أكّد رئيس الأركان الأميركي الجنرال مارك ميلي، أمس الأربعاء، أنّ حركة "طالبان" اكتسبت "زخماً استراتيجياً" في هجماتها في أنحاء أفغانستان، لكنّ هذا لا يعني أنّ انتصارها غير مضمون إطلاقاً.
وبات المسلحون يسيطرون على حوالى نصف المناطق الأفغانية البالغ عددها 400 تقريباً، لكن دون أن يسيطروا على أيٍّ من مدن البلاد الرئيسية، فيما "تعزز" أجهزة الأمن الأفغانية قواتها لحماية سكان المدن الرئيسية، بحسب ما أفاد ميلي خلال مؤتمر صحافي.
وشدّد على أنّ "سيطرة طالبان العسكرية تلقائياً ليست أمراً مفروغاً منه".
وعلى رغم أنّ القوات الأفغانية تلقت تدريباً وتجهيزات من الولايات المتحدة، ورغم أنّ عديدها يفوق بأشواط مقاتلي "طالبان"، وفق التقديرات، لكنّ العدد ليس المعيار المرجّح لحسم الحرب، وفق ميلي.
وقال إن العاملين الأكثر أهمية في القتال حالياً "هما الإرادة والقيادة. وهذا سيكون بمثابة اختبار الآن لإرادة وقيادة الشعب الأفغاني وقوات الأمن الأفغانية وحكومة أفغانستان".
وتشنّ الحركة عمليات عسكرية واسعة في أنحاء أفغانستان سيطرت خلالها على أراضٍ ومعابر حدودية وطوقت مدناً، مع قرب اكتمال انسحاب القوات الأجنبية.
وأكّدت حركة "طالبان"، أمس الأربعاء، أنها لن تقاتل في عطلة عيد الأضحى إلا للدفاع عن النفس، لكنها لم تعلن وقفاً رسمياً لإطلاق النار، على غرار ما جرى في أعياد إسلامية سابقة.
لكن الحركة تواجه انتقادات لاستخدامها إعلانات الهدنة لتعزيز مواقعها وتزويد المقاتلين بالإمدادات، ما يسمح لهم بمهاجمة قوات الأمن مع انتهاء الهدنة.
وتأتي تعليقات "طالبان" غداة إعلان الرئيس أشرف غني، في خطاب، أنّ مقاتلي الحركة أثبتوا أن "لا إرادة ولا نية لديهم لإحلال السلام"، فيما المفاوضات بين الجانبين المتحاربين لا تحرز تقدماً يذكر.
وقبل دقائق من إلقائه خطابه، سقطت ثلاثة صواريخ قرب القصر الرئاسي، حيث أدى غني صلاة العيد مع كبار المسؤولين، في هجوم تبناه تنظيم "داعش".
"بلاك هوك" والتزام
من جهته، أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، أنّ الولايات المتّحدة سلّمت الجيش الأفغاني، الجمعة، ثلاث مروحيات من طراز "بلاك هوك" وأنّها ستلّمه مزيداً من العتاد العسكري في الأيام المقبلة. وقال: "سنظلّ ملتزمين مساعدة الجيش الأفغاني والحكومة الأفغانية في المستقبل".
وفي إشارة إلى أنّ هدف الولايات المتّحدة لا يزال منع عودة ظهور تنظيم "القاعدة" في أفغانستان، قال أوستن إنّ "هناك وحدات أميركية متمركزة في قطر لمواصلة القتال ضد الجهاديين في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأجنبية من هذا البلد".
ووفقاً للجنرال ميلي، فإنّ الانسحاب الأميركي من أفغانستان اكتمل بنسبة 95%، مشيراً إلى أنّ الولايات المتّحدة سحبت من هذا البلد تسعة آلاف عسكري ومدني أميركي وعتاداً بحجم يعادل شحنات 984 طائرة من طراز "سي-17".
وكان البنتاغون قد أعلن، في منتصف يناير/ كانون الثاني، أنّ عدد الأفراد العسكريين الأميركيين في أفغانستان انخفض إلى 2500 عسكري، لكنّ الجيش الأميركي يوظّف أيضاً عدداً كبيراً من المساعدين المدنيين، ولا سيما في المقاولات.
وأوضح رئيس الأركان الأميركي أنّ "مجموعة صغيرة من العسكريين بشكل رئيسي، ولكن أيضاً من المدنيين والمقاولين من الباطن، فضلاً عن دبلوماسيين، لا تزال في أفغانستان لضمان الأمن وتعزيز وجودنا الدبلوماسي في كابول".
هجرة المترجمين
وفي سياق متّصل، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أنّ دفعة أولى من الأفغان الذين تعاونوا مع الجيش الأميركي ويسعون لمغادرة بلدهم خوفاً من أن تنتقم حركة "طالبان" منهم، ستصل إلى الولايات المتحدة مطلع الأسبوع المقبل.
وقالت المسؤولة في الوزارة عن هذا الملف تريسي جاكوبسون، للصحافيين، إنّ هذه الدفعة الأولى تضمّ حوالى 700 مترجم ومساعد أفغاني بالإضافة إلى أسرهم المباشرة، أي ما مجموعه حوالى 2500 أفغاني.
وكانت الولايات المتّحدة قد أعلنت، الاثنين، أنّ هذه الدفعة الأولى ستقيم لبضعة أيام في قاعدة فورت لي العسكرية في ولاية فرجينيا (200 كيلومتر جنوب العاصمة واشنطن) ريثما تنتهي وزارة الأمن الداخلي من التدقيق بطلبات الهجرة التي تقدّموا بها.
ولفتت جاكوبسون إلى أنّ دفعة ثانية من أربعة آلاف مترجم ومتعاون وأفراد أسرهم المباشرة، أي حوالى 20 ألف شخص، تلقت الضوء الأخضر من السفارة الأميركية في كابول للحصول على تأشيرة الهجرة الخاصة بهم.
وأضافت أنّه يتعيّن عليهم الآن الخضوع لعملية تدقيق أمني مكثف، وهو إجراء قد يستغرق أشهراً عدّة، مشيرة إلى أنّه حرصاً من واشنطن على سلامة هؤلاء بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان فهي ستسعى لإرسالهم إلى دول ثالثة ريثما تنتهي عملية التدقيق هذه.
ولم تسمّ المسؤولة الأميركية الدولة الثالثة التي قد تستضيف مؤقتاً هؤلاء الأفغان، لكنّ الولايات المتّحدة تتفاوض لهذه الغاية مع عدد من دول الشرق الأوسط، مثل الكويت وقطر.
وهؤلاء المترجمون والمتعاونون الذين يخشون على حياتهم مع تحقيق "طالبان" مكاسب سريعة على الأرض هم من بين 20 ألف أفغاني تقدّموا بطلبات لجوء إلى الولايات المتحدة بموجب ما يسمّى "تأشيرات الهجرة الخاصة"، ما يعني أنّ العدد الإجمالي لهؤلاء مع أفراد أسرهم يمكن أن يصل إلى مئة ألف شخص.
وسينضم هؤلاء إلى ما يقرب من 70 ألف مترجم ومتعاون هاجروا بالفعل إلى الولايات المتحدة منذ 2008.
(فرانس برس)