الانتخابات الرئاسية الإيرانية: تحدي المشاركة وفرص الإصلاحيين

28 يونيو 2024
إيراني يمر أمام ملصقات انتخابية في طهران أمس (فاطمة بهرامي/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الناخبون الإيرانيون بدأوا التصويت في الانتخابات الرئاسية المبكرة لاختيار الرئيس التاسع بعد الثورة الإسلامية، في أعقاب وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي، مع منافسة قوية بين ثلاثة مرشحين رئيسيين.
- فترة صمت انتخابي قبل الانتخابات مباشرة، مع توفير مراكز اقتراع داخل وخارج إيران، ومشاركة الإصلاحيين بمرشح خاص لأول مرة منذ 2009، مما يعكس تغيراً في الديناميكيات السياسية.
- الانتخابات تجري وسط تحديات داخلية وخارجية، بما في ذلك الأزمات الاقتصادية والتوترات الخارجية، مع تركيز السلطات على زيادة نسبة المشاركة لتعزيز الشرعية السياسية وتوقعات بمنافسة قوية وارتفاع حظوظ المرشح الإصلاحي.

توجه الناخبون الإيرانيون، اليوم الجمعة، ابتداء من الساعة الثامنة صباحاً بالتوقيت المحلي، إلى صناديق الاقتراع لاختيار الرئيس التاسع للبلاد منذ الثورة الإسلامية عام 1979، في الانتخابات الرئاسية الإيرانية المبكرة التي فرضت نفسها على الساحة إثر الرحيل المفاجئ للرئيس إبراهيم رئيسي في الـ19 من الشهر الماضي في حادث تحطم مروحيته أثناء رحلة عمل في محافظة أذربيجان الشرقية شمال غربي إيران. وتواجه السلطات تحدي رفع نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية في ظل أزمات داخلية وخارجية تواجه البلاد، لا سيما الوضع الاقتصادي، في حين يُتوقع أن تنحصر المنافسة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية بين ثلاثة مرشحين، هم رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، والأمين السابق لمجلس الأمن القومي سعيد جليلي، إضافة إلى المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان، وسط توقعات بالتوجه إلى جولة ثانية. 

ودخلت البلاد فترة الصمت الانتخابي منذ الساعة الثامنة صباح أمس الخميس، أي 24 ساعة قبل بدء الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي يحق لـ61 مليوناً ونحو 200 ألف ناخب التصويت فيها، وتشكل النساء قرابة نصف الناخبين، أي نحو 30 مليوناً و250 ألف ناخبة. ويحق لكل من أكمل الـ18 من عمره المشاركة في الانتخابات. وتستقبل 58 ألف و640 مركز اقتراع في أنحاء إيران الناخبين، فضلاً عن 344 مركز اقتراع خارج البلاد. وسمحت الولايات المتحدة بمشاركة الإيرانيين هناك في الانتخابات الرئاسية الإيرانية عبر التوجه إلى صناديق التصويت في عدة ولايات، لكن كندا رفضت ذلك.

هذه هي المرة الأولى التي يشارك فيها الإصلاحيون في الانتخابات الرئاسية الإيرانية بمرشح خاص بهم منذ العام 2009

ويوجد في كل مركز اقتراع مندوب حاكم المنطقة، ومندوب مجلس صيانة الدستور، ومندوب الشرطة وممثلين عن المرشحين. وتستمر عملية التصويت عشر ساعات، لكن يحق لوزارة الداخلية الإيرانية تمديد المدة إذا اقتضت الحاجة.

أربعة مرشحين في الانتخابات الرئاسية الإيرانية

وبعد انسحاب المرشح المحافظ أمير حسين قاضي زادة هاشمي مساء الأربعاء الماضي من سباق الانتخابات الرئاسية الإيرانية ودعوته المرشحين المحافظين إلى الإجماع على مرشح واحد، ورئيس بلدية طهران علي رضا زاكاني أمس الخميس، أصبح التنافس يقتصر على أربعة مرشحين، ثلاثة منهم محافظون هم: رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، والأمين السابق لمجلس الأمن القومي سعيد جليلي، ورئيس جمعية العلماء المناضلة رجل الدين مصطفى بور محمدي، إضافة إلى المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان.

لكن التنافس المحموم يجري بين ثلاثة مرشحين، هم بزشكيان الذي أصبح يتصدر استطلاعات الرأي، والمرشحَين المحافظين البارزين قاليباف وجليلي، اللذين رفضا التحالف وانسحاب واحد منهما لصالح الآخر. وترجح استطلاعات الرأي جولة إعادة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية في ظل استبعاد قدرة أي من المرشحين على الحصول على النصف زائد واحد من أصوات الناخبين الذين يدلون بأصواتهم. وفي حال لم تحسم النتيجة، فستعاد الانتخابات وفق قانون الانتخابات الإيراني يوم الجمعة المقبل بين مرشحَين يحصلان على أعلى نسبة من الأصوات.

من الترشح إلى السباق

بعد رحيل رئيسي، تولى نائبه الأول محمد مخبر رئاسة السلطة التنفيذية بشكل مؤقت حسب الدستور، الذي ينص على قيام مجلس مكون من رؤساء السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، بترتيبات لإجراء الانتخابات الرئاسية الإيرانية المبكرة في غضون خمسين يوماً لاختيار رئيس جديد للبلاد. وعليه، وافقت الداخلية الإيرانية، بعد فتح أبواب الترشيح في 30 الشهر الماضي خمسة أيام، على تلقي طلبات ترشح 87 شخصاً، من بينهم 5 نساء، قالت إنهم استوفوا الشروط الأولية للترشح. ثم أرسلت القائمة إلى مجلس صيانة الدستور الإيراني المشرف على العملية الانتخابية للبت في أهليتهم، فمنح الثقة لـ6 منهم، مقصياً شخصيات بارزة، أبرزها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، والرئيس السابق للبرلمان المحافظ المعتدل علي لاريجاني، والنائب الأول للرئيس السابق القيادي الإصلاحي البارز إسحاق جهانغيري.

المفاجأة لم تكن في رفض ترشح هؤلاء. فخلال الدورة الانتخابية الرئاسية في العام 2021، أيضاً رفض مجلس صيانة الدستور ترشحهم، وسط جدل وسجال مستمرين بشأن سياسات وسلوك المجلس خلال عملية البت في أهلية المرشحين في كل انتخابات. بل المفاجأة كانت في المصادقة على أهلية المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان، الذي سبق أن رفض مجلس صيانة الدستور أهليته للانتخابات البرلمانية التي جرت في مارس/آذار الماضي، وذلك بسبب موقف بزشكيان من حادث وفاة الشابة مهسا أميني أواخر 2022 وتوجيه انتقادات حادة للسلطات بشأن ذلك، وذلك قبل أن يتراجع المجلس عن رفض أهليته بعد تدخل المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، فاضطر المجلس إلى المصادقة على ترشحه لدورة برلمانية جديدة.

وجاء تأييد أهلية بزشكيان لخوض سباق الانتخابات الرئاسية الإيرانية ورفض قيادات إصلاحية أخرى، في وقت كانت جبهة الإصلاحات، المظلة الشاملة للقوى والأحزاب الإصلاحية في إيران، قد اتخذت موقفاً مختلفاً عن الدورة السابقة بالمشاركة والترشح للانتخابات الرئاسية الجديدة، وكشف عنه لأول مرة القيادي محمد علي أبطحي، نائب الرئيس الأسبق محمد خاتمي، في مقابلة مع "العربي الجديد" في 28 مايو/أيار الماضي.

أحمد زيد أبادي: حسابات المحافظين بشأن هذه الانتخابات أثبتت خطأها

لكن جبهة الإصلاحات الإيرانية ربطت، في الوقت ذاته، المشاركة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية بمصادقة مجلس صيانة الدستور، أقله، على مرشح إصلاحي واحد من أصل ثلاثة مرشحين (إسحاق جهانغيري وعباس أخوندي ومسعود بزشكيان) تقدمت بهم. تحقق الشرط بالفعل بعد منح المجلس الثقة لترشح بزشكيان، وهو الأمر الذي عزاه رئيس حملة المرشح الإصلاحي علي عبد العلي زادة، الاثنين الماضي، إلى موقف جبهة الإصلاحات، بقوله إن اشتراطها المصادقة على أهلية أحد مرشحيها "كان مؤثراً" في منح الثقة لبزشكيان.

وهذه المرة الأولى التي يشارك فيها الإصلاحيون في الانتخابات الرئاسية الإيرانية بمرشح خاص لهم منذ العام 2009، الذي شهد احتجاجات على نتائج الانتخابات الرئاسية بعد الإعلان عن فوز محمود أحمدي نجاد. فمنذ ذلك الوقت، أصبح مجلس صيانة الدستور يرفض كبار مرشحيهم، باستثناء عام 2017 حيث كان جهانغيري مرشح ظل لروحاني الذي دعمه الإصلاحيون عامي 2013 و2017 وأوصلوه إلى الرئاسة.

ظروف الانتخابات

تجري إيران انتخاباتها الرئاسية الـ14 في ظروف داخلية وخارجية مختلفة عن الدورات السابقة، نتيجة تراكم أزمات وتحديات على الصعيدين، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعضها ببعض، منها الأزمات الاقتصادية التي تعد نتيجة للصراع والأزمة مع الغرب وبالذات مع الولايات المتحدة، فضلاً عن تراكم مشكلات وتحديات سياسية واجتماعية وثقافية، ما أدى إلى تراجع الثقة بين الشارع والحكومة، تعكسه مستويات متدنية للمشاركة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية واحتجاجات مكررة في السنوات الأخيرة.

أما على الصعيد الخارجي أيضاً، فإن هوية الرئيس الإيراني المقبل، إن كان إصلاحياً أو محافظاً، معتدلاً أو متشدداً، ترسم توجهات البلاد في سياساتها الخارجية خلال المرحلة المقبلة، حيث تأتي هذه الانتخابات في ظل تحديات جسام تواجهها إيران في سياستها الخارجية في ما يرتبط بالصراع الإيراني الغربي الأميركي ووجود ملفات خارجية ضاغطة، مثل المفاوضات النووية والعقوبات الأميركية، وسط تراجع الآمال بإحياء الاتفاق النووي المترنح، الذي أصبح حبراً على ورق، وستنتهي مدته خلال أكتوبر/تشرين الأول 2025. فضلا عن استعدادات غربية لما بعد الاتفاق، يعكسها تمرير قرار في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في وقت سابق من الشهر الحالي وتصاعد الانتقادات لبرنامج طهران النووي، وارتفاع منسوب التوقعات باحتمال إعادة الملف النووي إلى أروقة مجلس الأمن الدولي في المستقبل القريب. أما التحدي الأبرز الذي ستواجهه إيران خلال المرحلة المقبلة، فيتمثل في احتمال عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى الرئاسة، الأمر الذي ينذر بمرحلة تصعيد جديدة مع طهران.

الأولوية للمشاركة في الانتخابات

تعطي السلطات الأولوية في الانتخابات الرئاسية الإيرانية لزيادة نسبة المشاركة في ظل عزوف مستمر عنها، زاد خلال السنوات الأخيرة لتتراجع نسبة المشاركة إلى أدنى مستوياتها خلال الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2021 (48.8%) والانتخابات البرلمانية الأخيرة في مارس الماضي (41%). تسجيل مستويات متدنية في الانتخابات الإيرانية بعد أربعة عقود من انتصار الثورة الإسلامية (1978-1979) بات يقلق السلطات، لدلالات ذلك باتجاه تراجع رصيدها الاجتماعي. فأصبح رفع المشاركة في الانتخابات يشكل الأولوية القصوى للجمهورية الإسلامية، ليطلق المرشد الأعلى علي خامنئي دعوات للشعب الإيراني إلى المشاركة في الانتخابات، معلناً أنها تكتسب الأهمية الأولى، ثم التصويت لـ"المرشح الأصح" المؤمن قلباً وقالباً بمبادئ الثورة الإسلامية. وأكد خامنئي، الثلاثاء الماضي، أن الانتخابات هي من "الأدوات التي تمكّن الجمهورية الإسلامية من الانتصار على العدو"، واصفاً اليوم الجمعة بأنه "يوم اختبار عظيم"، مضيفاً أن نسبة المشاركة المنخفضة تجعل "لسان العدو سليطاً"، وداعياً إلى "لجم ألسنة الأعداء" بتكثيف المشاركة.

وتشير نتائج أحدث استطلاع للرأي، أجرته مؤسسة "ملت" التابعة لمركز البحوث البرلماني الإيراني، ونُشرت الأربعاء الماضي، إلى أن نسبة من قرر المشاركة القطعية في الانتخابات تبلغ 45.7%، فيما نسبة المترددين تصل إلى 31.6% و22.6% أكدوا عدم مشاركتهم في الانتخابات. وقال الشاب الثلاثيني الإيراني أمير علي، من جنوب طهران، لـ"العربي الجديد"، إنه سيشارك في الانتخابات باعتبارها "واجباً وطنياً وديناًي"، تلبية لدعوة المرشد الإيراني، قائلاً إن "المشاركة سيكون لها تأثير إيجابي في تحسين إدارة البلاد، لكن المقاطعة تعني عدم الاكتراث بحل مشاكلها".

لكن الأربعينية ندا، التي التقتها "العربي الجديد" وسط العاصمة، قالت إنها لم تكن ترغب بالمشاركة، لكنها غيرت رأيها وستصوت لبزشكيان على أمل منع المزيد من تدهور أوضاع البلاد، مشيرة إلى أنه "ليس مرشحاً مثالياً، لكنه أفضل من غيره". العشريني علي رضا في غرب طهران قال لـ"العربي الجديد" إنه سيقاطع الانتخابات، معتبراً أن رئيس الجمهورية أياً كان "غير قادر على إحداث تحول" في البلاد لـ"لإنهاء أزماتها ومشكلاتها". أما المواطن سعيد ملايي فبقي متردداً ولم يقرر المشاركة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية من عدمها، قائلاً، لـ"العربي الجديد" إنه في حال قرر المشاركة فسيصوت لبزشكيان.

رهانات المعسكرين

يشارك الإصلاحيون في الانتخابات الرئاسية الإيرانية بمرشح واحد، وهو يشكل نقطة قوة لهم في مواجهة المحافظين الذين يمثلهم مرشحان إثنان، إن استثنينا المرشح المحافظ المعتدل مصطفى بور محمدي غير الملتزم في حملته الانتخابية بالأطر المحافظة، وهو ما يشكل نقطة ضعف لهم، لكون تعدد المرشحين يتسبب بانقسام أصوات جماهيرهم. وبذلت أقطاب محافظة جهوداً حثيثة لإقناع المرشحَين البارزين محمد باقر قاليباف وسعيد جليلي، وخصوصاً الأخير، بالانسحاب لصالح الآخر للقضاء على الفرصة التي يمنحها انقسامهم للمرشح الإصلاحي.

وقال الخبير الإيراني أحمد زيد أبادي، لـ"العربي الجديد"، إن حسابات المحافظين بشأن هذه الانتخابات "أثبتت خطأها"، مشيراً إلى أن مجلس صيانة الدستور، من خلال تقديم هذه التركيبة من المرشحين، وضع المعسكر المحافظ أمام "واقع صعب". وأضاف أن تصريحات المرشحين المحافظين أمير قاضي زادة هاشمي وعلي رضا زاكاني خلال المناظرات أيضاً تسببت في إبعاد شريحة كبيرة من المجتمع عن التيار، فضلاً عن دور تصريحات بور محمدي ضد جليلي وقاليباف. وأضاف زيد أبادي أن ارتفاع حظوظ الإصلاحيين للظفر بالرئاسة لا يعني أنه جاء نتيجة "تخطيط صحيح وحسابات دقيقة"، لافتاً إلى أن الأمر يعود بالدرجة الأولى إلى ما فعله مجلس صيانة الدستور "من غير إرادته" لصالحهم من خلال تقديم هذه التركيبة من المرشحين. ورأى أن "الفوز الاعتباطي عادة يكون هشاً" ويحمل في طياته تحديات وتهديدات ومشاكل، داعياً إلى أخذ الحيطة والحذر.

ولم ينجح الإصلاحيون في تسجيل اختراق كبير في إقناع شرائح واسعة من مقاطعي الانتخابات الرئاسية الإيرانية بتغيير رأيهم والمشاركة فيها، وفق ما أظهرته نتائج استطلاعات الرأي، التي تقدر نسبة مشاركة بـ51%، أي اثنين في المائة أكثر من السابق. ويتصدر بزشكيان نتائج استطلاعات الرأي في إيران، التي كان آخرها استطلاع لمؤسسة "إيسبا" الحكومية، أجرته الأربعاء الماضي، قبل يومين من حلول موعد الانتخابات، وأظهرت نتائجه أن حظوظ المرشح الإصلاحي قد ارتفعت من 24.4% الأحد الماضي إلى 33.1%، كما ارتفعت أصوات جليلي من 24% إلى 28.8% وأصوات قاليباف من 14.7% إلى 19.1%.

المساهمون