استمع إلى الملخص
- أستاذ القانون الدستوري يشير إلى غموض مقصود لإضعاف حظوظ المنافسين، معتبرًا ذلك خرقًا للمساواة بين المرشحين والمعايير الدولية، مما يعزز الشكوك حول إمكانية إقصاء المنافسين بطرق غير مباشرة.
- شخصيات معارضة وقيادات حزبية تنتقد الإجراءات الحالية والمناخ السياسي المحيط بالانتخابات، معبرة عن مخاوف من عدم نزاهة الانتخابات وإمكانية إبعاد المنافسين، مما يثير الشكوك حول مستقبل الديمقراطية في تونس.
تصاعد قلق الشارع الحزبي والسياسي في تونس من بوادر تضييق السلطة على المرشحين المحتملين إلى الانتخابات الرئاسية التونسية المرتقبة، وسط غموض يلف موعد وشروط الترشح للانتخابات. واعتبر نشطاء سياسيون وخبراء قانون أن الخطاب الرسمي غير مطمئن ويزيد غموض الاستحقاق الانتخابي، على الرغم من تأكيد الرئيس التونسي قيس سعيّد في أكثر من مناسبة احترام المواعيد الانتخابية والدستور. وأكد سعيّد الأسبوع الماضي عند استقباله رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر، أنه تم احترام كلّ المواعيد السابقة، مشدداً على "الواجب المحمول على الهيئة المستقلة للانتخابات في فرض الاحترام الكامل لكل الأحكام المتصلة بالعملية الانتخابية التي وردت في نصّ الدستور، خصوصاً في الفصل 89 منه، وفي القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء وترتيب الجزاء القانوني على كلّ خرق من أي جهة كانت"، وفق بلاغ للرئاسة.
مبروك الحريزي: كل ما يحصل يؤشر إلى أن الانتخابات الرئاسية ستكون غير نزيهة
وينص الفصل 89 من الدستور على أن الترشح لمنصب رئيس الجمهورية حق لكل تونسي غير حامل لجنسية أخرى، مولود لأب ولأم وجدّ لأب ولأم تونسييّن، وكلهم تونسيون دون انقطاع. كما يجب أن يكون المرشح إلى الانتخابات الرئاسية التونسية يوم تقديم ترشحه بالغاً من العمر أربعين سنة على الأقل، ومتمتعاً بجميع حقوقه المدنية والسياسية، ويتم تقديم الترشح للهيئة العليا المستقلة للانتخابات حسب الطريقة والشروط المنصوص عليها بالقانون الانتخابي.
غموض مقصود لإضعاف المنافسين
ورأى أستاذ القانون الدستوري مبروك الحريزي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هناك غموضاً مقصوداً من السلطة لإضعاف حظوظ المنافسين في الانتخابات الرئاسية التونسية المحتملة"، مبيناً أن "عدم الإعلان عن موعد الانتخابات والروزنامة والشروط من قِبل الهيئة العليا للانتخابات إلى حدود هذا التاريخ، يُخل بالمساواة بين جميع المرشحين ومخالف للمعايير الانتخابية الدولية". وأشار الحريزي إلى أن "لا إشكال في الشروط الواردة في الدستور والقانون الانتخابي مبدئياً، فهي واضحة. وكان من المفترض تعديل القانون الانتخابي ليتلاءم مع الدستور قبل ثمانية أشهر من الانتخابات الرئاسية التونسية حتى تكون معلنة بشفافية. ولكن تُرك الأمر للهيئة إلى الآن لإصدار قرار ترتيبي، ومع ضيق الوقت لا يسمح بالطعن فيها، وكأن القرار سيكون محصناً بطريقة غير مباشرة".
وشرح أن "الحديث عن الفصل 89 وشرط التمتع بالحقوق المدنية والسياسية معمول به، وهو يتطلب وجود حكم قضائي تكميلي واضح من القاضي للمنع من الترشح والمشاركة في الانتخابات، ولكن تصريح المتحدث باسم هيئة الانتخابات حول شرط تقديم بطاقة عدد ثلاثة الخاصة بالسوابق كوثيقة مطلوبة ضمن الملف، وهو ما لم يُعمل به من قبل، يعد شرطاً غير وارد في القانون والدستور". وتابع: "يبدو أن الهيئة عرضت القرار على الرئيس، ولكن يتم بحث صيغة أكثر تعقيداً. فبعدما صرحت الهيئة بأنه تم تجهيز القرار ونموذج التزكيات، معلنة عن ندوة صحافية لإعلان الشروط والقرارات، تم التراجع عنها، ما يجعل من الواضح أن الرئيس يتحكّم في مسار الانتخابات".
الانتخابات الرئاسية التونسية غير نزيهة
وأشار أستاذ القانون إلى أن "كل ما يحصل يؤشر إلى أن الانتخابات الرئاسية التونسية ستكون غير نزيهة، وحتى النتائج ستُضعف شرعية من يفوز". وشدد الحريزي على أن "إقصاء المنافسين لن يحصل بموجب الدستور والقانون، بل بالممارسة، فيمكن أن يحدث تأخير في منح المرشح بطاقة السوابق بسبب وجود حكم غيابي أو تتبع، أو عدم تسليم وثيقة بطاقة عدد ثلاثة تماماً".
من جهته، لفت القيادي في حزب النهضة، رئيس الهيئة الانتخابية في البرلمان السابق بدر الدين عبد الكافي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن "إبعاد المنافسين أو إقصاء المرشحين المحتملين يُفهم من الغموض في الموعد والشروط". ولفت إلى أن "قلق المرشحين والمتابعين من الإقصاء والتضييق والتشديد مرده أن كل المرشحين المحتملين محل تتبعات قضائية في مسائل تتعلق بتصريحات سابقة، إضافة إلى أن عدداً منهم يقبعون في سجون الانقلاب، ما يجعلهم يذهبون إلى أن هذه الانتخابات لا معنى لها". وأضاف "كل المتابعين السياسيين غير مطمئنين لانتخابات ممكنة في مناخ سياسي مماثل، في ظل قضاء أصبح خاضعاً للتعليمات وإعلام مكبَّل وملاحق قضائياً، وفي ظل ملاحقة المدونين والشعور العام بالخوف على الحريات".
وأفاد عبد الكافي بأن "إشارة الرئيس إلى الفصل 89 بدون تحديد وتفسير، والملاحقات التي شملت جل المرشحين المحتملين، والحديث عن عدم تسليم وثيقة عدد ثلاثة الخاصة بالسوابق العدلية، وكل الأمور في ظل السلطة الحاكمة، هي مؤشرات تجعل كل حديث عن انتخابات رئاسية نزيهة وشفافة مشكوكاً فيه".
نبيل حجي: يتواصل الحديث عن موعد انتخابات الرئاسة بطريقة التنجيم
وأعلنت شخصيات معارضة لسعيّد نيتها الترشح في الانتخابات الرئاسية التونسية، من بينها زعيما حزبين مسجونان بتهم التآمر على أمن الدولة، وهما الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، بينما يتم التحقيق مع غالبية المرشحين إلى الانتخابات الرئاسية التونسية في قضايا مختلفة، على غرار الأمين العام للاتحاد الشعبي لطفي المرايحي بتهم الإساءة إلى سعيّد، والإعلامي نزار الشعري.
موعد انتخابات بالتنجيم
وانتقد الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي نبيل حجي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، "تواصل الحديث عن موعد انتخابات بحجم الرئاسية بالتنجيم". واستغرب "تدخّل الرئيس، باعتباره رئيس السلطة التنفيذية، في الانتخابات الرئاسية التونسية في ظل وجود هيئة عليا مستقلة للانتخابات، وسعيّد هو أحد المعنيين بها. هنا يجب على الهيئة أن تكون مستقلة عنه، فمن غير المعقول أن تتلقى الهيئة المستقلة تعليمات من أحد المرشحين".
ولفت إلى أن "سعيّد دعا رئيس الهيئة بعد إعلانها لإعداد القرار الترتيبي للترشحات ونموذج التزكيات، ومنذ ذلك اللقاء قُبر نموذج التزكيات، ما يوحي بوجود علاقة بين الأمرين. ويبدو أن الرئيس غير موافق على مسار الهيئة، والهيئة غير قادرة على إصدار أي موعد أو روزنامة أو قرار قبل أن يقرر الرئيس دعوة الناخبين للانتخابات". وبيّن حجي أن "هيئة الانتخابات لا تملك صلاحية إدخال أي تعديل أو تغيير للشروط الواردة في الدستور، والتي يضبطها القانون الانتخابي، وبالتالي لا يمكن للهيئة أن تضع شروطاً جديدة، ما يجعلها في مأزق". وخلص إلى أن "المؤشرات توحي بأنه لن تكون هناك انتخابات رئاسية هذا العام".
من جهته، اعتبر الأمين العام لحزب التكتل من أجل العمل والحريات خليل الزاوية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "قلق الأحزاب والمتابعين مرده غموض موعد الانتخابات والشروط غير المعلنة للترشح، والمناخ العام لا يوحي بمناخ حريات وتنافس، ما يؤشر إلى أن المنافسة لن تكون نزيهة وشريفة". ورجح الزاوية أن "تكون هناك شروط إقصائية تعطي انطباعاً بوجود رغبة في تقليص عدد المرشحين، أو أن يكون عددهم قليلاً جداً، أو ألا يكونوا وازنين اعتبارياً". وتابع: "من الطبيعي أن تشارك المعارضة في الانتخابات الرئاسية التونسية ولكن في ظل هذه العراقيل أو إمكانية أن يجد أحد المرشحين نفسه محل تتبع في إطار حملته عبر المرسوم 54 فهذا يعكس المناخ العام".
أما عضو المكتب السياسي لحزب الإنجاز والعمل محمود الرصاع فأكد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "كان من المنتظر في لقاء رئيس الجمهورية برئيس هيئة الانتخابات في الثامن من يونيو/ حزيران الحالي أن يأتي بالجديد في ما يخص الروزنامة الانتخابية لرئاسيات 2024. إلا أن ما جاء فيه هو مواصلة التعويم والمماطلة والغموض في تحديد الموعد النهائي للانتخابات ومواصلة افتعال حالة من الإرباك على الساحة السياسية".
واعتبر الرصاع أن "تخصيص هذا اللقاء للتأكيد أساساً على التشديد في ضبط الإجراءات، ثم الإشارة إلى الفصل 89 من الدستور وقانون الانتخابات والاستفتاء، إضافة إلى بعض ما يتسرب عن أعمال الهيئة في ما يخص العمل على ضبط الأمر الترتيبي المنظم للشروط والرزنامة للانتخابات الرئاسية، كلها عوامل تؤكد النفسية والفلسفة التي ستدار بها الانتخابات الرئاسية التونسية وهي التضييق وإبعاد العدد الأكبر من المنافسين الجديين، إذ إن شروط الجنسية ليست الشرط الأهم أو الوحيد، بل هناك العديد من العقبات التي يجب على المرشح لمنصب رئيس الجمهورية تخطيها قبل قبول ملفه رسمياً".