صوّت مجلس الشعب التونسي بأغلبية مريحة تجاوزت في معظمها 130 صوتاً على بعض الوزراء، لمنح الثقة للتعديل الوزاري الجزئي الذي شمل 11 حقيبة، وتجاوز رئيس الحكومة هشام المشيشي بذلك عقبة المعارضة البرلمانية بعد جلسة عامة مطولة غلب عليها التوتر والتشنج، ليجد نفسه من جديد أمام اختبار أداء اليمين أمام الرئيس التونسي الرافض لعدد من الوزراء.
وحصل وزير العدل يوسف الزواغي على 140 صوتاً، ووزير الداخلية وليد الذهيبي على 138 صوتاً، فيما حصد الوزراء الذين أثاروا جدلاً كبيراً، بسبب ما وصفه رئيس الجمهورية بشبهات الفساد، على أغلبية مريحة، حيث حصد وزير الطاقة والمناجم سفيان بن تونس المحسوب على حزب قلب تونس 131 صوتاً، ووزير الصحة الهادي خيري 137 صوتاً، ووزير التكوين المهني والتشغيل والاقتصاد التضامني يوسف فنيرة 118 صوتاً.
وقال المشيشي في رده على انتقادات النواب وتساؤلاتهم: إن الوضع الاجتماعي والاقتصادي يقتضي ردوداً واقعية لا شعارات فضفاضة، مشيراً إلى أننا لا نختلف في تشخيص المشكلات ولكن نختلف في الحلول.
وأضاف المشيشي: نحن "لا نخلط بين الاحتجاجات الشرعية وأعمال الشغب، ونحن حريصون على حماية الأرواح والمؤسسات العامة والخاصة من أعمال التخريب"، مشيراً إلى أنه سيتم الإصغاء لمطالب الشباب المحتج.
وتعهد المشيشي باتخاذ الإجراءات مع من أثبت القضاء تورطه من الوزراء قائلاً: "أتعهد أنني لن أتردد في اتخاذ الإجراءات ضد من يثبت عليه يقيناً شبهة الفساد، أصبح التشهير بالأشخاص يُلقى دون حجج أو براهين، ويجب أن نعقلن الخطاب السياسي ونوقف الشعبوية التي طالت دون تحقيق مطالب الشباب المحتج خارج أسوار المجلس، الذين تم خداعهم بالشعبوية والخطابات الوهمية والوعود غير الواقعية".
وأكد أن المتظاهرين خارج المجلس لا يحتجون ضد حكومته لأن عمرها 4 أشهر فقط، بل ضد سنوات من الفشل، والذين خدعوهم بالوعود الوهمية، معلقاً: "يكفي من هذا الفشل".
وتراوحت مداخلات البرلمانيين بين مساندين للمشيشي والتعديل الوزاري، وبين الفريق المعارض الذي وجّه وابلاً من الانتقادات، تمحورت حول شبهات الفساد والقضايا التي تلاحق أربعة وزراء، وغياب الرؤية والمشروع، فيما انسحبت كتلة الدستوري الحر منذ الجلسة الصباحية بعد دعوتها لسحب الثقة من رئيس الحكومة.
وأكد رئيس كتلة النهضة 54 نائباً (مساندة) عماد الخميري أن الفكر الشعبوي والفوضوي يهدد تحقيق الأولويات الوطنية، في وقت لم تعد أوضاع البلاد تحتمل المزيد من الصراع.
وأضاف أن البلاد تحتاج إلى التهدئة إذ يكفي ما تعيشه من أزمة صحية واجتماعية، ومن الضروري تغليب المصلحة الوطنية وتجنب الصراعات بين مؤسسات الدولة.
وتابع الخميري أن هذا التعديل الوزاري يأتي في إطار سد الشغور الموجود، والبحث عن الانسجام في الفريق الحكومي.
وبين الخميري أن الحماية الأمنية مسألة عادية في نظام سياسي ديمقراطي، في ظل ترذيل المؤسسة البرلمانية، مشيراً إلى أنه لا اختلاف في تشخيص الوضع إنما في حل المشكلات.
تراوحت مداخلات البرلمانيين بين مساندين للتعديل الوزاري، وبين الفريق المعارض الذي وجّه وابلاً من الانتقادات حول شبهات الفساد
وعاب النائب بالكتلة الديمقراطية 38 نائباً (معارضة) سالم لبيض، اختيار الحكومة المواجهة الأمنية، وعليها تحمل مسؤولية خياراتها، مشدداً على أن الاحتجاجات الحالية تهدد كيان الحزام السياسي.
وبيّن لبيض أن رئيس الحكومة لا يحمل مشروعاً لإصلاح الأوضاع الراهنة، مشيراً إلى ما وصفه بتقصير رئيس الحكومة في التجاوب والتفاعل مع أطروحات النواب وتساؤلاتهم.
وحيا رئيس كتلة قلب تونس 27 نائباً، (مساندة) أسامة الخليفي قوات الأمن التي تصدت للعبث ودعوات الفوضى حسب تقديره، مشيراً إلى أن للدولة آليات تمكنها من حماية نفسها.
وندد الخليفي بالشعبوية المفرطة التي تهدد كيان الديمقراطية، مشيراً إلى أن رئيس الحكومة يسير في الطريق الصحيح بمساهمته في تماسك الدولة وبحثه عن التوافق.
واعتبر الخليفي أن شعارات إسقاط النظام تشمل مؤسسات النظام، ورئاسة الجمهورية جزء من هذا النظام، وقد اخترنا حماية الدولة وحماية المسار.
وبين النائب عن كتلة ائتلاف الكرامة 19 نائباً (مساندة) عبد اللطيف العلوي، أن الدستور نص على رئيس حكومة، ويريدونها حكومة الرئيس، والدستور ينص بوضوح على صلاحيات رئيس الحكومة في إدارة حكومته، وهو مضطر للاستماع إلى الجميع بمن فيهم المزايدون.
وبين رئيس كتلة الإصلاح الوطني 18 نائباً (مساندة) حسونة الناصفي، أنه لا يمكن تغيير المشهد إلا بالحوار المسؤول، متسائلاً عن الجهة التي تعطل الحوار الوطني.
وبين الناصفي أن النظام السياسي الحالي لا يتماشى مع البلاد، وكل تعديل وزاري يعمق الأزمة ويخلق مناخاً من الاتهامات بالتخوين والمصالح.
وقال النائب المعارض عدنان الحاجي إن هذا التحوير الوزاري "هو انقلاب لرئيس الحكومة على وعوده باستقلالية حكومته عن الأحزاب، ويتنزّل في إطار رضوخه للابتزاز الذي تعرض له من قبل حزامه السياسي". وتساءل عمّا سيقوم به المشيشي إذا لم يقبل رئيس الجمهوريّة بأداء الوزراء المتعلقة بهم شبهات فساد لليمين الدستورية.
واعتبر النائب المستقل حاتم المليكي أن التحوير الوزاري هو شأن داخلي للحكومة، والأمر الأساسي هو "التزامات هذه الحكومة تجاه الشعب"، معتبراً أن "هذه الحكومة لا تفقه دورها، وأقحمت في السياسة، وغابت عنها معالجة الإشكاليات التي تواجهها تونس".