يتوجه الناخبون في أرمينيا، اليوم الأحد، إلى مراكز الاقتراع، للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التشريعية المبكرة التي من المنتظر أن تشكل نقطة حسم للصراع المحتدم منذ أشهر طويلة، بين القوى السياسية، إثر الهزيمة الأليمة في الخريف الماضي أمام أذربيجان، في حرب إقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه بين البلدين. وعلى الرغم من خوض نحو 25 حزباً سباق الانتخابات، إلا أن استطلاعات الرأي الأخيرة تُظهر أن المنافسة الرئيسية ستحتدم بين كتلتي "خطوتي"، الداعمة للقائم بأعمال رئيس الوزراء، نيكول باشينيان (بعد استقالته)، و"أرمينيا" بزعامة الرئيس الأسبق روبرت كوتشاريان، الذي يتحدر من كاراباخ وشغل منصب الرئيس الأرميني خلال الفترة بين عامي 1998 و2008، وكذلك أول رئيس جمهورية لناغورنو كاراباخ غير المعترف بها دولياً بين عامي 1994 و1998.
تحتدم المنافسة بين كتلة باشينيان وكتلة الرئيس الأسبق روبرت كوتشاريان
ورجّح استطلاع رأي حديث، بحسب وكالة "فرانس برس"، حصول حزب باشينيان، "العقد المدني"، وحزب منافسه كوتشاريان، على نسب متقاربة اليوم، مع نحو 24 في المائة من الأصوات، يليهما رئيس الوزراء الأسبق سيرج سركيسيان مع نحو 7 في المائة من الأصوات. يذكر أنه في حال عدم انبثاق أي غالبية أو ائتلاف أكثريّ من الجولة الأولى لهذه الانتخابات، فستنظّم جولة ثانية في 18 يوليو/تموز المقبل، بين الحزبين اللذين نالا النتائج الأكبر في الدورة الأولى.
وأول من أمس الجمعة، تجمّع نحو 20 ألف شخص، وسط العاصمة الأرمينية يريفان، دعماً لكوتشاريان، في آخر أيام حملة الانتخابات، وغداة تنظيم أنصار باشينيان لتجمع داعم له في الساحة نفسها الخميس. وقال كوتشاريان للحضور: "جئنا لتسوية مشاكل" الأمن والفقر، مضيفاً أن "السلطة الحالية عاجزة عن حلّها". ودعا كوتشاريان أنصاره إلى مراقبة فرز أوراق الاقتراع من كثب حتى "لا تُسرق أصواتنا".
وتجري انتخابات اليوم، وسط الأجواء الأكثر توتراً منذ تفكك الاتحاد السوفييتي ونيل أرمينيا استقلالها في عام 1991، وسط حالة من البحث عن المتسببين في هزيمة كاراباخ، والاستقطاب غير المسبوق في المجتمع الأرميني. ومنذ نهاية العام الماضي، واجه باشينيان، الذي صعد إلى السلطة نتيجة "الثورة المخملية" في عام 2018، تظاهرات مطالبة باستقالته وانتقادات معارضيه لسياساته الداخلية والخارجية غير الفعّالة، وفتور العلاقات مع الحليف الرئيسي، روسيا، بالإضافة إلى وصول الجيش إلى حالة العجز عن القتال، وانقسام المجتمع. هذه العوامل زادت من دعم السكان للسلطات الأرمينية السابقة، وفاقمت المخاوف من حدوث صدامات داخلية بعد الاستحقاق البرلماني.
وفي هذا الإطار، استبعد المحلل السياسي المتخصص في شؤون جنوب القوقاز، أندريه أريشيف، احتمال فوز باشينيان في "انتخابات نزيهة"، محذراً من لجوء الأخير إلى أساليب إثارة فتن وصراعات داخلية من أجل الحفاظ على السلطة بأي ثمن. وقال أريشيف، في حديث لـ"العربي الجديد": "لما كانت أرمينيا جمهورية ذات حكم برلماني، فمن المفترض أن تسفر الانتخابات عن تشكيل الأغلبية البرلمانية لانتخاب رئيس الوزراء. وباشينيان، الذي يقتصر دعمه على المجموعات الموالية للغرب، ليست لديه فرصة حقيقية في الفوز في المنافسة النزيهة، والسبيل الوحيد أمامه للحفاظ على السلطة هو التحريض على الاضطرابات الداخلية".
تجري الانتخابات وسط أجواء الهزيمة في كاراباخ، والاستقطاب الحاد في الداخل
وحول نقاط قوة كوتشاريان مقارنة مع باشينيان، قال المحلل السياسي: "يحظى كوتشاريان بدعم متزايد في أرمينيا وخارجها، كما أيّده رئيس هيئة الأركان الأرمينية السابق، أونيك غاسباريان، الذي حاول باشينيان تحميله المسؤولية عن السياسات الفاشلة التي اعتمدها هو نفسه، أثناء الحرب. كما أن كوتشاريان يتمتع بخبرة جيدة في مجال إدارة الأزمات، سواء أثناء قيادته لأرمينيا أو ناغورنو كاراباخ".
وكان باشينيان قد دخل في حالة من المواجهة المفتوحة مع المؤسسة العسكرية الأرمينية في نهاية فبراير/شباط الماضي، حين طالبت هيئة الأركان الأرمينية باستقالته على خلفية توجيهه انتقادات لمنظومات صواريخ "إسكندر" الروسية ووصفه إياها بأنها لم تكن فعالة أثناء الحرب مع أذربيجان. وفي هذا الإطار، لفت أريشيف إلى أن حرب كاراباخ سرّعت اندلاع الأزمة السياسية في أرمينيا، موضحاً أن هذه الحرب "أدت إلى خسارة أراض وسقوط قتلى وتهاوي شعبية باشينيان، وهو يدرك نقطة ضعفه".
ولما كانت أرمينيا عضواً في منظمة معاهدة الأمن الجماعي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي مع روسيا، تتابع موسكو عن كثب تطورات المشهد السياسي الأرميني، وسط تساؤلات حول ما إذا كان صعود كوتشاريان المحتمل سيعيد النفوذ الروسي في البلاد إلى ما كان عليه قبل "الثورة المخملية". وفي الوقت الذي تلتزم فيه موسكو على المستوى الرسمي الحياد تجاه الانتخابات الأرمينية، في ظلّ عزوف الكرملين عن التعبير عن دعمه لقوة سياسية على حساب أخرى، بدا الإعلام الروسي، بشقّيه الرسمي والمستقل، منحازاً لكوتشاريان، مبرزاً أخطاء باشينيان وعجزه عن تجاوز الأزمة الراهنة.
وفي مقال بعنوان "نهاية التشتت. أرمينيا تعبت من باشينيان. هل تستعيد البلاد العلاقات السابقة مع روسيا بعد الانتخابات؟"، لفتت صحيفة "لينتا.رو" الإلكترونية إلى خيبة أمل الجزء الأكبر من سكان أرمينيا من توجهات "السياسي الشعبوي"، مشيرة إلى مجموعة من إخفاقات باشينيان مثل أزمة صواريخ "إسكندر"، وعجزه عن بناء العلاقات مع الحلفاء، واستمرار التوتر على الحدود الأرمينية. كما لفتت إلى عدم تسوية الأخير لمسألتي ترسيم الحدود ومصير نحو 200 أسير أرميني تحتجزهم أذربيجان، وفق أرقام الحقوقيين.
واعتبرت الصحيفة أن "الجانب الروسي لا ينظر إلى باشينيان على أنه لاعب قوي ومنهجي يمكن بناء الحوار طويل الأجل معه"، بعدما تبيّن أن التوجه نحو روسيا تراجع إلى المشهد الخلفي في عهده. وخلصت "لينتا.رو" إلى أن "التحول نحو روسيا الذي قد يدعمه ملايين الأرمينيين، يبدو هو الحل الأكثر منطقية بعد إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة". ولعل إدراك هذا الوضع، دفع بباشينيان إلى مغازلة موسكو عشية الانتخابات، داعياً إلى "تعميق التعاون العسكري والاستراتيجي مع روسيا" رداً على "السياسة العدوانية الأذربيجانية".
يذكر أن باشينيان أعلن، في 25 إبريل/نيسان الماضي، عن استقالته مع استمرار أدائه مهام منصبه بشكل مؤقت حتى انتخابات اليوم التي تهدف إلى إخراج أرمينيا من أزمتها الراهنة، وقد تحدد ملامح مشهدها السياسي في الأفق المنظور.