فتحت صورة آخر جندي أميركي يغادر الأراضي الأفغانية نقاشاً واسعاً في فرنسا، شارك به الكثير من السياسيين، لكن أبرز ما قيل جاء على لسان برنارد غيتا، النائب في البرلمان الأوروبي عن حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "الجمهورية إلى الأمام"، والذي اعتبر أن الولايات المتحدة تبتعد عن العالم بعد انسحابها من أفغانستان، وأن على الأوروبيين أن يستيقظوا.
وفي مقالة نشرها في صحيفة "لوموند" اليوم الثلاثاء، قال غيتا، إن ما يحدث في العاصمة الأفغانية كابول ليس جديداً، باستثناء أن العام بدأ "يرى فجأة ما يعرفه بالفعل من دون أن يرغب في إدراكه، فكان الجميع يعلم أن أيام القوة المطلقة الأميركية قد انتهت، وأنها كانت بلا شك وهماً".
ويقول غيتا إن الابتعاد الأميركي عن العالم كان له مقدمات كثيرة، لعل أبرزها حين "غض باراك أوباما الطرف عن جرائم بشار الأسد في سورية، ثم جاء دونالد ترامب الذي لم يغير كثيراً سلوك سلفه، واليوم ها هو جو بايدن، رجل وقد لمع في الحرب الباردة، يتخلى عن أفغانستان لظلامية طالبان وداعش".
واعتبر غيتا أن مقولة "شرطي المنطقة" انتهت، فلم تعد هناك مظلة، ولا حماية مضمونة، ولا تحالفات ملموسة، فالولايات المتحدة اختارت "الابتعاد عن العالم لتنقلب على نفسها، وتستثمر بكثافة في تحديث البلد، وتوفر الدولارات والرجال الذين ستحتاجهم حتى لا تتنازل لأحد (..)، لكنها تركت أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط في حالة من عدم اليقين بشأن التوازنات وعلاقات القوة، ما يحتم إعادة التفكير بها بالكامل".
ورأى الكاتب أنه في الوقت الذي كانت تزعم الولايات المتحدة بأنها تعيد بناء أفغانستان لعشرين عاماً، كان العالم يعاني من الدوار، لذلك "بدلاً من تضييع وقتنا في الجدل حول استقبال اللاجئين الأفغان، دعونا نسأل أنفسنا نحن الأوروبيين ما إذا كنا متأكدين حقاً من رد فعل الولايات المتحدة في حال زحف فلاديمير بوتين إلى كييف أو ضم أوكرانيا".
واعتبر غيتا أن السلوك الأميركي مثير للريبة ويثير القلق في أوروبا، فهناك حوادث كثيرة تثير الأسئلة، مثل الغزو الروسي لجورجيا عام 2008، واستخدام الأسد للأسلحة الكيميائية عام 2013 ضد شعبه، والآن الانسحاب بهذه الصورة المذلة من أفغانستان.
وأضاف "بوتين يعرف جيداً ما لا نعرفه؛ الكرملين اليوم له ما يبرره في قوله إنه لن يكون هناك رد فعل أميركي سواء إذا أشرك مرتزقته في البلقان، أو تورط أكثر في منطقة البلطيق، أو في ليبيا، أو في أفريقيا جنوب الصحراء، أو صنع جبهة، غدًا، مع الجنرالات الجزائريين كما فعل مع جزار دمشق.. كل هذه الافتراضات ممكنة وماذا يمكننا أن نفعل بعد ذلك؟".
ويوضح غيتا أن الجيش الوحيد المتبقي في أوروبا لمواجهة أي أخطار عسكرية روسية هو الجيش الفرنسي، لكنه أيضاً موجود على جبهات عديدة، لذا "من الضروري تأجيج النقاش ودق ناقوس الخطر وتعبئة شركائنا الأوروبيين".
وتابع "يجب أن نقول لهم دعونا نستيقظ قبل أن نكتشف أنفسنا عراة في مواجهة الديكتاتوريات الروسية أو الصينية أو حتى التركية. دعونا نواجه حقائق هذا القرن ولا نترك أحد يقول إن الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يكون لديه دفاع".
هذه المخاوف عبر عنها أيضاً الصحافي فوستين فانسان في "لوموند" اليوم الثلاثاء، حيث قال إن الولايات المتحدة تطمح الآن إلى إقامة علاقة عملية ومستقرة مع روسيا، بعيداً عن الاضطرابات في عهد ترامب، وقرار الانسحاب من أفغانستان يمكن أن يكون تحذيراً لأوكرانيا بأن الدعم الأميركي ليس أبدياً ولا غير مشروط.
فهل تعني الكارثة الأفغانية أن الولايات المتحدة يمكنها أيضاً أن تتخلى عن أوكرانيا يوماً ما؟ هذا السؤال يطرحه الجميع اليوم، لكن لا أحد يعرف الجواب، لكن من حيث المبدأ ما فعلته واشنطن يضع موسكو في موقع القوة، ومشاهد استعراض التضامن التي جمعت وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في كييف الأسبوع الماضي في الذكرى الثلاثين لاستقلال أوكرانيا "لن تخيف بوتين كثيراً".
في المقابل، تنقل الصحيفة عن الدبلوماسي الأوكراني أولكسي ملنيك قوله إن "أفغانستان ليست أوكرانيا"، ففي هذا التوازن العالمي للقوى "يُنظر إلى أوكرانيا على أنها خط المواجهة". ويضيف "هذا البلد ذخر للولايات المتحدة ضد روسيا، ليس لديهم مصلحة في التخلي عنه".
ومنذ بداية الحرب في دونباس وضم شبه جزيرة القرم، لم تتوقف أوكرانيا عن تنبيه شركائها الغربيين: هذه ليست قضية أوكرانية بسيطة، ولكنها قضية أمن دولي. يشرح ملنيك "الرسالة تتحسن، نحن نحكم في كييف. أصبحت الجمهورية السوفييتية السابقة اليوم أقل عزلة عن روسيا مما كانت عليه في عام 2014".