في ظل تحديات داخلية وخارجية كبيرة، وفي وقت يعيش فيه حزب العدالة والتنمية، قائد الائتلاف الحكومي الحالي في المغرب، مرحلة حساسة في تاريخه السياسي، تتجه الأنظار إلى نتائج الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية المتزامنة في 8 سبتمبر/أيلول الحالي، باعتبارها محطة مصيرية ستحدد مستقبل الإسلاميين في المشهد السياسي لما بعد العام 2021. وفي وقت تتضارب فيه التوقعات بشأن هوية الحزب الذي سيتصدر الانتخابات المغربية، يبدو "العدالة والتنمية"، الذي تعود على الريادة والصدارة منذ 10 سنوات، أمام تحديات عدة، وهو يبحث عن أوراق جديدة للحفاظ على موقعه في المشهد السياسي، من بوابة تصدر نتائج الاقتراع، وقيادة الحكومة لولاية ثالثة على التوالي.
صحيح أن المشهد السياسي لما بعد محطة 8 سبتمبر الحالي لن يكون مختلفاً بشكل كبير عن السابق، إلا في تغيير ترتيب بعض الأحزاب، في ظل انحسار المنافسة بين أربعة أحزاب، هي "العدالة والتنمية" الذي يراهن على قيادة الحكومة مجدداً، و"التجمع الوطني للأحرار" (ثاني أكبر حزب في الائتلاف الحكومي) الذي يضع في أولوياته إزاحة الإسلاميين، و"الأصالة والمعاصرة" (أكبر حزب معارض في البلاد) و"الاستقلال" (أعرق الأحزاب المغربية). غير أن ما اجتمع على الحزب الإسلامي، منذ الانتخابات التشريعية في 2016، من تحديات تنظيمية وسياسية داخلية، جراء ما عاشه من هزّات، يطرح أكثر من علامة استفهام حول قدرة حزب سعد الدين العثماني على تحقيق سابقة في المشهد السياسي، بقيادة الحكومة للمرة الثالثة على التوالي.
تعمقت مشاكل "العدالة والتنمية" منذ إبعاد بنكيران عن رئاسة الحكومة في 2017
منذ إبعاد الأمين العام السابق للحزب عبد الإله بنكيران عن رئاسة الحكومة في 25 مارس/آذار 2017، وتشكيل حكومة العثماني، والحزب يواجه مشاكل داخلية، تعمقت أكثر مع مرور الوقت، في ظلّ تباعد الآراء والمواقف، وغياب المبادرات لاحتواء الوضع. وعلى الرغم من إطلاق القيادة الحالية حواراً داخلياً لرأب الصدع الذي أحدثه ما بات يعرف في المغرب بـ"البلوكاج" (الانسداد) الذي أطاح بنكيران، ومحاولاتها المستمرة للتغطية على الأزمة، إلا أنها لم تفلح في مسعاها حتى الآن. كما شكل اتفاق استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل، في 10 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، مناسبة أخرى لتعميق أزمة الحزب الداخلية، جراء تباين مواقف هيئاته التنظيمية التي لم تستفق بعد من صدمة خطوة التطبيع.
كما أثارت مصادقة حكومة العثماني، أخيراً، على قانون الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي في الطب والصناعة زوبعة داخل "العدالة والتنمية" وصلت إلى حد تهديد بنكيران بالاستقالة من الحزب. وبالتوازي مع ما عاشه من أزمة داخلية، اجتمعت على "العدالة والتنمية" ما يسميها البعض عوامل "استهداف خارجية"، تكمن في حملة سياسية وإعلامية منظمة، تشنها نخب مغربية تنتقد هيمنته على المشهد السياسي ورفضه الانفتاح، وتغليبه مصلحة الحزب على مصلحة الوطن. ويضع الحزب هذه الحملة في سياق مسعى لإفشال مسيرة "العدالة والتنمية" الذي احتل المرتبة الأولى مرتين متتاليتين في الانتخابات التشريعية لعامي 2011 و2016.
وفي الوقت الذي يسجل فيه العديد من المتابعين فقدان "العدالة والتنمية" لوهجه الانتخابي، جراء تأثره بالتدبير السياسي للشأن الحكومي على امتداد السنوات العشر الماضية، فقد شكل اعتماد نظام انتخابي جديد، يتم بموجبه احتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية العامة بدل المشاركين في العملية الانتخابية، في نظر قيادة الحزب "استهدافاً لحظوظه" الانتخابية، إذ سيحرمه، في حال فوزه، من نحو 40 مقعداً، ومن تكرار سيناريو اكتساحه لصناديق الاقتراع في 2016 بحصوله آنذاك على 125 مقعداً من أصل 395.
في ظل هذه الأوضاع، يبقى احتلال "العدالة والتنمية" المرتبة الأولى في الانتخابات، وترؤسه للحكومة للمرة الثالثة على التوالي أمراً جد مستبعد، وفق الباحث في العلوم السياسية هشام عميري، في حديث لـ"العربي الجديد"، وذلك بالنظر إلى اعتبارات عدة، على رأسها الأزمات التي عاشها البيت الداخلي للحزب، خصوصاً بعد مغادرة الرجل القوي عبد الإله بنكيران للأمانة العامة، وكذا عدم ترشح مجموعة من الوجوه القيادية داخل الحزب، كأمينة ماء العينين، ناهيك عن عملية الترحال الجماعي التي شهدها الحزب في الفترة الأخيرة.
استبعد هشام عميري احتلال "العدالة والتنمية" المرتبة الأولى في الانتخابات
وبالنسبة لرئيس شعبة القانون العام في كلية الحقوق التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، عبد الحفيظ أدمينو، فإن هناك معطيين أساسيين لتراجع محتمل لحزب العدالة والتنمية على مستوى النتائج الانتخابية، أولهما: التراجع الملحوظ في عدد الترشيحات التي قدمها الحزب على مستوى البلديات (8681 ترشيحاً أي بنسبة 5.51 في المائة إذ إن هناك نحو 157 ألف مرشح) والمشاكل التنظيمية التي عرفها تدبيره للترشيحات للانتخابات التشريعية في عدد من المدن. ورأى أنه في ظل هذا المعطى، يبقى أمراً طبيعياً ألا ترقى النتائج المرتقبة إلى ما حققه في الانتخابات البلدية في 2015، حيث حل في المرتبة الثالثة. أما المعطى الثاني، فيكمن، وفق أدمينو، في تراجع عدد من الأسماء الانتخابية التي كانت دائمة الحضور في الحقل الانتخابي للحزب، من قبيل عمدة سلا جامع المعتصم، وعدد من الوزراء الذين لم يقدموا ترشيحاتهم، فضلاً عن كون بعض الأسماء التي قدمها الحزب للمنافسة الانتخابية مثار جدل لدى الرأي العام، وعلاقاتها متوترة مع السلطات المحلية، خاصة بعض رؤساء البلديات والجهات.
ورأى أدمينو أنه في ظل المعطيين السابقين، وإقرار قيادة الحزب بأنه فقد أكثر من 140 منتخباً غادروا نحو وجهة حزبية أخرى، بما يمتلكون من قاعدة ورصيد انتخابي أثناء فترة تدبيرهم للشأن العام المحلي أو الجهوي، فإن النتائج التي سيحصدها "العدالة والتنمية" خلال اقتراع 8 سبتمبر قد تتأثر بشكل كبير، ولن تكون متوافقة مع ما تم تحصيله في الانتخابات البلدية في 2015، والتشريعية في 2016.
عبد الحفيظ أدمينو: هناك تراجع ملحوظ في عدد الترشيحات التي قدمها الحزب على مستوى البلديات
في المقابل، رأى أستاذ العلوم السياسية بالكلية المتعددة التخصصات بتازة إسماعيل حمودي أن "العدالة والتنمية" يسعى، إلى جانب أحزاب "الأصالة والمعاصرة" و"التجمع الوطني للأحرار" و"الاستقلال"، إلى تصدر نتائج الانتخابات، معتبراً أن تغطيته الشاملة للدوائر التشريعية، والخطاب السياسي للقيادة الحالية يؤكدان على الرغبة في تصدر المشهد الانتخابي للمرة الثالثة على التوالي. وأعرب حمودي عن اعتقاده أن حظوظ "العدالة والتنمية" تبقى قائمة ومتساوية مع الأحزاب الثلاثة الأخرى، رغم وجود شريحة واسعة من المحللين ترى أن زمن الإسلاميين قد انتهى. ولفت، في المقابل، إلى وجود قيادات وازنة داخل الحزب ينتظرون خسارته لعدم رغبتهم في استمراره لولاية ثالثة، بالنظر إلى عدة اعتبارات، من أبرزها أن النخب العميقة في الدولة (سياسية واقتصادية) لا ترغب في فوزه للمرة الثالثة. وأوضح، في تصريح لـ"العربي الجديد": "في مقابل جزء من القيادة، برئاسة الأمين العام تطمح للفوز، هناك قيادات لا ترغب في الولاية الثالثة للحزب، غير أن سير الحملة الانتخابية قد يفاجئ الرافضين، حيث يسجل أن الحزب لا زال يحظى بشعبية لدى قواعده الانتخابية التي لم تتضرر من الحملات التي نظمت ضده ولم تغير قناعاتها". وأضاف: "قد تكون قيادة الحزب غير راغبة في تصدر نتائج الانتخابات، لكن قد يتم توريطهم من طرف الناخبين، وفي هذه الحالة سيكون "العدالة والتنمية" والسلطة أمام مأزق احترام إرادة الناخبين".