التهجير والقتل الجماعي في شمال غزة... تطبيق خطة الجنرالات حرفياً

19 نوفمبر 2024
مهجرون من بيت لاهيا، 17 نوفمبر 2024 (داود أبو الكاس/الأناضول)
+ الخط -

تأخذ العملية العسكرية الإسرائيلية في شمال قطاع غزة شكلاً مختلفاً، مع تواصلها للشهر الثاني على التوالي وغياب التدخل الدولي والضغط الحقيقي على الاحتلال لوقف عمليات الإبادة الجماعية والتهجير التي يقوم بها بحق عشرات الآلاف من السكان المحاصرين، والذين أجبر الكثيرون منهم على إخلاء مناطقهم في مخيم جباليا والمنطقة الغربية منه ومشروع بيت لاهيا وبيت لاهيا وبيت حانون في إطار تطبيقه خطة الجنرالات في شمال غزة. ويعمل الاحتلال الإسرائيلي للأسبوع الخامس على التوالي على تهجير الفلسطينيين وترحيلهم من مناطق شمالي القطاع إلى مدينة غزة، بعدما فشل سابقاً في إخراجهم نحو جنوب ووسط القطاع، ضمن خطة الجنرالات التي تنص على تجويع الفلسطينيين ومحاصرتهم لإخلاء الشمال وجعله منطقة عسكرية مغلقة ومدمرة.

تطبيق خطة الجنرالات

ورغم النفي الإسرائيلي المتكرر، سواء عبر التصريحات الرسمية أو عبر التسريبات التي تتم عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية لوجود نية بتطبيق خطة الجنرالات، إلا أن الاحتلال يطبق على الأرض ما لا يعلنه في الخطط الرسمية، وهو ما يجري على أرض الميدان في مناطق الشمال، منذ أن بدأ عمليته العسكرية في جباليا في الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

حسام الدجني: الاحتلال يهدف لتوفير بيئة تساهم في إقامة مناطق عازلة ومستوطنات

وفي إطار تطبيق خطة الجنرالات ركزت العملية العسكرية في الشمال على تهجير الفلسطينيين من المنطقة بعد حصار مطبق من الجهات الأربع، ثم قامت قوات الاحتلال بعمليات اعتقال في صفوف الرجال والفتيان ووجهت النساء والأطفال إلى المناطق الغربية من مدينة غزة بعدما نكلت بهم وهددتهم بالإجهاز عليهم في حال بقوا في مناطقهم. تضاف إلى ذلك الاقتحامات التي جرت لمراكز الإيواء التابعة لوكالة "أونروا" أو غيرها من المراكز التي أنشئت بجهود شعبية لإيواء المهجرين الذين دمرت منازلهم جراء حرب الإبادة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في القطاع. وتعتبر العملية العسكرية الحاصلة حالياً في مناطق جباليا وبيت لاهيا هي الثالثة بعد عمليتين سابقتين في أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني 2024، ومايو/ أيار ويونيو/ حزيران 2024، استخدم فيهما الاحتلال الأساليب ذاتها، من خلال منع إدخال الوقود للمستشفيات والأغذية إلى المنطقة.

وبحسب بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن التقديرات بشأن عدد السكان في مناطق شمال غزة تشير إلى أن الإجمالي المتبقي فيها يراوح بين 65 و75 ألف شخص في أفضل الأحوال. وتعكس الأرقام عمليات التهجير التي جرت في الشمال من قبل القوات الإسرائيلية، حيث كانت التقديرات في بداية العملية العسكرية في الشمال تشير إلى وجود 300 ألف نسمة حسب بيانات المكتب الإعلامي الحكومي ووكالة "أونروا". ورغم الطلب الإسرائيلي المتكرر للسكان بإخلاء منازلهم والتوجه نحو جنوبي القطاع، إلا أن الاحتلال كان يطلق النار على المناطق التي حددها مساراً للتهجير، فيما قرر السكان التوجه نحو المناطق الغربية لمدينة غزة. ويركز الاحتلال الإسرائيلي على اتباع أسلوب التطهير العرقي ومسح مربعات سكنية بأكملها من أجل إرغام من بقي من السكان على النزوح إلى مدينة غزة على أقل تقدير وإخلاء منازلهم وأحياءهم المدمرة في الشمال خلال الفترة الحالية.

فرض الأمر الواقع

يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة في غزة حسام الدجني إن الاحتلال يتبع أسلوب فرض الأمر الواقع في كل عملياته العسكرية في القطاع من أجل تحسين مسار التفاوض عند اقتراب نهاية الحرب. ويضيف الدجني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ما يقوم به الاحتلال حالياً هو مزيج من خطة الجنرالات وأفكار أخرى تساهم في تحقيق هدفي الإبادة والقتل والتهجير الطوعي والقسري للمدنيين، وتوفير بيئة تساهم في إقامة مناطق عازلة ومستوطنات في وقت لاحق. ويعتقد الدجني أن الانسحاب الإسرائيلي لن يتحقق إلا بتحقق ثلاثة عوامل، الأول هو استمرار الصمود الأسطوري للسكان الفلسطينيين وقدرة المقاومة على الفعل المؤثر، والثاني هو حراك شعبي ورسمي إقليمي ودولي يربك مصالح الغرب ويضغط على الجميع لتحمل المسؤولية ووقف الحرب. ووفقاً للدجني، فإن العامل الثالث مرتبط بجبهة الاحتلال الإسرائيلي الداخلية ومدى القدرة على التأثير عليها، سواء بالفعل العسكري أو الحرب النفسية أو الإشكالات الداخلية بين المكونات السياسية الإسرائيلية.

وبحسب إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن إجمالي عدد الشهداء منذ بداية العملية العسكرية في الشمال بلغ ألفي شهيد بالإضافة إلى آلاف المصابين ومئات المفقودين الذين لم تتم معرفة وضعهم جراء توقف عمليات الدفاع المدني بسبب التهديدات الإسرائيلية. في المقابل، يعترف الاحتلال الإسرائيلي بمقتل 30 جندياً وضابطاً من مختلف وحداته القتالية التي تشارك في العدوان على مناطق جباليا وبيت لاهيا، إضافة لعشرات الإصابات في صفوف القوات الإسرائيلية جراء الاشتباكات المتواصلة مع المقاومة الفلسطينية.

ناجي شراب: شمال القطاع يكتسب أهمية خاصة تتمثل في التصاقه بالحدود مع الاحتلال ومستوطنات الغلاف

من جانبه، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة ناجي شراب إن شمال القطاع يكتسب أهمية خاصة تتمثل في التصاقه بالحدود مع الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنات الغلاف. ويوضح شراب، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن عمليات الإخلاء القسري التي يقوم بها الاحتلال تستهدف جعل المنطقة معزولة عن بقية المناطق في غزة، وإعادة صياغة الشكل الديمغرافي لها لاحقاً مع إمكانية فتح باب الهجرة مستقبلاً. ويشير إلى أن إفراغ المناطق من السكان يستهدف بدرجة أساسية تحقيق أهداف أمنية، بالإضافة إلى أهداف سياسية يمكن تحقيقها في المستقبل عند الوصول إلى مرحلة التفاوض لوقف إطلاق النار.

ويلفت إلى أن الاحتلال ليس بحاجة للإعلان عن تنفيذ خطة الجنرالات، فما يقوم به على الأرض هو تنفيذ حقيقي وفعلي لها، لا سيما بعد عمليات التهجير التي قام بها، علاوة على عمليات النسف والتدمير الجارية للأحياء والمربعات السكنية. ويعتقد شراب أن فترة الشهرين المقبلين هي الأخطر في الحرب نظراً للسلوك الإسرائيلي المتسارع في تحويل ما تبقى من غزة لمناطق غير صالحة للحياة، وترقب ما سيحمله الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب من طرح سياسي لإنهاء الحرب. ويرى أستاذ العلوم السياسية أن قدوم ترامب قد لا يعني بالضرورة إنهاء الحرب في غزة، لا سيما أنه سبق أن قدم وعوداً في ولايته الأولى على حساب الحقوق الفلسطينية، وهو أمر قد يفتح الباب لتنفيذ المزيد من العمليات والإبادة في غزة.