بحث البرلمان التونسي، في يوم برلماني مفتوح، المنظومة القانونية للانتخابات بمشاركة ممثلين عن الحكومة والهيئات الدستورية والمجتمع المدني ليطرح تزامنا مع الذكرى العاشرة للثورة أكثر الملفات السياسية جدلا.
وتغيّب ممثل رئيس الجمهورية عن المشاركة في اليوم البرلماني رغم إبلاغ الرئاسة بدعوة رسمية من رئيس البرلمان، الأمر الذي أثار تساؤلات النواب عن هذا الغياب غير المبرر رغم مشاركة جميع مؤسسات الدولة في هذا الحدث المهم.
وأكّد رئيس البرلمان راشد العنوشي، في كلمته، أن "الانتخابات الحرة النزيهة والشفافة هي وجه من أوجه الأنظمة الديمقراطية وتستخدم كمؤشر لقياس مدى تجذّر النظام الديمقراطي في ممارسته الحرة"، مشيرا إلى أن "الثورة التونسية مكنت من فتح الطريق أمام الانتخابات الحرة كترسيخ للتجربة الديمقراطية الناشئة، بما يسمح لكل القوى الوطنية والاجتماعية أن تعرض آراءها ومشاريعها أمام الشعب ليكون هو الحكم في الاختيار والتقدير".
وأشار في هذا السياق إلى الحاجة "بعد عشر سنوات من تاريخ الثورة وبعد ستّ مناسبات انتخابية كبرى، لأن نفكر معا وبروح تشاركية في موضوع الانتخابات وما يمكن أن يطرح حولها من أسئلة تمس النزاهة والشفافية وسبل إدارتها بكل حيادية وموضوعية".
وأضاف أن "الممارسة الانتخابية ليست غايةً في ذاتها بقدر ما هي تحقيق لإرادة عامة تختار من يَحكم"، مشددا في هذا السياق على ضرورة "إيجاد أغلبـيّات تتمكن من إدارة الشأن العام وفقا للآليات الديمقراطية حتى يكون الحُكم ناجعا، وهو ما يعنى أن إفراز أغلبية تحكم وأقلية تعارض هو من جوهر ومن مقتضيات الفعل الديمقراطي".
وأضاف رئيس البرلمان أن "حالة التشتت لا تُمكّن من الاستقرار في الحكم، وهو أمر لا بد من معالجته وإيجاد الحلول له في نظامنا الانتخابي".
وأكد ضرورة "ضبط ما يشوّش على الانتخابات ويؤثر في نزاهتها وشفافيتها"، مؤكّدا الحاجة إلى ضبط عمليّات سبر الآراء حتى لا تصبح مُوجّها للرأي العام، وإلى إعادة النظر في مرسوم الأحزاب والجمعيات، لتكون كل هذه الإصلاحات وغيرها بمثابة الخطوات الناجعة في ترسيخ الديمقراطية المستقرة والرشيدة، وهو ما يسمح بالمضي قدما في تحقيق الإصلاحات الكبرى وإنجاز حلم التنمية والعدالة الذي رفعه شباب الثورة".
ودعا رئيس الهيئة العليا للانتخابات نبيل بفون، في كلمته، إلى مراجعة المنظومة القانونية للانتخابات بمختلف محطاتها، مقترحا اعتماد آلية تسجيل الناخبين عن بعد، لاعتبار أن عدد الناخبين المسجلين إراديا ناهز 7 ملايين من جملة 9 ملايين ناخب محتملين.
ودعا بفون إلى وضع آليات قانونية للتثبت من خلو المرشحين للانتخابات من موانع الترشح العدلية، على غرار بطاقات الخلو من السوابق العدلية، بهدف إضفاء موضوعية ونزاهة وشفافية على العملية الانتخابية في مختلف مراحلها، مشيرا إلى توحيد جهة التقاضي بالنسبة للمشاركين في العملية الانتخابية لتلافي التداخل وضعف التنسيق.
كما اقترح بفون مزيدا من الرقابة عند عملية الترشح للانتخابات الرئاسية بإدراج وجوبية الاستظهار ببطاقة الخلو من السوابق العدلية، وهي آلية ستخفض من الترشحات الفلكلورية، على غرار الضمان المالي للمرشحين الذي قلص عددهم من 97 مرشحا إلى 27 في أكتوبر/ تشرين الأول 2019.
ونبه بفون إلى ضعف الرقابة القانونية على مواقع التواصل الاجتماعي "التي أصبحت تمثل مسرحا للحملات الانتخابية"، ودعا لوضع إطار قانوني منظم وتوضيح مسألة الإشهار السياسي والتمويل الأجنبي للصفحات والمواقع.
ولفت رئيس هيئة الانتخابات إلى أن "مسألة تغيير منظومة الاقتراع هي خيار سياسي، ووجب توضيح توجه الأحزاب والفاعلين حتى تتضح للهيئة كيفية تقديم المساعدة لتجسيد هذه الخيارات".
ولفت بفون إلى أن نظام الدوائر الانتخابية داخل تونس وخارجها يحتاج لمراجعة، باعتبار أن المعطيات التي تم اعتمادها تقوم على مؤشرات وإحصاءات 2010، "وهو ما يقتضي تحيينا ومراجعة بعد مرور 10 سنوات".
ومن جانبه، دعا الرئيس الأول لمحكمة المحاسبات نجيب القطاري، في مداخلته، البرلمان إلى ضرورة التعجيل بإدخال التعديلات الضرورية على النظام الانتخابي، لتمكين المحكمة من آجال معقولة للتقاضي والنظر في الطعون لضمان سرعة إصدار الأحكام النهائية والباتة ضد المرشحين الذين يقومون بتجاوزات في الانتخابات.
وأضاف القطاري أنه من غير المعقول أن يوجد في البرلمان الحالي أو المجالس البلدية من استعملوا أموالا غير مشروعة أو قاموا بتجاوز السقف الانتخابي بكثير وقد شرعوا في مباشرة مهامهم قبل صدور نتائج الأحكام في مخالفاتهم الانتخابية.
بدوره، دعا رئيس الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري نوري اللجمي إلى التسريع بمناقشة والمصادقة على القانون المحدث لهذه الهيئة الدستورية.
وأكد بالمناسبة أن الهيئة قدمت مقترحات للبرلمان حول تنقيح القانون الانتخابي، وخاصة منها قانون الإشهار السياسي ونظام العقوبات المفروضة على المخالفين، مشيرا إلى ضرورة تناسبها مع التجاوزات المسجلة من خلال فرض عقوبات بمقدار خطورة الإخلالات المرتكبة في الحملات الانتخابية للمرشحين للرئاسيات أو للسلطة التشريعية، مشددا على استعداد الهيئة لمساعدة البرلمان في تعديل هذا القانون قبل تنظيم الانتخابات القادمة.
وشهدت تونس، منذ قيام الثورة في 14 يناير/ كانون الثاني 2011، ستة محطات انتخابية كبرى، حيث انتظمت في 2011 أول انتخابات للمجلس الوطني التأسيسي، وهو أول برلمان بعد الثورة، وانتظمت محطتان تشريعيتان في 2014 و2019، ورئاسيتان اثنتان في السنة نفسها، فيما نظمت تونس أول انتخابات بلدية في 2018. ورغم إشادة المنتظم الدولي والهيئات الرقابية بنزاهة الانتخابات التونسية وموضوعيتها، إلا أن التشتت البرلماني بسبب نظام الاقتراع وبعض الأحكام القانونية في القانون الانتخابي، تسببت في صعوبات في التسيير دفعت الفاعلين السياسيين للتفكير في مراجعتها لتلافي الأزمات السياسية مستقبلا.