الانتخابات التركية في الخارج: مشاركة قد تحسم النتائج

03 مايو 2023
من عملية الاقتراع في لندن، 29 إبريل الماضي (رشيد نجاتي أسليم/الأناضول)
+ الخط -

في ظل تقارب الأرقام بين التحالف الحاكم في تركيا والمعارضة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تجرى في 14 مايو/ أيار الحالي، وفق استطلاعات الرأي، يبرز انتخاب الأتراك خارج البلاد كعامل مؤثر وقد يكون حاسماً في نتائج هذا الاستحقاق الذي يعتبره الطرفان مصيرياً، خصوصاً أن نسبة الناخبين في الخارج تتجاوز الـ5 في المائة من مجموع من يحق لهم التصويت.

وانطلقت عملية التصويت في الانتخابات خارج تركيا، الخميس الماضي. ويحق لـ3 ملايين و416 ألفاً و671 ناخباً المشاركة في التصويت الذي بدأ في 27 إبريل/ نيسان الماضي، ويستمر حتى 9 مايو.

وفتحت صناديق الاقتراع في البعثات والممثليات التركية في 75 دولة، في 156 ممثلية وبعثة، كما فتحت صناديق الاقتراع في المعابر الحدودية والمطارات الدولية، ويبلغ عددها الإجمالي 4671 صندوقاً. ويصوّت في الانتخابات للمرة الأولى خارج تركيا 277 ألفاً و646 ناخباً، فيما ألغيت صناديق السودان بسبب الأوضاع فيها، علماً أن عدد المقيمين الأتراك فيه لا يتجاوز المئات.

وبدأت الانتخابات خارج البلاد منذ العام 2014 في الاستحقاق الرئاسي، بعد أن كانت توضع صناديق الاقتراع فقط في المعابر الحدودية منذ 1987، إلا أن تعديلات دستورية في العام 2008، قادت إلى مشاركة المقيمين في الخارج منذ 2014 وحتى الآن.

مشاركة مهمة للمغتربين الأتراك

وأعلنت الهيئة العليا للانتخابات يوم الإثنين الماضي، أي بعد خمسة أيام من افتتاح صناديق الاقتراع في الخارج، أن "عدد الذين صوتوا خلال هذه الأيام في مختلف الدول التي تجرى فيها انتخابات بلغ 644 ألفاً و972 ناخباً، في وقت بلغ فيه عدد الناخبين في المعابر الحدودية والمطارات 52 ألفاً و605 ناخبين، أي بمجموع 697 ألفاً و577 ناخبا"، ولا يزال هناك عدة أيام من أجل استكمال عمليات التصويت فيها.

تجاوزت نسبة التصويت في آخر انتخابات برلمانية أجريت خارج البلاد الـ50 في المائة

وتجاوزت نسبة التصويت في آخر انتخابات برلمانية أجريت خارج البلاد الـ50 في المائة، وفي كل انتخابات ترتفع أصوات الناخبين ونسبهم. فعلى سبيل المثال في انتخابات العام 2015 البرلمانية شارك 32.5 في المائة من الناخبين في الخارج الذين بلغ عددهم أكثر من مليونين و979 ألفاً، وحقق حزب العدالة والتنمية حينها أكثر من نصف الأصوات بنسبة بلغت 50.37 في المائة، تلاه حزب الشعوب الديمقراطي بنسبة 21.43 في المائة، ومن ثم حزب الشعب الجمهوري بنسبة 15.93 في المائة.

أما في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت عام 2018، فبلغ عدد الناخبين في الخارج أكثر من 3 ملايين و44 ألفاً، بنسبة مشاركة 44.62 في المائة. وحقق الرئيس رجب طيب أردوغان حينها نسبة 60.24 في المائة من الأصوات، فيما حصل منافسه مرشح تحالف الشعب المعارض محرم إنجه على 24.53 في المائة من الأصوات.

وفي الانتخابات البرلمانية بلغت نسبة المقترعين 50.09 في المائة، حقق حزب العدالة المرتبة الأولى بنسبة 51.73 في المائة، تلاه حزب الشعب الجمهوري بنسبة 17.75 في المائة، فيما حصل حزب الشعوب الديمقراطي على ما نسبته 17 في المائة.

اهتمام حزبي بناخبي الخارج

لكن الانتخابات الحالية تتميز بالتنافس الشديد خصوصاً رئاسياً بين الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان عن التحالف الجمهوري الحاكم، وكمال كلجدار أوغلو عن تحالف الشعب المعارض، فيما يتنافس برلمانياً 24 حزباً من بينها 5 تحالفات، و151 مرشحاً مستقلاً. ووصف أردوغان سابقاً الانتخابات المقبلة بأنها "مفترق طرق"، فيما اعتبرتها المعارضة "مصيرية".

تبلغ نسبة من يحق لهم الاقتراع خارج تركيا 5.12 في المائة من مجموع الناخبين

وبات من الواضح أن انتخابات الخارج تحظى باهتمام كبير بسبب ارتفاع أهمية كل صوت، إذ تبلغ نسبة من يحق لهم الاقتراع خارج تركيا 5.12 في المائة، وهي نسبة قد تكون حاسمة، خصوصاً أن الانتخابات الرئاسية تتطلب للفوز بها حصول المرشح على نسبة 50 في المائة زائداً واحدا في الجولة الأولى أو الثانية. وتشير استطلاعات الرأي إلى تقارب أرقام أردوغان وكلجدار أوغلو. كما أن قانون الانتخابات البرلمانية الذي يسمح بالتحالفات أيضاً يدعم أهمية أصوات الخارج.

ودفعت هذه الحالة الأحزاب السياسية إلى الاهتمام بالناخبين في الخارج، وتوجهت لهم برسائل ونظمت لقاءات معهم، لا سيما في ألمانيا وفرنسا حيث تتواجد أكبر أعداد من الناخبين. ففي ألمانيا وحدها هناك قرابة مليون ونصف مليون ناخب، وبالتالي تعتبر هذه الأصوات مهمة. ومن المؤكد أن أردوغان وحزبه العدالة والتنمية هم أكثر من يرغب بحصد أصوات هؤلاء، بالنظر إلى تمكنه من الحصول على الأغلبية من هذه الأصوات في الانتخابات الماضية.

ومن النقاط الهامة المحسوبة على أصوات الخارج، أنها عادة لا تُحتسب ضمن استطلاعات الرأي، فالاستطلاعات تجرى داخل تركيا فقط، وتتجاهل نسبة أكثر من 5 في المائة من الناخبين خارج البلاد، وبالتالي تعتبر هامة بالنسبة للأحزاب السياسية التي تسعى لكسب المغتربين الأتراك.

تنافس بين أردوغان وكلجدار أوغلو

وعن أهمية المغتربين الأتراك وأصواتهم في الانتخابات، لفت الكاتب والصحافي التركي إسماعيل جوكتان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "عدد المقترعين الأتراك في الخارج تقريبا 5 في المائة من مجموع الناخبين، وهذه النسبة يمكن أن تصب في مصلحة الرئيس أردوغان، لأن أغلبية الناخبين في الخارج من الأطياف الاجتماعية المتدينة الذين هاجر آباؤهم من المدن التركية الفقيرة من أجل الحصول على العمل خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي".

وأشار إلى أن "المغتربين يسجلون نسبة مشاركة عالية في الانتخابات، ويحتاج الرئيس أردوغان لكل صوت هذه المرة، في ظل إشارة استطلاعات الرأي إلى أن التنافس الانتخابي يسير بشكل قريب جداً".

ارتفع اهتمام الأحزاب المختلفة بالمغتربين بشكل ملحوظ في الاستحقاق الحالي

وأضاف أنه "نظراً لأهمية أصوات الخارج في هذه الانتخابات، لاحظنا ارتفاع اهتمام الأحزاب بالمغتربين بشكل ملحوظ، إذ وعد زعيم المعارضة كمال كلجدار أوغلو بتشكيل دوائر انتخابية خاصة للمغتربين في الانتخابات المقبلة التي يرجح تنظيمها في عام 2028، ليتمكن المغتربون من انتخاب نواب يمثلونهم في البرلمان".

ولفت إلى أن أردوغان قدمّ وعوداً مشابهة لذلك أيضاً". لكنه أشار إلى أن "هناك أصواتاً أخرى في الأوساط السياسية والإعلامية تطالب بتقليص أثر الأصوات الخارجية في الانتخابات المقبلة، بحجة عدم وجود المغتربين في البلاد، وبهذا لا يستحقون المشاركة في صناعة مستقبل البلاد". وأشار إلى أن "غالبية هذه الأحاديث تأتي من الأوساط المعارضة، بسبب الانتماء الاجتماعي للغالبية العظمى من المغتربين".

ولفت جوكتان إلى أن "تركيا لديها تجربة عميقة جداً منذ ما يزيد على ستين عاماً في تنظيم الانتخابات والحملات الانتخابية، وزار أردوغان المغتربين في دول إقامتهم في كثير من المرات خلال الانتخابات الماضية، وهناك ممثليات للأحزاب السياسية تقوم بإيصال أصوات أحزابهم للمواطنين المغتربين"، مضيفاً أنه "يتم تنظيم الانتخابات عبر ممثلية الهيئة العليا للانتخابات في الخارج وأيضاً من خلال السفارات والقنصليات التركية، لذلك يمكن القول إن مسار الحملات الانتخابية يسير بشكل تقليدي منذ زمن طويل".

من جهته، قال الصحافي التركي يوسف سعيد أوغلو، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "أصوات الخارج مهمة جداً في هذه الانتخابات لأنها ستشكل زخماً ورصيداً لمن يستطيع حصد النسبة الأكبر منها". وأشار إلى أن أردوغان حصل في الانتخابات السابقة على أغلبية الأصوات في الخارج، ولكنه لفت إلى أن الاستحقاق الحالي مختلف عن السابق، "إذ عملت المعارضة بجد كبير ووحّدت صفوفها، وقد تحقق خرقاً بأصوات الناخبين المغتربين، بتأثير من أقاربهم الناخبين داخل تركيا".

ولفت سعيد أوغلو إلى أن "استطلاعات الرأي تشير إلى تقارب في الأصوات بين أردوغان وكلجدار أوغلو، وبعض هذه الاستطلاعات تشير إلى تقدّم الأخير، وبالتالي انتخابات الخارج والمعابر الحدودية مهمة جداً"، موضحاً أنه "في حال شارك نصف الناخبين فهؤلاء سيشكلون ما نسبته 2-3 في المائة من المقترعين بشكل عام، علماً أن أردوغان فاز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بنسبة 52.57 في المائة من الأصوات، وهو ما يعني أن هذه النسبة القليلة تحمل أهمية كبيرة في الحسم خلال هذه الانتخابات".

وأكد أن "كلجدار أوغلو يحظى بدعم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، ونسبة الناخبين الأكراد مع ناخبي حزب الشعب الجمهوري تتجاوز الـ35 في المائة من إجمالي الأصوات، وإذا ما أضيف لها أنصار بقية الأحزاب ضمن تحالف الشعب وتبدل مزاج الناخبين، فإن هذه النسبة قد ترتفع إلى 50 في المائة أو أكثر". وأضاف بالتالي أنه "قد يتم تقاسم أصوات الخارج، وهو ما قد يشعل المنافسة أكثر، خصوصاً أن كل طرف يدعي تقدّمه في الانتخابات".

المساهمون