زادت صعوبة جمع التزكيات للترشح للانتخابات التشريعية في تونس من مخاطر توظيف المال السياسي في شراء ذمم المزكين، وسط تحذيرات من المنظمات المدنية المراقبة للعملية الانتخابية.
ولا يفصل المترشحين للانتخابات التشريعية في 17 ديسمبر/كانون الأول سوى أيام قبل انطلاق هيئة الانتخابات في قبول الترشحات رسمياً يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، وهي العملية التي تستمر أسبوعاً.
ويشترط المرسوم الانتخابي الذي سنّه الرئيس التونسي قيس سعيد بمفرده أن يجمع الأفراد المترشحون 400 تزكية نصفها من النساء وربعها من الشباب دون 35 عاماً.
ويعاني المترشحون من صعوبات في جمع التزكيات، ما دفع أحزاباً وحركات سياسية مناصرة للرئيس سعيد ولمسار 25 يوليو أن تعلن عدم خوضها غمار الانتخابات أو عجزها عن الترشح في مختلف المحافظات والدوائر الانتخابية، وعددها 161.
ويحذر الخبراء والمجتمع المدني من سطوة المال السياسي لشراء ذمم المزكين عبر الأموال، ومن مغبة ترشح المهربين أو الفاسدين أو العاملين في قطاع التجارة الموازية.
وفي السياق، حذّر سعيّد، خلال لقائه، أمس الاثنين، رئيسة الحكومة نجلاء بودن، "مما يُدبر له البعض من طريق المال الفاسد لشراء الذمم على عادتهم في ذلك في مثل هذه المناسبات الانتخابية"، داعياً إلى "ضرورة الاستعداد الجيد للانتخابات حتى يُعبر الشعب عن إرادته بكل حرية بعيداً عن كل محاولات الانحراف بها".
وذكّر سعيد، بحسب بلاغ صادر عن رئاسة الجمهورية بأن "المرسوم المتعلق بالانتخابات ينصّ على عقوبات جزائية، سواء بالنسبة إلى الراشي أو إلى المرتشي".
وعلّق رئيس "المنظمة التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات" (عتيد)، بسام معطر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، على تنبيه سعيّد من تدفق المال الفاسد للانتخابات، قائلاً إنّ "المرسوم الانتخابي فتح المجال لذلك، وهو خيار فردي لرئيس الجمهورية بإلغاء التمويل العمومي، وبالتالي من أين سيجلب المترشحون الأموال؟ من تمويلات شخصية فردية أو تمويل مقنّع من أطراف أخرى، وهذا الإجراء إقصائي ومحفز لاستعمال أساليب ملتوية للحصول على دعم للحملة الانتخابية".
وتابع قائلاً بأن "البند المتعلق بالراشي والمرتشي صعب التنفيذ والرقابة حيث تجد هيئة الانتخابات صعوبة في المراقبة، ففي أحسن الحالات سيكون لديها 1200 مراقب، وفعلياً ستراقب الشيء القليل، وقد لاحظنا غياب الرقابة على الجانب الأكبر من الأعمال خلال الاستفتاء، حيث أفلت الكثير من التجاوزات من رقابة الهيئة، وحتى إن لم تفلت فلم نر أي تبعات لها".
وبيّن أن "التمويل العمومي كان دعماً معلوم المصدر، ومعلومة أيضاً طريقة صرفه من طريق محكمة المحاسبات وهيئة الانتخابات، ولكن للأسف أُلغي كل ذلك".
وأضاف أن "المنظمات الرقابية تجابه صعوبات كبيرة في ملاحظة ومتابعة نسق جمع التزكيات للانتخابات التشريعية، حيث يصعب تخصيص ملاحظين في كامل مراكز التعريف بالإمضاء (البلديات والمعتمديات)"، وشدد على أن "شرط جمع 400 تزكية نصفها من الذكور والنصف من الإناث و25% من الشباب أقل من 35 سنة، هو شرط تعجيزي"، ولفت معطر إلى أن ذلك "يتطلب مجهوداً كبيراً جداً على مستوى منطقة معتمدية لجمع هذا العدد في وقت وجيز جداً، وحتى 17 أكتوبر/تشرين الأول (تقديم الترشحات) يفترض تجند 25 شخصاً يومياً للتنقل للتعريف بالإمضاء".
هذه الانتخابات سيكون فيها إقصاء لطيف هام من التونسيين ممن ليست لهم إمكانيات باعتبار إلغاء التمويل العمومي
وعن الصعوبات الأخرى التي تعترض المترشحين، بين أن "هيئة الانتخابات أصدرت نموذجين لورقة التزكيات، يتضمن النموذج الثاني موجزاً لبرنامج انتخابي يتحدث عن مقترحات مشاريع والموارد المالية لتنفيذها، وفي ذلك مفارقة عجيبة من نائب عن الشعب يفترض أن يناقش مسائل وطنية عن نائب يقدم برنامجاً محلياً مرتبطاً بمنطقة محلية".
وشدد معطر على أن "هذا الأمر يضع النواب أمام استحالة تطبيق برامجهم وتنفيذها، حيث سيصعد نواب ببرامج محلية مختلفة بشكل فردي، ولا يوجد أحزاب لهيكلة هذه البرامج وتبوبيها". واعتبر أن "هذه الانتخابات سيكون فيها إقصاء لطيف مهم من التونسيين ممن ليست لهم إمكانات باعتبار إلغاء التمويل العمومي، عكس المحطات الانتخابية، السابقة لتصبح الحملة الانتخابية دون أي تكافؤ للفرص بين المترشحين".
إلى ذلك، اعتبر المحلل السياسي، والباحث في القانون العام، شكري بن عيسى، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "الرئيس منذ 25 يوليو، أي أكثر من 14 شهراً، لم يقم بما يلزم، سواء بمحاسبة الفاسدين أو كذلك بإرساء التشريعات باعتباره المشرّع بطريقة المراسيم وهي طريقة سهلة، ولا سيما بالنظر إلى أنه طرح في إطار إعلان التدابير الاستثنائية استفحال الفساد، ولكنه لم يقم بما يلزم لمكافحة الفساد عبر التشريعات أو الآليات".
وتابع بالقول إن الرئيس "في ما يسمى المرسوم المنظم للانتخابات لم يرسِ بشكل واضح إجراءات وآليات قضائية ورقابية بالنسبة إلى هيئة الانتخابات لتتبع المال وتدفقات الأموال الفاسدة، كذلك نلاحظ أن البنك المركزي لا يتابع هذه الأمور عبر لجنة التحاليل المالية التي تراقب تبييض الأموال المتدفقة أو الصادرة عن تونس، ورئيس الجمهورية لم يجتمع مع محافظ البنك المركزي لمكافحة هذه المسألة الخطيرة".
وشدد على أن "رئيس الجمهورية الذي وضع نظام الاقتراع على الأفراد ويشترط هذه التزكيات التعجيزية، يفتح الباب واسعاً أمام المهربين والعاملين في القطاع الموازي، باعتبارهم القادرين على توفير هذه التزكيات بطريقة تمويلها، وخصوصاً بعد عجز الأحزاب التي أقصاها الرئيس من المعارضة وحتى الموالية له، والتي بدأت ترفع الصوت عالياً لعدم قدرتها على جمع 400 تزكية بسبب شروطها المجحفة".