يشهد الشمال الغربي من سورية تصعيداً عسكرياً قبل أيام من بدء مداولات مجلس الأمن الدولي، في 10 يوليو/ تموز المقبل، لتمديد آلية إدخال المساعدات الدولية لنحو 4 ملايين مدني في شمال سورية، وهو ما ترفضه روسيا حتى اللحظة، فيما تبحث الولايات المتحدة عن بدائل كي لا تقع تحت الابتزاز الروسي.
وفي سياق التصعيد الذي بدأ في مطلع الشهر الحالي، تبادلت قوات النظام السوري وفصائل المعارضة القصف على خطوط الجبهات شمالي غرب سورية، حسبما كشف ناشطون، وأشاروا إلى أن هذه القوات قصفت، صباح أمس الخميس، بالمدفعية والصواريخ قرى وبلدات تقاد وبلنتا والهباطه، غربي حلب، إضافة إلى بلدتي الفطيرة وشاغوريت بجبل الزاوية، جنوبي إدلب. من جهتها، قصفت القوات التركية وفصائل المعارضة مواقع لقوات النظام والمسلحين الموالين لها في الفوج 46 وميزناز وكفرحلب في ريف حلب الغربي، وذلك رداً على قيام قوات النظام باستهداف قرى وبلدات في ريف حلب الغربي.
وشهد فجر أمس دخول رتل عسكري، وصفته مصادر محلية بـ"الكبير"، للجيش التركي من معبر كفرلوسين الحدودي، شمالي سورية، وتوجه إلى نقاط لهذا الجيش في ريف إدلب الجنوبي. وضمّ الرتل أكثر من 30 مجنزرة ثقيلة، إضافة إلى عربات ومواد لوجستية وذخائر. وتمّ توزيع التعزيزات على خمس نقاط على خطوط التماس مع قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية المساندة لها. وتأتي الخطوة التركية بعد مقتل جندي تركي وإصابة آخرين بجروح، أول من أمس الأربعاء، عقب استهداف قوات النظام نقطة تابعة للجيش التركي في منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي.
التفاوض حول شمال غربي سورية انحصر بين موسكو وأنقرة
وحول هذه التطورات، يرى المحلل مصطفى الفرحات، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "لا تصعيد مرتقباً في الشمال الغربي من سورية من قبل قوات النظام إلا بأوامر روسية مباشرة. وهذا الأمر بات من البديهيات". ويشير إلى أن التفاوض حول الشمال الغربي من سورية "انحصر خلال الـ18 شهراً الماضية بين موسكو وأنقرة فقط"، لافتاً إلى "غاب الدور الإيراني بسبب حساسية هذا الملف". ويرى أن الجانب الروسي يريد قطف ثمار تدخله العسكري الواسع في سورية لصالح النظام، ولكن خيوط اللعبة الدولية لا تزال بيد الولايات المتحدة، وأي حلول في سورية يجب أن تُمهر بالختم الأميركي في النهاية.
ويعتبر الفرحات أن واشنطن "تفضّل تجميد الملفات في سورية، إذ يبدو أن أولويات إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بعيدة عن الملف السوري، لذا نخشى من غض طرف غربي عن أعمال قتالية محدودة يمكن أن يقوم بها الروس في سورية". ويبدي اعتقاده بأن "الروس ربما يحاولون التقدم برياً للسيطرة على الطريق الدولي أم 4 (حلب ـ اللاذقية)، الذي يربط غرب البلاد بشمالها ويقطع محافظة إدلب، لجني مكاسب سياسية واقتصادية للروس والنظام"، مضيفاً أن هذا التصعيد ضغط على الجانب التركي لفتح المعابر الداخلية بين مناطق المعارضة السورية والنظام.
وعلى الرغم من قسوة النزوح، إلا أن الوضع المعيشي في مناطق المعارضة أفضل بكثير من مناطق النظام، في ظلّ غياب طوابير الخبز والمحروقات في شمال سورية. في غضون ذلك، أعلنت موسكو، أمس الخميس، أن جولة جديدة من مفاوضات أستانة الخاصة بالتسوية السورية ستجري في العاصمة الكازاخية نور سلطان، حسبما كشف نائب رئيس إدارة العمليات الرئيسية في هيئة الأركان العامة للجيش الروسي اللواء ياروسلاف موسكاليك. وأضاف المسؤول الروسي: "نعمل بشكل نشط على تسوية الأزمة السورية ضمن إطار صيغة أستانة التي ستنعقد جلسة جديدة منها قريباً، بين 6 يوليو و8 منه، في مدينة نور سلطان".
ولا يزال الشمال الغربي من سورية محكوماً حتى اللحظة بتفاهمات الثلاثي الضامن لمسار أستانة (تركيا، إيران، روسيا)، الذي كما يبدو بات مهدداً بالانهيار، نتيجة اختلاف رؤى الدول الثلاث حول كيفية التسوية النهائية في سورية. ولا يمكن عزل ما يجري في الشمال الغربي من سورية من تصعيد متبادل بين الروس والأتراك عما يجري داخل الأروقة السياسية من تحركات لها علاقة بالملف السوري قبيل بدء مداولات مجلس الأمن الدولي لتمديد آلية إدخال المساعدات الدولية لنحو 4 ملايين مدني في شمال سورية.
وتشي تصريحات المسؤولين الروس حتى اللحظة بأن موسكو تريد ثمناً سياسياً واقتصادياً مقابل تمرير القرار في مجلس الأمن الدولي في الشهر المقبل، وإلا فستلجأ إلى حق النقض "الفيتو"، وهو ما تتحسب له أنقرة وواشنطن. ولمّح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في رسالة أخيرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، إلى أن موسكو ستمنع تجديد تفويض الأمم المتحدة على المعبر الحدودي الوحيد، وهو باب الهوى مع الجانب التركي. وادّعى في الرسالة التي نشرتها وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية، أن موسكو "تشهد منذ إبريل/ نيسان 2020، على محاولات متواصلة لعرقلة وصول قوافل مساعدات إنسانية مشتركة من قبل الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر العربي السوري إلى شمال غربي إدلب من دمشق، من قبل هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، وبالتواطؤ مع أنقرة".
بدوره، حذّر غوتيريس مجلس الأمن الدولي من "عواقب وخيمة" في حال فشله في التمديد لآلية إيصال المساعدات الإنسانية إلى سورية عبر الحدود لعام آخر، مناشداً أعضاء مجلس الأمن "بقوة التوصل إلى توافق في الآراء بشأن السماح بالعمليات عبر الحدود باعتبارها قناة حيوية للدعم، لسنة أخرى". وأشار غوتيريس إلى أن الوضع الإنساني الحالي في سورية "أسوأ من أي وقت مضى منذ بدء الصراع، إذ يحتاج 13.4 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية، كما أن 12.4 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي".
أميركا تبحث عن بدائل إذا رفضت روسيا تسهيل إدخال المساعدات
وإزاء كل هذه المعطيات، يرى الباحث السياسي رضوان زيادة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الولايات المتحدة "تبحث البدائل الممكنة في حال نفذت روسيا تهديدها باستخدام الفيتو لإجهاض قرار مجلس الأمن الدولي حول تجديد آلية إدخال المساعدات"، مشيراً إلى أن اجتماعاً وصفه بـ"المهم" سيعقد في العاصمة الإيطالية روما في 28 يونيو/ حزيران الحالي على مستوى وزراء خارجية دول لها صلة بالملف السوري. وأوضح أنه "أول اجتماع دولي حول سورية ينسقه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن"، مضيفاً: "يشكل الاجتماع عودة سورية إلى الملف الدولي بدبلوماسية أميركية نشطة، وسيركز بشكل رئيسي على موضوع المعابر والمساعدات الدولية". وحول الأهداف الروسية من وراء التهديد باستخدام "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي ضد التمديد لآلية إدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى، قال زيادة: هناك وعود لموسكو بعدم وضع المزيد من العقوبات عليها وفق "قانون قيصر" الخاص بسورية، لكن ربما تريد رفع السعر التفاوضي عبر التهديد بـ"الفيتو".
من جهته، ذكر المتحدث الرسمي باسم هيئة التفاوض السورية المعارضة يحيى العريضي، لـ"العربي الجديد"، أن الاجتماع سيضم وزراء خارجية دول المجموعة المصغرة حول سورية، وتركيا، ويبحث القرار الدولي 2254 الذي رسم خريطة طريق للحل في سورية منذ عام 2015، إلا أنه لم ينفذ حتى اليوم.