حصدت عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سورية منذ انطلاقتها، أرواح أكثر من ألف سوري، بينهم مئات الأطفال والنساء، فضلاً عن تدمير مرافق حيوية أبرزها الجسور التي يستخدمها مدنيون، ما يقوّض مصداقية التحالف الدولي في حربه على التنظيم، وفق منظمة حقوقية سورية. ويضم التحالف الدولي أكثر من عشرين دولة فاعلة، بينها دول عربية، وغايته وقف تقدّم تنظيم "داعش" في سورية والعراق، ومن ثم القضاء عليه. وشهد عام 2014 ذروة اندفاعة التنظيم التي هددت بتبديل معادلات الصراع، فقد كان على وشك السيطرة على معظم مساحة البلدين الجارين.
في الثامن من سبتمبر/أيلول من عام 2014 بدأ طيران التحالف أولى غاراته على تنظيم "داعش" مستهدفاً مستودع أسلحة تابعاً للتنظيم في شمالي العراق، في تحرك كان يهدف إلى إيقاف مقاتلي التنظيم عن التقدّم نحو مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، والتي كانت مهددة بالسقوط إثر سيطرة التنظيم على مدينة الموصل ثاني كبرى المدن العراقية. ولم تتوقف عمليات التحالف الدولي في العراق منذ ذاك الحين.
لم تمضِ أيام على بدء التحالف الدولي عملياته في العراق، حتى أعطى الرئيس الأميركي حينها باراك أوباما الإذن ببدء عمليات مشابهة في سورية، التي كان التنظيم في ذاك التاريخ يجتاح شرقها وشمالها، ويسيطر على نصف مساحتها. وفي 23 سبتمبر/أيلول بدأ التحالف الدولي أولى غاراته في سورية، فاستهدف ما قال إنها مواقع لتنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" في عدة مناطق سورية، ما أدى إلى مقتل مدنيين جراء الغارات التي بدأت من بعدها مرحلة جديدة من الصراع على سورية.
وسبق بدء عمليات التحالف الدولي في سورية بعدة أيام، هجوم واسع النطاق من قِبل مقاتلي التنظيم على مدينة عين العرب ذات الغالبية الكردية، والواقعة على الحدود السورية التركية. وقدّم طيران التحالف الدولي الدعم الجوي للوحدات الكردية التي تصدّت للتنظيم، ولكن القصف المستمر على المدينة للحيلولة دون تقدّم مقاتلي "داعش" خلق أزمة إنسانية كبرى، وأدى إلى دمار هائل في المدينة. وقد قُتل المئات من مقاتلي التنظيم في الغارات الجوية التي أجبرته على الانسحاب من أطراف المدينة، ليكون أول تراجعٍ للتنظيم أمام القوات الكردية والتحالف الدولي، ليبدأ التنظيم رحلة تراجع في شمال وشرقي سورية لا تزال متواصلة.
في أواخر عام 2015، تشكّلت "قوات سورية الديمقراطية" التي تُعتبر الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، وبدأت على الفور معارك بمساعدة التحالف لاستعادة مدينة الشدادي في ريف الحسكة الجنوبي من تنظيم "داعش"، وهو ما تحقق في شهر فبراير/شباط من عام 2016، بعد معارك وُصفت بالضارية.
كما سيطرت "قوات سورية الديمقراطية" أواخر عام 2015 على سد تشرين على نهر الفرات شمال شرقي حلب، وعلى بلدات وقرى في محيط عين العرب، أبرزها صرين، في خطوة واسعة باتجاه مدينة منبج التي كانت أهم معاقل التنظيم في ريف حلب الشمالي الشرقي. وفي منتصف عام 2016، أعلنت "سورية الديمقراطية" السيطرة على مدينة منبج بعد نحو شهرين من حصارها، ارتكب فيه طيران التحالف أكثر من مجزرة راح ضحيتها العشرات من المدنيين. وفي أواخر عام 2016، بدأت "قوات سورية الديمقراطية" عملية واسعة النطاق حملت اسم "غضب الفرات" بدعم مباشر من التحالف الدولي، غايتها "عزل" مدينة الرقة في خطوة تسبق محاولات انتزاع السيطرة عليها.
وحققت "سورية الديمقراطية" تقدّماً كبيراً في أرياف الرقة الشمالي والغربي والشرقي، وانتزعت السيطرة على مدينة الطبقة الاستراتيجية بعد شهرين من بدء عملية عسكرية لطرد التنظيم منها. وارتكب طيران التحالف الدولي مجازر عدة في الطبقة قبيل السيطرة عليها، إذ دُفنت عائلات كاملة تحت ركام منازلها بفعل القصف الجوي العشوائي. كما ارتكب التحالف مجزرة وصفتها مصادر محلية بـ"المروعة" في بلدة المنصورة شرقي الطبقة، إذ قصفت طائرة تتبع التحالف في الواحد والعشرين من مارس/آذار الماضي مدرسة تأوي نازحين، ما أدى إلى مقتل وإصابة المئات بينهم عدد كبير من الأطفال.
واستهدف طيران التحالف الدولي منذ بداية عملياته العديد من قيادات تنظيم "داعش" و"جبهة فتح الشام" (النصرة سابقاً) التي قُتل قياديون فيها في شمال غربي سورية بقصف من التحالف، الذي استهدف أيضاً معسكراً لها في غربي حلب. ولقي عدة قادة في "جبهة فتح الشام" مصرعهم بقصف التحالف، منهم: أبو يوسف التركي، ومرافقه أبو هاجر المصري، والكويتي أبو سمية الخراساني (محسن الفاضلي)، والسعودي عبد المحسن الشارخ (سنافي النصر)، ورضوان النموس (أبو فراس السوري)، والذي شغل منصب المتحدث الرسمي باسم الجبهة، إضافة إلى أبو هاجر الأردني (أمير قاطع البادية في الجبهة)، وأبو تراب الحموي (القائد العسكري العام لقاطع البادية)، وأبو النصر تلمنس (الإداري العام في الجبهة)، بالإضافة إلى أبو أسامة (أمير مطار أبو الضهور)، وسواهم.
كما قتل طيران التحالف الدولي عدة قادة في تنظيم "داعش"، أبرزهم المتحدث باسم التنظيم أبو محمد العدناني، الذي لقي مصرعه في ريف حلب منتصف العام الماضي. كما قام طيران التحالف الدولي بعمليات إنزال في شرقي سورية استهدفت قادة في "داعش". وكان التنظيم اتّبع أسلوب الصدمة من أجل مواجهة التحالف الدولي عندما أحرق عام 2015 الطيار الأردني معاذ الكساسبة الذي سقطت طائرته في أكتوبر/تشرين الأول بالقرب من الرقة أثناء غارة لطيران التحالف، ولكن محاولة التنظيم باءت بالفشل، وزادت من النقمة الدولية عليه.
كما ارتكبت قوات التحالف الدولي، بحسب الشبكة، ما لا يقل عن 106 حوادث اعتداء على مراكز حيوية مدنية، بينها 46 حادثة على جسور وهي أكثر المراكز الحيوية المدنية تعرضاً للاستهداف، وقد خرجت معظم هذه الجسور عن الخدمة، ما أدى إلى تداعيات اقتصادية واجتماعية مسَّت حياة السكان المحليين، مشيرة إلى أنها لا تعتقد أنَّ معظم هذه الجسور قد استُخدمت بشكل منتظم في دعم العمليات العسكرية.
وأشارت الشبكة في تقريرها إلى أن قيادة قوات التحالف الدولي "اعترفت بقرابة 74 حادثة في سورية، وذكرت القيادة الأميركية المركزية في بداية إبريل/نيسان الماضي أنها قتلت 299 شخصاً في سورية والعراق، من دون أن تُمايز بين الدولتين". وأشارت الشبكة إلى أن "التوثيقات التي قمنا بها تُشير إلى خلاف ذلك تماماً"، مضيفة: "لم نسمع بعملية محاسبة، أو اعتذار، أو تعويض، أو عزل للمسؤولين عن ارتكاب حوادث تُشكِّل جرائم حرب، وهذا يعطي مؤشراً سلبياً للشعب السوري، وبشكل خاص في الأحياء والمدن التي فقدت أبناءها، ويُقوِّض مصداقية قوات التحالف الدولي في حربها على تنظيم داعش"، وفق الشبكة.