لطالما عمد النظام السوري إلى توجيه الرسائل بالنار، قبيل انعقاد معظم جولات مسار أستانة، التي بدأت الجولة الـ 20 منها أمس الثلاثاء، وتنتهي اليوم في العاصمة الكازاخستانية.
وتأتي هذه الجولة بطابع مختلف، إذ يُفرض على المسار، المخصص للتفاوض بين المعارضة والنظام، برعاية روسية وتركية وإيرانية، ملف التطبيع بين أنقرة ودمشق، إذ عقد نواب وزراء النظام وتركيا وروسيا وإيران اجتماعاً، يعد امتداداً للاجتماعات التقنية بين نواب الوزراء في إطار السعي الروسي لتكريس تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام.
وستعقد الجلسة العامة اليوم بين وفدي المعارضة والنظام، بحضور ممثلي الدول الثلاث الضامنة، بالإضافة لحضور المبعوث الأممي غير بيدرسن، وممثلين عن دول جوار سورية، وهي لبنان والعراق والأردن.
قصف روسي على إدلب
وقبل ساعات من بدء اليوم الأول من الجولة الحالية، قصف الطيران الحربي الروسي مناطق في إدلب شمال غربي سورية. وشنت طائرتان ثماني غارات باستخدام صواريخ شديدة الانفجار غربي مدينة إدلب (مركز المحافظة)، التي تخضع لـ"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، وتضم مخيمات للنازحين أيضاً، ما أدى إلى أضرار مادية جسيمة في ممتلكات المدنيين.
بالتزامن قصفت قوات النظام صباح أمس بالمدفعية والصواريخ الأراضي الزراعية القريبة من خطوط التماس في جبل الزاوية جنوبي إدلب، ومحاور الأتارب وكفرعمة غربي حلب، موقعة أضراراً مادية في ممتلكات المدنيين.
أمل بوغدانوف إحراز تقدم بتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق
ويأتي التصعيد بالتزامن مع إعلان النظام إرساله تعزيزات عسكرية إلى ريف حلب الشمالي. ونقلت صحيفة "الوطن" الموالية للنظام عن مصدر ميداني "وصول تعزيزات ضخمة" لقوات النظام إلى مناطق ريف حلب الشمالي، مرجحاً أن "تشهد مناطق الشمال السوري سيناريو ميدانياً مشابهاً لسيناريو استعادة الجيش لطريق أم 5، إذ إن استعادة الجيش العربي السوري لزمام المبادرة باتت حتمية في تلك المنطقة".
وحول الأجندة الرسمية للاجتماعات، أكدت وزارة الخارجية الكازاخستانية أن جدول الأعمال سيشمل قضايا تغيير الأوضاع الإقليمية حول سورية والوضع على الأرض والجهود المبذولة للتسوية الشاملة فيها، فضلاً عن قضايا مكافحة الإرهاب وإجراءات بناء الثقة والإفراج عن الرهائن. كما سيتم بحث مواضيع المفقودين والوضع الإنساني وحشد جهود المجتمع الدولي لتعزيز إعادة إعمار سورية بعد انتهاء النزاع، وتهيئة الظروف لعودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم.
خريطة طريق للتطبيع بين النظام وتركيا
وقال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، في أستانة أمس الثلاثاء، إن "موسكو تأمل إحراز تقدم في العمل على خريطة طريق لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق".
وأضاف: "للمرة الاولى ينظم هنا حدث ثانٍ وبشكل متواز، هو اجتماع لأربع دول، هي تركيا وسورية وروسيا وإيران، على مستوى نواب وزراء الخارجية، نعمل خلاله على قضايا تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة". وأشار إلى أن تلك عملية مهمة يجب أن تستند إلى مبادئ متفق عليها هي الاحترام المتبادل لسلامة الأراضي والوحدة والسيادة.
وقبيل الاجتماع الرباعي، عقد وفدا روسيا والنظام اجتماعاً ثنائياً حضره عن بوغدانوف ومبعوث الكرملين إلى سورية ألكسندر لافرنتييف، ورئيس وفد النظام معاون وزير الخارجية أيمن سوسان، الذي التقى كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية الخاصة علي أصغر خاجي، ووفد الأمم المتحدة برئاسة المبعوث الخاص إلى سورية غير بيدرسن.
وتوقع المحلل السياسي والباحث المختص في الشأن الروسي طه عبد الواحد، المقيم في موسكو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "يدعو النظام السوري، مدعوماً بالموقف الروسي، إلى نقل اجتماعات اللجنة الدستورية إلى مدينة بديلة، وسيزعم في طرحه هذا أنه حريص على الاستجابة للرغبة العربية بتفعيل الدور العربي في تسوية الأزمة السورية".
وأضاف: "أما روسيا فإنها سبق وأن دعت إلى نقل الاجتماعات من جنيف، وتقول إن دبلوماسييها لم يعودوا قادرين على المشاركة في الاجتماعات هناك بسبب العقوبات الغربية. وما يجري ليس سوى خطوة إضافية لتحجيم الدور الدولي، ومنح مساحات أكبر لدول عربية باتت مواقفها شبه متطابقة مع موقف موسكو ودمشق".
التركيز على التطبيع بين دمشق وأنقرة
وأضاف عبد الواحد أن "الملف الثاني الذي سيتم التركيز عليه هو التطبيع بين دمشق وأنقرة، وخريطة الطريق للتطبيع التي أعلن الروس أنها أصبحت جاهزة، إلا أنه لم يصدر أي تصريح تركي عن هذه الخريطة. وأغلب الظن أننا لن نشهد الكثير من التطورات في هذا الملف، وربما ينتهي الأمر بتوافق على دراسة الخريطة المقترحة، و(وضع رؤية للتطبيع) مناسبة لجميع الأطراف، يتم بحثها في الاجتماعات المقبلة وعبر الاتصالات الثنائية".
استبعد مصطفى بكور تكرار تجربة النظام وروسيا تجربة الوصول إلى طريق أم 5
وقال عبد الواحد: "من غير المتوقع أن يطرأ أي تغيير جذري خلال الاجتماع على الموقف التركي بشأن الوضع في شمال شرق سورية أو في إدلب وريف حلب، كما لا توجد أي إشارات تدعو للتفاؤل بشأن أي تقدم حقيقي في ملف المعتقلين في سجون النظام السوري. وقد نسمع عن (تطورات) يؤكدها رئيس وفد النظام، إلا أنه في الواقع لن يتجاوز الأمر إطلاق سراح عشرات من أصل مئات آلاف المعتقلين، حتى يستغل النظام هذه الخطوة في (إرضاء) دول التطبيع".
وحول تلويح النظام بإمكانية التقدم العسكري شمال غربي سورية، بالتزامن مع التطورات الحالية، رأى القيادي في المعارضة العسكرية السورية العقيد مصطفى بكور أنه "في ظل الظروف الدولية السائدة، حيث تعد روسيا ضعيفة، وإيران مشغولة بمشكلاتها الداخلية وتربكها الهجمات الإسرائيلية على مواقع قواتها داخل الأراضي السورية، والنظام السوري يعاني من انعدام الموارد وتغول الفساد ومهدد بالمحاكم الدولية، لا أجد إمكانية حقيقية لتكرار تجربة الوصول إلى طريق أم 5، مع رغبة النظام بالوصول إلى طريق أم 4، الواصل بين حلب واللاذقية مروراً بإدلب".
وأضاف: "ما نراه من حشود للنظام في مناطق مختلفة، لا أعتقد أنها تتعدى محاولات ضغط على الأتراك والمعارضة خلال جولة أستانة الحالية". وتابع: "بالنسبة للأتراك، أعتقد أنه بعد الانتخابات واستقرار الوضع بالنسبة لأردوغان وحزب العدالة والتنمية أصبح الموقف التركي أقوى، ولا يمكن لتركيا أن تتنازل أكثر أمام النظام وروسيا. أعتقد أننا سنرى تشدداً تركياً في التعامل مع نظام (بشار) الأسد خلال الفترة المقبلة".