على الرغم من تشكيل حكومة مصطفى الكاظمي لجنة أمنية عليا تتولى التحضير للانتخابات البرلمانية المقررة في 10 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وإعداد الخطط الأمنية اللازمة لمراكز الاقتراع والمرشحين والناخبين على حد سواء، إلا أن عدد المرشحين المنسحبين من هذا السباق قبل أقل من 100 يوم على إجرائه، يقترب من 120 مرشحاً. وأغلب هؤلاء من قوى وتيارات مدنية، سواء من الحركات والكيانات التي تشكّلت عقب الاحتجاجات التي شهدتها البلاد، مطلع أكتوبر 2019، أو تلك التي كانت موجودة قبلها، وفق ما تكشف مصادر قريبة من المفوضية العليا للانتخابات في العراق، لـ"العربي الجديد". وتشير المصادر إلى أن الانسحابات تأتي لأسباب متعلقة بشكل رئيسي بتهديدات مباشرة لحياة المرشحين، أو ضغوط تعرضوا إليها للانسحاب من دوائر انتخابية، مكتظة أصلاً بمرشحين من أحزاب دينية وفصائل مسلحة، خصوصاً في ديالى وصلاح الدين وبابل ونينوى والعاصمة بغداد.
الأحزاب التقليدية لا تريد أن يكون لديها منافس في المناطق التي ضعفت فيها
وترى المصادر أن الانسحاب يمثّل أول إخفاق في مجال الأمن الانتخابي، وأحد صور تدخّل الجماعات المسلحة أو دور النفوذ السياسي والمناصب الحكومية السلبي فيها. وتكشف أنه من المتوقع أن تعلن المفوضية في غضون الأيام القليلة المقبلة الأسماء النهائية للمرشحين، وسيتم منح كل مرشح منهم رقماً انتخابياً بعد استبعاد أسماء المنسحبين من السباق والمصادقة على قوائم أسماء من جرى استبعادهم لأسباب قانونية.
في السياق، يكشف مرشحون منسحبون لـ"العربي الجديد" تلقيهم تهديدات دفعتهم إلى إعلان انسحابهم، ويشيرون إلى رصد يافطات لأحدهم في الحي الذي يقطنه يعلن انسحابه تأكيداً للخطوة، في حين انسحب عدد من المرشحين بسبب ضغوط عشائرية أو اجتماعية لسحب ترشيحهم لمصلحة آخرين.
وكانت قوى وحركات سياسية مدنية عدة قد أعلنت الشهر الماضي، عن الانسحاب أو تعليق مشاركتها في الانتخابات، رداً على استمرار استهداف الناشطين وإخفاق الحكومة في الكشف عن هوية الجهات المتورطة أو وقف عمليات الاستهداف. وأبرز هذه القوى حركة "البيت الوطني" والحزب الشيوعي العراقي، و"اتحاد العمل والحقوق"، و"نازل آخذ حقي"، و"الجبهة المدنية العراقية"، و"الحزب العراقي الليبرالي" و"تنسيقية بغداد"، وقبلها انسحب "تيار المرحلة" المقرب من مصطفى الكاظمي، من سباق الانتخابات، معلناً عبر القيادي فيه عبد الرحمن الجبوري أن "هدم أصنام بغداد يحتاج استراتيجية وصبر فتح مكة".
وحول هذه التطورات، يشير المرشح السابق عن كيان "إشراقة كانون"، علي حسن، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المضايقات التي يتعرض لها المرشحون المدنيون كثيرة، ومنها ما يتعدى حدود المضايقة لتصل إلى التهديد بالتصفية الجسدية، ذلك أن الأحزاب التقليدية لا تريد أن يكون لديها منافس في المناطق التي ضعف نفوذها فيها، وتحديداً في محافظات الجنوب العراقي، التي شهدت تظاهرات ساخنة". ويوضح أن "هناك بعض المرشحين انسحبوا بسبب الضعف المادي، ولا يملك غالبيتهم نفقات تغطية الحملة الانتخابية أو توفير الأمور اللوجستية للقاء الأهالي والوجهاء. وهو سبب مهم يدفع كثيراً من المرشحين المستقلين الذين يرفضون تلقي المال السياسي من المسؤولين، إلى الانسحاب ليضمنوا بذلك بقاء سمعتهم نظيفة أمام العراقيين".
مرشح آخر من محافظة ديالى سحب ترشحه من الانتخابات الأسبوع الماضي، يؤكد في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، تعرّضه إلى تهديد بشكل مباشر. ويقول إنه تلقى عبر حسابه في "فيسبوك" سلسلة من الصور لمنزله وابنه البالغ من العمر سبع سنوات، وصوراً لأشخاص من أسرته، و"بعد تفكير عميق بالقرار انسحبت لأن التهديد واضح وصريح". بدوره، يتحدث أستاذ جامعي، كان مرشحاً عن دائرة نينوى الانتخابية السادسة شمالي العراق، عن سبب انسحابه بأنه "تجنب لمشاكل أكبر". ويضيف في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الدائرة التي ترشح فيها بعد تشجيع من مقربين "تعج بمرشحي الفصائل والأحزاب"، معتبراً أن ترشحه جعله نداً لهم من دون أن يدرك ذلك. ويشير إلى تعرّضه وعائلته، ومن بينهم شقيقه، لمضايقات عدة. ويقول: "كانت فكرة التنافس مع مرشحّي من يحكم المدينة بالسلاح خطوة غبية. الحكومة لم تتمكن من حماية مقرها في المنطقة الخضراء فكيف ستحميني؟".
وعن هذه الأحداث يعتبر الناشط ليث الحيالي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "البيئة الانتخابية غير آمنة بالنسبة للمرشحين والناخبين على حد سواء". ويضيف أن "في العراق اليوم ثلاثة أنواع من القواعد الناخبة. النوع الأول يتمثل بالجمهور الحزبي الذي سيتوجه في يوم الانتخابات إلى انتخاب السياسيين الفاسدين المعروفين وهو قليل جداً مقارنة بعدد الناخبين. النوع الثاني هو الجمهور الذي يؤمن بمقاطعة الانتخابات. أما النوع الثالث فيمثل غالبية المجتمع العراقي، ويتجه اليوم لاختيار مرشحين من المدنيين المعروفين على مستوى الأوساط الاحتجاجية أو في مجالات ونشاطات المجتمع المدني وحقوق الإنسان. بالتالي إن الأحزاب التقليدية والفصائل المسلحة تعرف أن الغالبية من الشعب العراقي سيتوجهون إلى انتخاب شخصيات جديدة، الأمر الذي دفعها إلى تهديد المرشحين وإبعادهم عن المشهد السياسي". ويرى أن "الأحزاب والفصائل المسلحة والمليشيات تخشى من وصول العلمانيين إلى البرلمان، وتكوين كتلة قد تكون عنصر إزعاج أو إصلاح في الوضع العراقي، ولأن المليشيات لا تؤمن بالحوار لجأت إلى التهديدات والإقصاء".
مرشح منسحب: كانت فكرة التنافس مع مرشحّي من يحكم بالسلاح خطوة غبية
أما رئيسة "الجبهة المدنية العراقية"، النائبة السابقة شروق العبايجي، فتعتبر أن "انسحاب المرشحين من الوطنيين والعلمانيين"، هو "نتيجة طبيعية لانفلات السلاح في العراق، واستيلاء العصابات المسلحة المدعومة من بعض الأحزاب والكيانات التقليدية. بالتالي لا يمكن إجراء الانتخابات في ظل هذه الظروف، إذ يُهدَد المرشح والناخب في الوقت ذاته من أجل حرف النتائج والاستيلاء مرة جديدة على السلطات". وتشير في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "بعض المليشيات التي تهدد المرشحين، تتكل على فتاوى لرجال دين غير معروفين، وتهدد وتقوم بمحاولات اغتيال. في المقابل توجهت بعض الأحزاب إلى إغراء بعض المرشحين من خلال وعدهم بمناصب إدارية، كما حصل مع أحد المرشحين في بغداد".
من جهته، يحمّل الباحث أحمد الشريفي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، حكومة الكاظمي "مسؤولية الخروقات والتجاوزات والتهديدات التي تصل إلى المرشحين الجدد للانتخابات المقبلة، كونها الراعية لجميع العراقيين وحماية أمنهم". ويرى أنه "في الحالة العراقية الحالية، الأحزاب والفصائل المسلحة هي التي تصنع الدولة ومفوضية الانتخابات والحكومة وتؤثر في القرارات الأمنية أيضاً. بالتالي فإن أي إجراءات حكومية، ضد هذه الجهات التي تستخدم سلاح الدولة في غير مكانه الصحيح، قد لا تنفع في مواجهة موجة تهديدات المرشحين". ويلفت إلى أن "هذه الفصائل المسلحة في الوقت الذي تهدد فيه المدنيين والعلمانيين من المرشحين، تريد مشاركة رمزية أو تمثيلية لهم في الانتخابات، من أجل إقامة الحجة على المتظاهرين، بأن البارزين منهم شاركوا في الانتخابات وفشلوا".