الانتخابات الرئاسية الجزائرية: هاجسا انعدام المنافسة والعزوف

08 اغسطس 2024
من الانتخابات الرئاسية بالجزائر، 12 ديسمبر 2019 (بلال بن سالم/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **المرشحون والبيئة الانتخابية**: يستعد ثلاثة مرشحين في الجزائر للانتخابات الرئاسية في سبتمبر، وهم الرئيس عبد المجيد تبون، رئيس حركة مجتمع السلم عبد العالي حساني، والسكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش. تتباين أهدافهم وسط مخاوف من العزوف الانتخابي بسبب العطلة الصيفية والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية.

- **حظوظ تبون ودعمه السياسي**: يتمتع تبون بدعم سياسي واسع من كبرى الأحزاب ونجاحات اقتصادية، لكنه يواجه انتقادات بشأن حرية العمل السياسي والنقابي وحرية الصحافة.

- **مفاجآت ومنافسة جديدة**: مشاركة يوسف أوشيش قد تنهي المقاطعة الانتخابية في منطقة القبائل، بينما يسعى عبد العالي حساني لتحسين الكتلة الناخبة لصالح التيار الإسلامي.

يستعد ثلاثة مرشحين يمثلون تيارات سياسية متباينة في الجزائر، لإطلاق الحملة الدعائية إلى الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقررة في السابع من سبتمبر/أيلول المقبل، لتكون البلاد بعد أقل من أسبوعين على موعد مع منافسة سياسية وعرض برامج المرشحين على الناخبين، وسط تباين لافت في الأهداف والغايات لكل طرف، وفي ظل استمرار المخاوف من العزوف الانتخابي، سواء خلال حملة الانتخابات الرئاسية الجزائرية بسبب تزامنها مع عطلة الصيف وارتفاع درجات الحرارة، أو خلال التصويت بسبب المشكلات الاقتصادية والاجتماعية القائمة.

رئيس ومنافسان اثنان في الانتخابات، الرئيس عبد المجيد تبون، ورئيس حركة مجتمع السلم عبد العالي حساني، والسكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش. بين الثلاثة المرشحين للانتخابات الرئاسية الجزائرية مسافة سياسية في المرجعيات والخيارات والمواقف، ومسافة أخرى من حيث الرصيد والإمكانات السياسية، تجعل من المنافسة في الاستحقاق الانتخابي المقبل صعبة، إن لم تكن محسومة لصالح تبون من جهة. لكنها في الوقت نفسه تمثل فرصة للمرشَّحين الآخرين وحزبيهما لإعادة التمركز السياسي والشعبي، وتكريس خيارات وتوجهات سياسية جديدة بالنسبة إلى كلا الحزبين، وتعزيز الانتشار التنظيمي والهيكلي استعداداً لاستحقاقات انتخابية لاحقة لن تتأخر كثيراً، إذ لا يفصل عن موعد التشريعيات المقبلة سوى أقل من عام ونصف عام.

حزام سياسي حول تبون

ينطلق تبون، المرشح للفوز بولاية رئاسية ثانية، إلى انتخابات سبتمبر المقبل، بعدما نجح سياسياً في إعادة تشكيل حزام سياسي واسع حوله، وترويض كبرى الأحزاب السياسية التي ناصبته المنافسة في الانتخابات الرئاسية الماضية عام 2019، سواء بتقديم مرشحين أو بتأييد مرشحين من غير المرشح تبون حينها.

نجح تبون سياسياً في إعادة تشكيل حزام سياسي واسع حوله

فحركة البناء الوطني، التي نافس رئيسها عبد القادر بن قرينة على الرئاسة في تلك الانتخابات، تحوّلت إلى أكبر داعم لتبون وسياساته، والتجمع الوطني الديمقراطي الذي كان قد رشح أمينه العام حينها وزير الثقافة الأسبق عز الدين ميهوبي، كما حزب جبهة التحرير الوطني الذي أيد ميهوبي في انتخابات 2019، تحولت في موقفها لدعم تبون، إضافة إلى جبهة المستقبل التي كان رئيسها السابق عبد العزيز بلعيد قد نافس تبون على الرئاسة.

وإضافة إلى هذا الحزام السياسي، الذي انضم إليه حزام آخر من قوى المجتمع المدني لدعم ترشح تبون لولاية رئاسية ثانية، فإن الرئيس الجزائري يستند أيضاً إلى بعض النتائج التي حققها خلال ولايته الرئاسية الأولى في مجال إصلاح الاقتصاد وتشجيع الاستثمارات الداخلية، وإطلاق مشاريع اقتصادية بالغة الحيوية بالنسبة إلى الاقتصاد الجزائري، كمشروع تربية الأبقار مع الشريك القطري، ومشروع استغلال الحديد والفوسفات والزنك والرصاص في عدة مناطق، ومكافحة الفساد واسترجاع الأموال والممتلكات المنهوبة. لكن هذه النتائج لا تخفي في الوقت نفسه مآخذ جدية على سياسات الرئيس وبعض الإخفاقات في مجالات تخصّ حرية العمل السياسي والنقابي، والتضييق على الحريات وحرية الصحافة، وهي قضايا ما زالت تمثل انشغالاً أساسياً بالنسبة إلى كتلة مهمة من مجتمع الناخبين، لا تمنح تبون أهلية تحقيق الإجماع السياسي.

في مقابل تبون يبرز رئيس حركة مجتمع السلم، عبد العالي حساني، الذي لم يسبق له أن خاض استحقاقاً سياسياً في هذا المستوى، لكونه حاز رئاسة حزبه في مارس/آذار 2023 فقط، كذلك ظل صوته وصورته السياسية باهتين على المستوى الشعبي والإعلامي، لأنه كان رجل التنظيم الداخلي في الحركة، التي تشارك للمرة الثانية في الانتخابات الرئاسية الجزائرية بعد أول مشاركة قبل ثلاثة عقود في انتخابات 1995.

وأثار ترشحه في مواجهة تبون، مخاوف جدية لدى قواعد حزبه وجمهور الناخبين، من أن يؤدي بالحركة إلى نكسة انتخابية. لكن تحركاته الشعبية ولقاءاته الإعلامية في الفترة الأخيرة، بددت جزءاً من هذه المخاوف، جراء ظهوره بأداء سياسي وإعلامي مقبول، بشأن الملفات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، إضافة إلى تمسكه بالمطالب المرتبطة بالحريات والمسألة الديمقراطية، وهي نقاط أساسية تمثل نقطة فارقة بينه وبين تبون.

ويستفيد حساني من دعم قوى سياسية من التيار الإسلامي في الساحة الجزائرية، بينها حركة النهضة التي أعلنت دعمه، وجبهة العدالة والتنمية، ومجموعات أخرى من التيار نفسه تنحاز في الغالب في مثل هذه الاستحقاقات السياسية والانتخابية إلى المرشح الإسلامي، بغضّ النظر عن هويته. ويستفيد أيضاً من هيكلة حزبه السياسي وانتشاره، ما يساعد على تعبئة ممكنة للناخبين لصالحه، لكنها تعبئة تبقى في حدود المنافسة على المرتبة الثانية بعد تبون، ولتحسين الكتلة الناخبة لصالح حركة مجتمع السلم وضمان حضور وافر للتيار الإسلامي، وتجاوز نسبة 17 في المائة من الأصوات التي فاز بها المرشح الإسلامي عبد القادر بن قرينة في انتخابات 2019، أكثر منها تعبئة تستهدف تشكيل إحراج لتبون انتخابياً، وسيكون من الصعب عليها تحقيق نسبة أصوات أكثر.

مفاجآت في الانتخابات الرئاسية الجزائرية

أكثر المفاجآت السياسية في الانتخابات الرئاسية الجزائرية 2024، كانت مشاركة جبهة القوى الاشتراكية، أقدم أحزاب المعارضة وأكثرها راديكالية إزاء السلطة وسياساتها في العقود الستة الماضية. ويجمع المراقبون على أن هذه المشاركة، الثانية للحزب بعد مشاركة ضعيفة في انتخابات 1999، تمثل نتاج مراجعات سياسية مهمة قامت بها قيادة الحزب بعد انكماش سياسي وتنظيمي لافت وتضرر بالغ من سياسة المقاطعة والكرسي الشاغر.

عبد الله هادف: السلطة تراهن على تحسين نسبة التصويت وتعزيز شرعية الرئيس

وقدم الحزب سكرتيره الشاب يوسف أوشيش، وهو من الجيل السياسي التقدمي الجديد، للمنافسة في الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقبلة. ويراهن أوشيش على خطاب حداثي وتقدمي، وتركيز شديد ومركزي على مسائل الحريات والقضايا ذات الصلة بالمطلب الديمقراطي وحرية الصحافة. ويعتبر أن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية نتيجة لغياب الممارسة الديمقراطية الحقيقية وغياب حرية الصحافة والمؤسسات الوسيطة والسلطات المضادة.

توقعات بانتهاء مقاطعة الأمازيغ

ولاعتبارات تاريخية يتمركز الحزب بشكل كبير في منطقة القبائل، ذات الغالبية من السكان الأمازيغ، وهي منطقة يرجح أن يسهم ترشح أوشيش في إنهاء المقاطعة للانتخابات الرئاسية الجزائرية في المنطقة (سجلت نسبة تصويت بأقل من واحد في المائة عام 2019). لكنه يضع نصب عينيه خلال الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقبلة، غايات كسر هذا التمركز النمطي وتوسيع الانتشار إلى مناطق البلاد، خصوصاً إلى المناطق التي تتوافر على نخب ونشطاء سياسيين لديهم اهتمام بالمسألة الديمقراطية، كمنطقة ورقلة جنوبي البلاد، حيث تنظم ناشطون قبل فترة قصيرة في إطار هذا الحزب، استعداداً لدعم أوشيش. لكن اللافت في هذا السياق أن مجموع القوى السياسية من التيار التقدمي والديمقراطي، كحزب العمال و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" و"الاتحاد من أجل التغيير والرقي"، ترفض دعمه في الانتخابات الرئاسية الجزائرية بسبب حساسيات وخلافات سياسية سابقة.

لكن المحلل السياسي عبد الله هادف يعتقد أنه بين كل هذه الرهانات السياسية المتباينة لكل مرشح، تبرز رهانات أخرى بالنسبة إلى السلطة. وقال، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الانتخابات المقبلة ستكون ذات منافسة محدودة بحكم طبيعة المرشحين، ووجود مرشح السلطة، الرئيس تبون، لكن إذا تجاوزنا هذه المسألة، سنجد أن هناك رهاناً أساسياً بالنسبة إلى السلطة السياسية، يخصّ تحسين نسبة التصويت وتعزيز شرعية رئيس الجمهورية، مقارنة بنسبة التصويت المتدنية جداً في انتخابات عام 2019 (39 في المائة)، باستغلال ظروف محلية وبعض النجاحات المحدودة لتبون، وظروف إقليمية أيضاً لتحفيز الناخبين على التصويت". وأضاف: "في السياق نفسه، فإن رفع نسبة التصويت في منطقة القبائل يُعَدّ أيضاً أحد الرهانات المركزية في الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقبلة، لإخراج المنطقة من العزلة الانتخابية التي كانت توظفها حركات انفصالية لصالح طموحاتها".

المساهمون