أهدافٌ عدة وضعها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقادة القوات المسلحة في اعتبارهم، عند التفكير في منح خريجي الكليات العسكرية درجات علمية مدنية مختلفة، مثل بكالوريوس (العلوم السياسية والاقتصاد والإحصاء والهندسة والتجارة وإدارة الأعمال).
تقاعد مبكر للعسكريين المصريين
وبحسب عسكري مصري سابق، تحدث لـ"العربي الجديد" بشرط عدم ذكر اسمه، فإن السبب الرئيسي وراء ذلك، هو أن القوات المسلحة المصرية لم تعد تسمح بمدّ فترة خدمة ضباطها حتى الترقي للرتب المتقدمة، وهي العميد واللواء، وأن معظم الضباط يحالون إلى التقاعد عند الحصول على رتبة العقيد أو المقدم، مشيراً بالتالي إلى أن فترة خدمتهم لا تتجاوز 20 عاماً، بعدها يحال الضابط إلى المعاش وسنّه لا يتجاوز 45 عاماً.
ويأتي ذلك بينما الموظف المدني تمتد خدمته إلى سن الـ60 وأحياناً 65، وهو ما يعني أن ضابط الجيش المحال إلى التقاعد يجد نفسه من دون عمل وهو في سن صغيرة، بحسب المصدر.
القوات المسلحة المصرية لم تعد تسمح بمدّ فترة خدمة ضباطها حتى الترقي للرتب المتقدمة
وأوضح المصدر أن "آلافاً من الضباط يخرجون من الخدمة ويبحثون عن عمل ولا يجدون عادة سوى وظائف ذات طبيعة أمنية، مثل مدير أمن في أحد الفنادق أو الشركات أو ما إلى ذلك. ومن هنا جاء التفكير في أن يكون هؤلاء الضباط من حاملي الشهادات العلمية المدنية حتى يتمكنوا من إيجاد فرص عمل متنوعة وفي مجالات مختلفة".
ولفت المصدر إلى أن "منح خريجي الكليات العسكرية درجات علمية مدنية ليس أمراً جديداً في القوات المسلحة، بل حدث في السابق، إبان حكم الرئيس الراحل حسني مبارك، وتحديداً عندما كان المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة وزيراً للدفاع، وتحديداً منذ عام 1982".
وأوضح أنه "حينها، كان خريجو الكلية الحربية يُمنحون إما درجة البكالوريوس في التجارة من جامعة عين شمس، أو بكالوريوس الهندسة من الجامعة نفسها لضباط الإشارة والدفاع الجوي، ولكن الأمر لم يستمر طويلاً".
تقليص أعداد القوات المسلّحة في مصر
وقال المصدر إن "تقصير مدد خدمة الضباط في القوات المسلحة جاء نتيجة عوامل عدة، أولها سياسة تقليص أعداد الجيش وتشكيلات القوات المسلحة، وهو ما تجلّى في إنشاء ما يسمى بـ"الكيان العسكري" وهو شكل جديد للجيش تختلف طبيعته عن طبيعة الجيش المصري التقليدي بتشكيلاته المتعارف عليها، والتي تحتاج إلى أعداد كبيرة من الضباط والجند".
وأوضح المصدر أنه "في هذا السياق، تم إنشاء ما يسمى بـ"مركز قيادة الدولة الاستراتيجي، أو الأوكتاغون، وهو المقر الجديد لوزارة الدفاع المصرية". ويحتوي "الأوكتاغون" على ستة مراكز هي: مركز البيانات الاستراتيجية الموحدة (يحتوي على كافة بيانات مؤسسات الدولة)، مركز التحكم للشبكة الاستراتيجية (يسيطر على الجهاز الإداري للدولة)، مركز إدارة وتشغيل المرافق الحكومية (يسيطر على وكالات ومرافق الدولة)، مركز التحكم في شبكة الاتصالات، مركز الطوارئ والسلامة الذي يدير خدمات الطوارئ وخدمات الأمن الميداني، ومركز التنبؤات الجوية (يقوم بتجهيز مركز دفاع الدولة في حالة حدوث أي كوارث طبيعية).
ويأتي ذلك بالإضافة إلى عدد من المستودعات التي تؤمّن احتياجات الدولة من البضائع الاستراتيجية، وهو ما يظهر التحول الذي طرأ على عقيدة القوات المسلحة المصرية القائمة أساساً على الدفاع عن أرض الوطن ضد العدو الأول وهو إسرائيل، بحسب المصدر. وشدّد على أن "الشكل الجديد للقوات المسلحة المصرية لا يحتاج إلى أعداد كبيرة من الضباط والجنود، ولذلك يتم إنهاء خدمة الضباط سريعاً بعد الاستفادة من أكثر فترة في حياتهم يكونوا فيها قادرين على العطاء، وهي فترة الشباب".
ضباط الجيش... صورة نمطية تتلاشى سريعاً
وأكد المصدر أن "السبب الآخر في تقصير مدد خدمة ضباط القوات المسلحة بشكل عام، يعود إلى عدد من الضباط أنفسهم، إذ أن رغبة هؤلاء حالياً في التقاعد أصبحت موجودة داخل القوات المسلحة".
ويعود ذلك، بحسب المصدر "لأن طالب الكلية الحربية عندما يفكر في الالتحاق بالقوات المسلحة، يتصور أنه بذلك يحصل على مميزات جيدة بالإضافة إلى الوجاهة الاجتماعية المرتبطة بالصورة الذهنية عن ضابط الجيش، وأنه يخدم الوطن. لكن بعد الانخراط في الخدمة، تختلف آمال وتصورات الضباط عن الخدمة داخل القوات المسلحة، وصعوباتها، ولذلك يفضل بعضهم التقاعد ليلحق بفرصة عمل جيدة في الحياة المدنية".
خطة طويلة الأمد وضعها النظام المصري، وهي رفد المؤسسات المدنية بموظفين من خلفية عسكرية
ولفت المصدر إلى أن "القيادة العامة للقوات المسلحة أصبحت تعي ذلك جيداً، وتعرف أبعاده ومسبباته، ولذلك قررت مساعدة هؤلاء الضباط في حياتهم المدنية بعد ذلك، وفكرت أيضاً في الاستفادة منهم".
الأولوية للضباط في التعيينات المدنية
وقال العسكري المصري المخضرم، إن "الفائدة الثانية من تأهيل خريجي الكليات العسكرية تأهيلاً علمياً مدنياً، تتمثل في الخطة طويلة الأمد التي وضعها النظام المصري، وهي رفد المؤسسات والهيئات المدنية للدولة بموظفين من ذوي الخلفية العسكرية، بمعنى أن التعيين في الوظائف العليا في الدولة، يمكن أن تكون الأولوية فيه لضباط الجيش السابقين، باعتبارهم من أهل الثقة والولاء للنظام".
وتابع: "على سبيل المثال، فإن وزارة الخارجية عادة ما تعلن من حين إلى آخر عن حاجتها لموظفين لشغل وظائف محددة في الوزارة، مثل الملحقين الدبلوماسيين وموظفي السلك الدبلوماسي. حيث تجري اختبارات للمتقدمين، ومع وجود ضباط من القوات المسلحة حاصلين على بكالوريوس العلوم السياسية، ستكون لهم فرصة في الحصول على هذه الوظائف، بتزكية من القوات المسلحة طبعاً، وسيتم تعيينهم على الدرجة التي يشغلها زملاؤهم من نفس دفعتهم".
وجاء في قرار السيسي، المنشور في العدد 26 مكرر (و)، أنه "لرفع تأهيل خريجي كليات الأكاديمية العسكرية المصرية علمياً وعملياً للخدمة في القوات المسلحة، يمنح وزير الدفاع خريجي الكليات التالي ذكرها درجة الليسانس أو البكالوريوس التي تمنحها سائر الجامعات المصرية المحددة: خريجو الكلية الحربية يمنحون درجة البكالوريوس في (العلوم السياسية/ الاقتصاد/ الإحصاء)، وخريجو الكلية البحرية يمنحون درجة البكالوريوس في العلوم السياسية، وخريجو الكلية الجوية يمنحون درجة البكالوريوس في التجارة (إدارة أعمال تخصص إدارة الطيران والمطارات) والبكالوريوس في الحاسبات والمعلومات (تخصص نظم معلومات الطيران)، وخريجو كلية الدفاع الجوي يمنحون درجة البكالوريوس في الهندسة (الاتصالات والإلكترونيات/ الحاسب والنظم/ الميكاترونيكس والروبوتات).
وقال العسكري المصري السابق، إن "إدخال العلوم السياسية كمواد دراسية إلى الكليات العسكرية، أمر يضر ويؤثر على دراسة العلوم العسكرية نفسها، والتي من الضروري أن يلمّ طالب الكلية الحربية بها، كما يضر أيضاً بالمبادئ العسكرية المصرية الراسخة، وأولها "عدم تسييس الجيش"، والحفاظ عليه بعيداً عن أي تيارات سياسية".
إدخال العلوم السياسية كمواد دراسية إلى الكليات العسكرية، يضر بدراسة العلوم العسكرية نفسها
وأوضح المصدر أن "تدريس السياسة في الكليات العسكرية يمكن أن يحمل معه أفكاراً سياسية معينة ونظريات وعقائد محددة يتبناها الضباط، وغالباً ما ستكون هذه العقائد خاصة بالنظام الحاكم". وبرأيه، فإنه "بالتالي سيتحول الجيش إلى أداة في يد النظام أو حزب سياسي موال للسلطة، بدلاً من أن يكون في خدمة الوطن والشعب فقط، ولنا في تجربة جيش البعث عبرة". وأضاف المصدر أن "انشغال الجيش بالسياسة وإهماله مهمته الأساسية في التدريب والاستعداد القتالي للدفاع عن الوطن، أمر في غاية الخطورة ويضرب عقيدة الجيش المصري في مقتل".
من جهته، رأى خبير التعليم المصري المرموق كمال مغيث، أن القرار "تخريب للتعليم الجامعي". وقال مغيث، على صفحته الخاصة على "فيسبوك"، إن "القرار بمنح خريجي الكلية الحربية شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية والاقتصاد والإحصاء، ومنح خريجي الكلية البحرية شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية، ومنح خريجي الجوية شهادة بكالوريوس التجارة وإدارة الأعمال، ومنح خريجي كلية الدفاع الجوي بكالوريوس الهندسة، هو مجرد بلطجة وعبث وإلغاء للمعايير والمؤسسية وعصف بتراث عريق للتعليم العالي يعود إلى قرنين من الزمان".
اعتراض مغيث أيّده أكاديميون تحدثوا لـ"العربي الجديد"، معتبرين أنه "من غير المنطقي أن يحصل طالب الكلية الحربية على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية، خلال ثلاث سنوات دراسة فقط، هي أصلاً مخصصة لدراسة العلوم العسكرية، بينما يحصل طالب العلوم السياسية في جامعة القاهرة على نفس الدرجة بعد أربع سنوات دراسية كاملة لا يدرس خلالها أي شيء آخر".
وأضافوا أن ذلك يؤثر على جودة التعليم في الكلية الحربية، إضافة إلى تكافؤ الفرص، لأن كلية السياسة والاقتصاد في الجامعات العامة تشترط مجموعاً مرتفعاً في الدراسة الثانوية، يزيد عن 90 في المائة، بينما الكلية الحربية تشترط نسبة أقل بكثير وهي 60 في المائة.
والمعروف أن مدة الدراسة في الكلية الحربية منذ عام 1989، هي 4 سنوات دراسية، كل سنة منها مدتها أقل من 6 أشهر (بما مجموعه 23 شهرا)، وتنقسم إلى (أساسي وإعدادي ومتوسط ونهائي) خلال ثلاثة أعوام، تتضمن العلوم العسكرية الأساسية والأساسيات العلمية، بجانب الأنشطة التطبيقية المختلفة.