيام تجمعاً في إزمير (للتحالف الحاكم) فاق عدد المشاركين فيه المليون شخص، في معقل العلمانيين وحزب الشعب الجمهوري"، مضيفاً: "نحن أمام حالة من التنافس غير المسبوق ما بين الطرفين، وحتى الآن من الصعب جداً التنبؤ بالنتائج، وستتضح الصورة أكثر الأسبوع المقبل، وخصوصاً إمكان حصول مفاجآت تغير موازين القوى على الأرض".
من جهته، قال الصحافي فرات تشليك، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن أردوغان "الذي حقق إيجابيات عديدة في فترة حكمه، واجه في السنوات الأخيرة تطورات جعلت الأمور تنقلب ضده، إذ تعرّض عدد كبير من المشاهير للمحاكمات لمجرد التعبير عن رأيهم، فثارت الشكوك حول الديمقراطية والحريات، إضافة إلى تراجع الاقتصاد كثيراً مع ارتفاع الأسعار بشكل جنوني".
تشليك: لم يستطع أردوغان حل مسألة اللاجئين على الرغم من حديثه عن مسألة العودة الطوعية
وأضاف: "لم يتمكن الرئيس أردوغان من تقديم حلول للوضع الاقتصادي والتضخم، وتراجعت القدرة الشرائية، وهي من العوامل المهمة لذوي الدخل المحدود، على الرغم من كثرة المشاريع الاستراتيجية والضخمة التي نفذها خلال السنوات السابقة".
وأكد تشليك أن "الملف السوري من نقاط ضعف الحكومة، ولم يستطع الرئيس أردوغان حل مسألة اللاجئين على الرغم من حديثه عن مسألة العودة الطوعية، في ظل توظيف المعارضة لهذا الملف بشكل كبير، ووعود كمال كلجدار أوغلو بإعادة السوريين خلال عامين، وهو ما يحظى بقبول شعبي". وتابع: "لكن لا يمكن القول إن التحالف الحاكم فَقَد زمام الأمور بسبب نقاط الضعف المذكورة، ولا المعارضة قادرة على الحسم، وسيفوز من يتمكن من السيطرة على الأيام الأخيرة وتقديم الوعود المنطقية، ويستميل المترددين، ويرتكب أخطاءً أقل".