تستعد مجموعة من ناشطي محافظة ذي قار العراقية، الأسبوع المقبل، للإعلان رسمياً عن ولادة حركة سياسية جديدة، يقولون إنها ستمثل مطالب المتظاهرين عامة في العراق وتعمل على الدخول للانتخابات ومنافسة الأحزاب الرئيسة في البلاد.
وتهدف الحركة السياسية بحسب القائمين عليها، إلى لملمة المحتجين الذين تعرضوا للقمع والعنف خلال الفترة الماضية وتجميعهم في كيان واحد، عبر لجنة إدارية وتنسيقية موحدة تنطلق من محافظة ذي قار وتنتشر في بقية المحافظات، ضمنها محافظات شمال وغرب البلاد، إلا أنها تسعى حالياً إلى إنهاء آخر الإجراءات الورقية والتنظيمية لاستكمال الكيان السياسي الذي حمل اسم "البيت الوطني".
وبحسب ناشطين من الناصرية، المدينة التي شهدت أسخن أشكال الاحتجاج، بسبب عوامل عدة أبرزها الإهمال الحكومي لهذه المدينة، إضافة إلى الفقر والبطالة التي ترتفع معدلاتها فيها، ناهيك بكون المدينة تحتوي على شريحة واسعة من المؤمنين بالدولة المدنية، وهم من الشيوعيين والعلمانيين والتيارات التحررية والتقدمية الجديدة، فإن فكرة تسمية الكيان بـ"البيت الوطني"، جاءت رداً على مساعي زعيم "التيار الصدري"، مقتدى الصدر، لإعادة التخندق الطائفي وترميم "البيت الشيعي" بعد أن تفكك.
وتواصل "العربي الجديد"، مع أحد قادة الكيان وهو من مدينة الناصرية، لكنه طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، قائلاً إن "كيان "البيت العراقي" يهدف إلى إحياء فكرة الأمة العراقية التي ضاعت بسبب التجاذبات والصراعات السياسية وتغذية الخطاب الطائفي، والذي تمكن إلى حدٍ ما من تفسيخ المجتمع العراقي، واقتطاعه إلى أكثر من جزء، إلا أن انتفاضة "أكتوبر/تشرين الأول" أعادت الأمور إلى طبيعتها، ووجدنا أن العراقي لا يؤمن بالخطاب الطائفي، وهو ما أزعج جميع الأحزاب الدينية، وأولها الولائيون (الأحزاب والفصائل المسلحة الموالية لإيران)، إضافة إلى التيار الصدري".
ولفت إلى أن "المشروع السياسي الجديد يسعى إلى التعبير عن أحوال العراقيين في الجنوب، إضافة إلى التعبير عن أهالي المحافظات الغربية الذين يعانون من نفوذ وسلطة ومليشيات الأحزاب المتنفذة هناك، ولا يقف الكيان عند هذا الحد فقط، بل إنه سيعمل على التنسيق مع ناشطين من إقليم كردستان"، مؤكداً أن "بعض المحافظات العراقية وخصوصاً المحررة من "داعش" لا تستطيع التعبير عن طلباتها من خلال الاحتجاج، ولذلك سنعمل على تمثيل الجميع سياسياً".
من جهته، أكد الناشط البارز في الناصرية حسين الغرابي، وهو أحد المبادرين بتأسيس الكيان، أن "الخطوة لن تخدم الناصرية فقط، بل تهدف إلى السعي لتمثيل كل الأمة العراقية من الشمال إلى الجنوب، ولذلك جاءت تسمية البيت الوطني، بعد المساعي الحزبية من قبل بعض الجهات الحزبية لإعادة إحياء البيوت الطائفية. ويقوم هذا الكيان على أساس اندماج المحتجين في المدن العراقية المنتفضة، وآخرين من الأساتذة الجامعيين والكفاءات العراقية".
وأكمل في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "القائمين على تأسيس الكيان، فاتحوا مفوضية الانتخابات، وقد تمت الموافقة والقبول، وخلال الأيام المقبلة سيتم الإعلان رسمياً، عبر مؤتمر عام". وفي ما يتعلق بالأموال التي احتاجها المؤسسون وتأمينها، بيَّن أن "المفوضية تشترط على كل كيان سياسي جديد، رسوماً مالية تصل إلى 40 مليون دينار عراقي، وقد وزعت هذه الأموال على أعضاء الكيان، وتم تجميعها من خلال المحتجين عبر طريقة الاشتراكات، ولم يعتمد الكيان على المال السياسي".
وعلم "العربي الجديد" من خلال مصادره في الناصرية، أن الناشط المعروف في المدينة علاء الركابي يعمل حالياً على تأسيس حزب سياسي جديد، بعد أن حصل على دعمٍ من جهات مدنية لتأسيس جبهة "احتجاجية ـ سياسية" للمشاركة بالانتخابات في المرحلة المقبلة، ومن المفترض أن يتحالف حزب الركابي مع "البيت الوطني" خلال الأشهر المقبلة، لتقوية التيار المدني في المدينة.
أما الناشط من ذي قار، علي الغزي، فقد أشار إلى أن "المحتجين يأملون أن تكون الحركات السياسية الجديدة باباً من أبواب التعبير عن استيائهم من الأوضاع التي يمر بها العراق، وألا تكون متعاونة في الظل مع أحزاب السلطة التي ثار العراقيون ضدها".
وفي حديث لـ"العربي الجديد"، أكد أن تلك التشكيلات الجديدة عليها ألا تتورط في الانتخابات طالما أن السلاح منفلت وقد يتعرض أعضاء هذه الكيانات لمخاطر وعمليات اغتيال، وإنما يجب أن تستمر بالإرشاد السياسي إلى حين هدوء الأوضاع أو تراجُع قوى "اللادولة" عن ممارستها العنيفة".
ويلفت المحلل السياسي والباحث عبد الله الركابي، إلى أن "الحركات المنبثقة من رحم التظاهرات تحتاج لخبرات سياسية، لأن الحماس في التغيير لا يكفي دون وجود أجندة أو ورقة عمل مدروسة بشكلٍ معمق، لأن الأوضاع العراقية معقدة"، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أنها "إذا لم تحصل على تطمينات حكومية وحماية كافية، فإنها تسير على خط التصفية والاستهداف".
وكانت مصادر مطلعة في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، قد أفادت في وقتٍ سابق، بارتفاع عدد الأحزاب والتكتلات السياسية التي تستعد للمشاركة في الانتخابات العراقية المبكرة المقرّر أن تُجرى في يونيو/حزيران العام المقبل، إذ بلغ لغاية يوم الإثنين الماضي أكثر من 400 حزب وتكتل، وسط توقعات بارتفاع العدد المسجل خلال الفترة المقبلة.
واندلعت التظاهرات العراقية في الأول من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، عقب دعوات انطلقت عبر موقع "فيسبوك" إثر تردي الخدمات وتفاقم نسبة البطالة، قبل أن تتفجر بشكل واسع في بغداد ومدن جنوب ووسط العراق خلال ساعات قليلة. وطيلة السنة الماضية، شهدت التظاهرات عمليات عنف غير مسبوقة، ولا سيما بعد أن دخلت جماعات مسلحة وُصفت بـ"الطرف الثالث"، على خط قتل وقمع واختطاف المحتجين والناشطين. وقد أدت أعمال العنف إلى مقتل نحو 800 متظاهر، وإصابة أكثر من 27 ألفاً آخرين، في وقت لم تتم محاسبة أي جهة متورطة في هذه الأعمال.