- العمليات العسكرية الإسرائيلية المتكررة تهدف لتوسيع "المنطقة الآمنة" عبر تحييد مفارز الهاون ومنصات الصواريخ، في محاولة لإحكام السيطرة على المناطق الاستراتيجية.
- المقاومة الفلسطينية تواصل تطوير خططها العملياتية لمواجهة القوات الإسرائيلية، مظهرة قدرة على الصمود والمقاومة في وجه العمليات العسكرية المتكررة.
هذه ثانية عمليات الاحتلال في حي الزيتون منذ بدء الحرب الحالية
يرغب الاحتلال بتوسيع المنطقة الآمنة لقواته مع تكرار تعرضها لهجمات
تؤكد العملية حجم العمق والتماسك في البنية التحتية للمقاومة
على نحو مفاجئ، وبينما تتجه الأنظار إلى مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة، شرعت قوات الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ "عملية عسكرية" في حي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة، وهو أحد الأحياء التاريخية للمدينة. واضطر المئات من الفلسطينيين للنزوح من الحي في ساعات الفجر الأولى، والذي يُعتبر من الأحياء التي شهدت أعمالاً عسكرية محدودة من قبل الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب الحالية.
ويرتبط حي الزيتون بذكريات "ملحمية" مع الاحتلال الإسرائيلي على مدار الانتفاضتين الأولى والثانية، بالإضافة للحروب وجولات التصعيد التي تلت الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005، وحتى عام 2023. تاريخياً، بدأ تأسيس حي الزيتون في ثلاثينيات القرن الماضي، واستقبل مهجّري نكبة عام 1948، وتعود تسميته لأشجار الزيتون الكثيفة المزروعة في مساحات واسعة؛ ما جعله رئة لقطاع غزة، كما توجد به معالم تراثية. وتوجد في الحي مساجد أثرية مثل جامع الشمعة، ومسجد العجمي، وجامع كاتب الولاية الذي يضم مئذنة عتيقة، مكتوباً عليها كتابات منذ عام 735، ويضمّ مقبرة يطلق عليها "تربة الشهداء".
ويضمّ حي الزيتون آثاراً إسلامية، بالإضافة إلى كنيسة برفيريوس، التي تُعتبر ثالث أقدم كنيسة في العالم، وبُنيت في القرن الخامس الميلادي، وقصفها الاحتلال في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فيما يقع الحي في قلب المدينة القديمة، ويخترقه شارع عمر المختار، أحد أشهر شوارع غزة، ويضم أسواقاً تجارية، أشهرها سوق السروجية.
وبحسب تقديرات محلية، فإن الحي يُعتبر من الأحياء الأكثر كثافة من ناحية السكان، حيث يبلغ تعداد سكانه أكثر من 8 آلاف نسمة، ويُعدّ المدخل الجنوبي لمدينة غزة، وتنتشر فيه الأشجار بشكلٍ كبير، ما يجعل القتال فيه معقداً. واكتسب حي الزيتون شهرته العسكرية لمواجهته التوغلات الإسرائيلية في فترة ما قبل الانسحاب الإسرائيلي وما بعده، حيث كانت فصائل المقاومة الفلسطينية تخوض معه اشتباكات ضارية، وتسجل تفوقاً ميدانياً يجبره على الانسحاب دائماً.
ومع بدء التوغل في حي الزيتون، ستكون هذه العملية العسكرية الثانية التي ينفذها الاحتلال في الحي خلال الحرب الحالية، بعد العملية الأولى التي جرت في المناطق الشرقية والجنوبية للحي، نهاية العام الماضي، وانتهت دون تمكن القوات الإسرائيلية من الوصول إلى مناطق الوسط. وشهدت المعارك الأولى التي خاضتها المقاومة الفلسطينية في حي الزيتون قتالاً ضارياً، تمكنت خلاله الأذرع العسكرية للمقاومة من توجيه ضربات في مقتل للاحتلال، دفعته في نهاية المطاف للانسحاب، والعودة لنقطة التمركز في منطقة "نتساريم" وسط القطاع.
نزوح جديد وقصف اسرائيلي عنيف على حي الزيتون شرق مدينة غزة pic.twitter.com/MY62Uo4J6Y
— أنس الشريف Anas Al-Sharif (@AnasAlSharif0) May 9, 2024
وخلال الحرب الحالية، اعترف جيش الاحتلال بمقتل ضابطين من لواء جعفاتي بتاريخ 22 فبراير/ شباط 2024، أحدهما قائد سرية، والآخر قائد فصيل، وأصيب 7 جنود آخرون بإصابات صُنّفت "بالغة الخطورة"، وذلك بعدما فجّرت المقاومة فتحة نفق بهذه القوات. ويُعتبر هذا الكمين نموذجاً لما شهده الاحتلال في حي الزيتون، إضافة إلى مواجهات ضارية خاضتها المقاومة الفلسطينية عند كلّ محاور التقدّم هناك، محبطةً محاولة الاحتلال السيطرة على الحي، والأهداف الإسرائيلية العامة من التوغل البريّ داخل القطاع.
منطقة عازلة في حي الزيتون
ويبدو الحديث عن العودة لتنفيذ عملية جديدة مرتبطاً برغبة الاحتلال بتوسيع "المنطقة الآمنة" لقواته، في ظل تكرار تعرضها لهجمات بقذائف الهاون من قبل كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، وسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، بالإضافة للصواريخ قصيرة المدى. وسبق أن نفذ الاحتلال عملية محدودة في منطقة شمالي مخيم النصيرات والمناطق الشرقية للمغراقة وسط القطاع للسبب نفسه، حيث تتعرض قواته لهجمات بالقذائف بشكل يومي، وسط تصاعد لهذه الهجمات.
وفي السياق، يقول مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات الاستراتيجية أحمد الطناني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ الاحتلال يعود إلى حي الزيتون من جديد "بعد ادعاءات عدة بنجاحه في تفكيك البنى التحتية للمقاومة في مناطق شمالي قطاع غزة". ويضيف الطناني أن "الاحتلال يعود للتوغل في حي الزيتون وشارع 8 بهدف خلق منطقة عازلة، لتأمين تمركز الجيش في محور نتساريم الفاصل بين شمال القطاع وجنوبه، إذ شكلت الأيام الماضية الضربات المكثفة بقذائف الهاون والصواريخ قصيرة المدى، حالة استنزاف كبرى لقواعد الجيش، ومراكز القيادة والسيطرة، وخطوط الإمداد".
ويلفت إلى أن "الاحتلال، وبعد فشل عملياته شمالي النصيرات في تحقيق العمق الآمن الذي احتاجه جيشه لتحييد مفارز الهاون ومنصات إطلاق الصواريخ، يعمل الآن عن البحث عن هذا العمق في منطقة شرقي محور نتساريم وشماله، أي حي الزيتون ومشارف حي تل الهوا". ويشدد على أن هذه العملية "تؤكد حجم العمق والتماسك في البنية التحتية للمقاومة، وحجم قدرتها على التعامل مع مستجدات الأحداث، وتطوير خططها العملياتية في مختلف محاور القتال، بما يتناسب مع ضرورات الميدان ومتطلبات المرحلة".
من جهته، يرى المحلل والمختص بالشأن السياسي الإسرائيلي، سليمان بشارات، أن الاحتلال الإسرائيلي يريد من وراء تكرار عملياته العسكرية في المحاور التي سبق وأن عمل بها، أن يستهدف المناطق التي يعتقد أن المقاومة أعادت ترتيب صفوفها فيها. ويقول بشارات لـ"العربي الجديد"، إنّ "من بين الأسباب هو الجيش نفسه، متمثلاً في الروح المعنوية للجنود، حيث إن الإبقاء على الجيش من دون الخوض في معارك أو قتال يجعل الجندي الإسرائيلي يعيش حالة من الضعف الداخلي". ويعرب عن اعتقاده في أن "جزءاً من هذه العمليات مرتبط بإبقاء الجنود والوحدات القتالية لجيش الاحتلال في حالة تنشيط شبه دائمة، من خلال الدخول لتنفيذ عمليات في الأماكن ذاتها التي سبق وأن عمل بها".
ويشير بشارات إلى أن "من بين الأهداف ما هو متعلق بالطبيعة الإدارية، إذ إن جزءاً كبيراً من هذه المناطق تعود المقاومة الفلسطينية وحركة حماس إلى ترتيب نفسها فيها، دون ترك فراغ، في حين أن الاحتلال يريد حالة الفراغ حتى تمتد في كل مناطق القطاع". ويرى أن "هناك حالة من الإحراج التي باتت تسيطر على القيادة العسكرية والأمنية للاحتلال، متعلقة في كون المناطق التي ينفذ فيها عملياته وقريبة من نتساريم، تعود لنشاطها السابق، وبالتالي فإن إعادة تنفيذ هذه العمليات هي بمثابة رسالة للتخلص من الضغط والحرج الذي يعاني منه الاحتلال".