أظهرت نتائج الفرز الأولية للأصوات في الانتخابات الرئاسية بالبرازيل، اليوم الأحد، تقدم الرئيس جايير بولسونارو على منافسه الرئيس السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي عادة ما يحصل حزبه على دعم أقوى في المناطق التي تكون أبطأ في إعلان النتائج.
وذكرت المحكمة الانتخابية العليا في موقعها على الإنترنت أنّ إحصاء 80.9% من الأصوات المسجلة على أجهزة الاقتراع الإلكتروني يُظهر حصول لولا دا سيلفا على 50.3% من الأصوات الصحيحة، مقابل 49.7% لصالح بولسونارو.
وأغلقت، الأحد الساعة 17:00 بالتوقيت المحلي (20:00 بتوقيت غرينتش)، مراكز الاقتراع في البرازيل، التي تحبس أنفاسها بانتظار معرفة هوية الفائز في الرئاسة بين الرئيس المنتهية ولايته جايير بولسونارو، والرئيس الأسبق اليساري لولا دا سيلفا الأوفر حظاً.
وأمر رئيس المحكمة الانتخابية العليا ألكسندر دي مورايس برفع كل حواجز التفتيش التي أقامتها شرطة المرور الاتحادية، التي "أخرت وصول الناخبين" إلى مراكز الاقتراع، ما وصفه اليسار بأنه فضيحة.
وكان مسؤولون في حزب العمال الذي يتزعمه لولا قد نشروا على وسائل التواصل الاجتماعي تسجيلات فيديو عدة تظهر حافلات تقل ناخبين متوقفة، خصوصاً في المناطق الريفية في شمال شرق البلاد، حيث معقل الرئيس الأسبق (2003-2010)، واصفين ما يجري بأنه "غير مقبول".
لكن مورايس أكد، في مؤتمر صحافي، أنه على الرغم من التأخير، "لم تعد أي حافلة أدراجها وكل الناخبين تمكّنوا من الإدلاء بأصواتهم".
وأبدى كل من المرشحين ثقته في الفوز لدى اقتراعهما، الأحد، في الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية التي دعي إليها 152 مليون ناخب، وتشهد تنافساً شديداً.
وقال الرئيس اليميني المتطرف بعد فتح المكاتب في الساعة الثامنة صباحاً (11 صباحاً بتوقيت غرينتش) في ريو دي جانيرو: "سنفوز الليلة". وأضاف بولسونارو مرتدياً قميصاً أصفر وأخضر بألوان العلم الوطني أنّ "البرازيل ستنتصر الليلة".
ثم توجه إلى مطار ريو دي جانيرو، حيث استقبل فريق نادي فلامنغو لكرة القدم الذي فاز، السبت، في الإكوادور بكأس "كوبا ليبيرتادوريس"، التي توازي كأس الأبطال في أوروبا.
ووقف بولسونارو مع اللاعبين رافعاً الكأس، ورسم بإصابعه الرقم 22 الذي على الناخبين إدخاله في صناديق الاقتراع الإلكترونية للتصويت للرئيس المنتهية ولايته، وسبق أن حاز بولسونارو على تأييد نجم كرة القدم نيمار، ما أثار جدلاً واسعاً.
ويتوجّه لاحقاً إلى العاصمة برازيليا، حيث يتوقع أن ينتظر نتائج الاقتراع في قصر الفورادا.
بدوره، صوّت أيقونة اليسار لولا، المرشح الأوفر حظاً، صباحاً، في مكتب قرب ساو باولو، مؤكداً "ثقته (...) في انتصار الديمقراطية"، وأعرب عن أمله أن هذه الانتخابات "ستعيد السلام بين البرازيليين".
والبرازيل منقسمة وسط أجواء استقطاب شديد تخللتها كميات هائلة من المعلومات المضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيما تبادل المرشحان الشتائم أمام عشرات ملايين المشاهدين.
وفي مكتب الاقتراع نفسه في برازيليا، اعتبرت كارولينا تافاريس (37 عاماً) أن "من المهم التصويت في هذه الانتخابات المميزة".
وتتوقع استطلاعات الرأي منذ أشهر فوز لولا (77 عاماً) الذي حكم سابقاً لولايتين بين 2003 و2010، إلا أنّ بولسونارو (67 عاماً) يحتفظ ببعض الأمل إثر النتيجة غير المتوقعة التي سجلها في الدورة الأولى من الانتخابات، في 2 أكتوبر/ تشرين الأول، بحصوله على 43% من الأصوات في مقابل 48% لغريمه.
وقال رئيس تحرير "أميركاز كوارترلي"، براين وينتر، إنّ "المعركة محتدمة أكثر مما كان يتوقع الجميع، ستكون انتخابات فيها الكثير من الغموض".
تراشق اتهامات
يخشى كثيرون أن يتكرر في البرازيل سيناريو الهجوم على مبنى الكابيتول، إثر هزيمة دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وقد يستهدف على سبيل المثال المحكمة العليا التي لطالما شن بولسونارو حملة كبيرة عليها.
ورأى المحللون أنّ بولسونارو يمكنه الاعتماد على "دعم ناخبيه الأكثر راديكالية (...) والتسبب باضطرابات"، لكنه استبعد احتمال مشاركة القوات المسلحة في مغامرة انقلابية، مشدداً على أنّ المؤسسات الديمقراطية متينة في البرازيل.
ودعا ترامب البرازيليين إلى إعادة انتخاب بولسونارو "الرجل الرائع"، وليس "لولو (كما سماه) المعتوه من اليسار الراديكالي".
وأمل لولا أن يتمتع بولسونارو بـ"الحكمة" ويتصل به في حال فوزه "للاعتراف بالنتيجة".
إلا أن الحملة الانتخابية كانت بعيدة كل البعد عن "الحكمة"، فقد كال بولسونارو الشتائم للولا، واصفاً إياه بأنه "كذاب" و"سجين سابق" و"مدمن كحول" و"مصدر عار وطني"، وقد رد عليه الأخير مؤكداً أن منافسه "معتد على أطفال" و"آكل لحوم بشر" و"مرتكب جرائم إبادة" و"ديكتاتور صغير".
وتبادل المرشحان الاتهامات بالكذب، وقد غذى بولسونارو، وبدرجة أقل لولا، آلة التضليل الإعلامي.
فقد نشرت وسائل التواصل الاجتماعي، وهي مصدر المعلومات الوحيد لغالبية مستخدميها البرازيليين البالغ عددهم 170 مليوناً، كمية غير مسبوقة من المعلومات الكاذبة.
وفي إطار هذه الحملة القذرة، أُهملت الهموم الفعلية للشعب البرازيلي، لا سيما التضخم والبطالة والفقر والجوع التي يعاني منها 33 مليون برازيلي.
وتعاني البرازيل من استقطاب سياسي حاد، وسط عدم وضوح تام لما ستؤول إليه نتائج الانتخابات.
ويعد دا سيلفا المرشح المفضل في صفوف النساء والفقراء والكاثوليك وفي شمال شرق البلاد الريفي، وتعهد خلال حملته الانتخابية "بحماية الديمقراطية وجعل البرازيل سعيدة مجدداً".
وعلى صعيد آخر، أعلن بولسونارو عن رغبته بالدفاع عن "الخير في مواجهة الشر"، وكان الرهان الرئيسي في الفترة الفاصلة بين الدورتين الانتخابيتين محاولة استقطاب 32 مليون شخص امتنعوا عن التصويت في الدورة الأولى (21%).
ورغم ولاية شهدت أزمات خطرة من بينها جائحة كوفيد، لا يزال يحتفظ بقاعدة أنصار متشددين، وتمكن من فرض خطه السياسي في وجه يسار لم يرفع الصوت كثيرا ويمين تقليدي شهد انهيارا كبيرا.
وفي حال انتخابه، فسيكون لولا الشخصية السياسية المركزية في السياسة البرازيلية منذ أربعة عقود، قد سجل عودة لافتة بعدما دخل السجن بين العامين 2018 و2019 إلى أن الغيت ادانته بتهمة الفساد.
في المقابل، يدعم الرجال والطبقات الميسورة ومؤيدو السلاح وأوساط الأعمال والإنجيليون بولسونارو عموماً.
وعلى الرئيس الجديد أن يتعامل مع برلمان أكثر يمينية منذ الانتخابات التشريعية في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول، إذ يشهد تمثيلاً قوياً للحزب الليبرالي بزعامة بولسونارو.
(رويترز، فرانس برس)