أنهت نتائج "الثلاثاء الكبير" لدى الحزبين الجمهوري والديمقراطي، عملياً مسار ترشيحات الحزبين للانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، واضعة الرئيسين، السابق دونالد ترامب والحالي جو بايدن، في ما يمكن وصفه بـ"مباراة العودة"، بعد انتخابات قاسية في عام 2020، تخللها اقتحام أنصار ترامب لمقر الكونغرس، وعدم اعتراف الرئيس السابق بنتائج الانتخابات في ذلك الحين.
كما أنها أنهت طموحات المندوبة الأميركية السابقة في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، والتي كانت تحاول الفوز بترشيح الحزب الجمهوري، بعدما عجزت عن تحقيق أي اختراق جدي بمواجهة ترامب، وهو ما انعكس في فوزه بمعظم الولايات، لتجد هيلي نفسها بعد نتائج "الثلاثاء الكبير" في 15 ولاية، والتي حصدها ترامب ما عدا فيرمونت، مجبرة على إعلان انسحابها من السباق الجمهوري ليصبح فوز ترامب بترشيح حزبه في مؤتمره العام في ميلووكي ـ ويسكونسن بين 15 و18 يوليو/تموز المقبل محسوماً، وإن لم تذهب أمس إلى حد الإعلان عن دعمه أو الطلب من أنصارها ذلك.
وأعلنت هيلي رسمياً إنهاء حملتها الرئاسية، أمس الأربعاء، قائلة: "ليس لدي أي ندم، وعلى الرغم من أنني لن أكون مرشحة بعد الآن، إلا أنني لن أتوقف عن استخدام صوتي للأشياء التي أؤمن بها".
هيلي تهنئ ترامب
وفي كلمة لها في تشارلستون ـ كارولينا الجنوبية، هنّأت هيلي ترامب، لكنها لم تصل إلى حد تأييده، معتبرة أنه "في جميع الاحتمالات، سيكون دونالد ترامب هو المرشح الجمهوري عندما يجتمع مؤتمر حزبنا في يوليو المقبل. أُهنئه وأتمنى له التوفيق ولأي شخص سيكون رئيساً لأميركا". وقالت: "الأمر متروك الآن لدونالد ترامب لكسب أصوات أولئك الذين في حزبنا وأصوات الذين لم يدعموه. وآمل أن يفعل ذلك".
ومن شأن حسم ترامب وبايدن معركتهما الداخلية، أن يمهد لأشهر طويلة وصعبة أمام الأميركيين، إذ ينتظر احتدام المنافسة السياسية والخطابات القاسية المتبادلة. وأظهرت نتائج 15 ولاية لدى الجمهوريين، تضم 865 مندوباً، فوزاً كاسحاً لترامب على منافسته الوحيدة هيلي.
رفض 19% على الأقل من ناخبي مينيسوتا الديمقراطيين الالتزام
في المقابل، كان الرئيس الديمقراطي جو بايدن، يحصد الولايات الـ15 لدى الديمقراطيين، ويخسر منطقة واحدة، من دون منافسة سوى مع الناخبين غير الملتزمين، الرافضين انتخابه ولاية جديدة، بفعل إدارته الموقف الأميركي الداعم لإسرائيل في عدوانها على غزة.
وأظهرت نتائج "الثلاثاء الكبير" كيف واصل ترامب خطاه المتسارعة لنيل ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسيات المقبلة. ومع انتصاراته الساحقة في 14 ولاية من أصل 15، أصبح أكثر قرباً من الحصول على 1215 مندوباً جمهورياً، العدد المطلوب من أصل 2429 مندوباً لنيل بطاقة الحزب الجمهوري، وذلك بعد حصوله على الأقل على 995 مندوباً منذ بدء الانتخابات التمهيدية الجمهورية في 15 يناير/كانون الثاني الماضي.
وسيبلغ ترامب الرقم 1215 بالحدّ الأقصى في 19 مارس/آذار المقبل، تاريخ إجراء الانتخابات التمهيدية في حزبه، في ولايات محافظة، مثل أريزونا وفلوريدا.
انتصارات ترامب في كاليفورنيا وتكساس
غير أن الأهم بالنسبة لترامب، في "الثلاثاء الكبير"، هو تحقيقه الانتصارات الكبيرة في ولايات مؤثرة، مثل كاليفورنيا وتكساس، بالإضافة إلى ألاباما وألاسكا وأركنساس وكولورادو وماين وماساشوسيتس ومينيسوتا وكارولينا الشمالية وأوكلاهوما وتينيسي ويوتا وفيرجينيا، بينما خسر فيرمونت لمصلحة هيلي.
وحملت انتخابات الثلاثاء مفارقتين لافتتين بما يتعلق بترامب، إذ إنه، وبحسب قناة "سي أن أن" فقد حصد ترامب 764 مندوباً في "الثلاثاء الكبير" من أصل 865، في مقابل 43 مندوباً لهيلي. والمفارقة هنا، أن ترامب حصل فقط على 485 مندوباً في "الثلاثاء الكبير" لرئاسيات 2016، بينما لم ينافسه أحد في التمهيديات لرئاسيات 2020 التي خسرها أمام بايدن، بحكم العرف الأميركي بدعم الحزبين أي رئيس حالي للفوز بولاية ثانية.
المفارقة الثانية، هي أن ترامب لم يكن ترشحه الرئاسي مضموناً قبل أكثر من عام، على وقع خضوعه للمحاكمة في 4 قضايا مع تراكم 91 جنائية بحقه فيها، لكنه حقق هجمات ارتدادية ناجحة، آخرها إلغاء المحكمة العليا، وبالإجماع، حكم محكمة كولورادو القاضي بعدم أهلية ترامب للترشح لانتخابات الرئاسة التمهيدية للحزب الجمهوري في ولاية كولورادو على خلفية تورطه المفترض في الهجوم على "كابيتول هيل"، مقر الكونغرس، في 6 يناير 2021، مما سيمكّنه من خوض تلك الانتخابات.
وبدا ترامب وكأنه انتقل لمرحلة تالية من معركته الانتخابية ضد بايدن، بدعوته إثر ظهور النتائج الأولية لـ"الثلاثاء الكبير" إلى الوحدة الداخلية في الحزب الجمهوري، معتبراً في خطاب أمام أنصاره في منتجعه في مارآلاغو ـ فلوريدا، أنه "نريد أن تكون لدينا وحدة، وستكون لدينا وحدة، وهذا سيحدث بسرعة كبيرة".
ولم يشر إلى هيلي في خطابه، لكنه تطرق إليها خلال حديثه لقناة "فوكس نيوز" مساء الثلاثاء، معبراً عن تمنياته لها بـ"التوفيق، رغم أن الطريق مسدود أمامها"، في إشارته إلى انعدام حظوظها في منافسته.
في المقابل، رفضت هيلي مرة أخرى الاستسلام سريعاً، على الرغم من هزيمتها الساحقة، إذ أصدرت المتحدثة باسم حملتها، أوليفيا بيريز ـ كوباس، بياناً أولياً ردت فيه على دعوات ترامب للوحدة الحزبية بالقول: "لا تتحقق الوحدة بمجرد الادعاء بأننا متحدون"، معللة ذلك بأنه "لا تزال هناك كتلة كبيرة من الناخبين الجمهوريين الذين يعبرون عن قلقهم العميق بشأن دونالد ترامب".
وكانت هيلي قد ذكرت بدورها في حديثٍ لقناة "فوكس نيوز"، مساء الثلاثاء، أن "الجميع يقولون إنه إذا كنت لا تدعم دونالد ترامب فأنت ديمقراطي"، واصفة هذه الدعوات بـ"الأمر الفظيع ولا يوحد" الحزب. وشدّدت على أن أي قرار يتعلق بدعم ترامب ضد بايدن "ليس قراراً يجب أن أتخذه اليوم" قبل أن تعلن هيلي بعد ذلك بساعات الانسحاب بعدما كانت المؤشرات تشير إلى ذلك، إذ لم تلق كلمة بعد صدور النتائج الأولية وعادت إلى تشارلستون في كارولينا الجنوبية، ولم تخطط حملتها لأحداث مستقبلية مرتبطة بالانتخابات، خصوصاً أن انتصارات هيلي اقتصرت على مقاطعة كولومبيا، التي تضم العاصمة واشنطن، وعلى ولاية فيرمونت، في مقابل فوز ترامب بـ24 ولاية.
واللافت أن فوز هيلي في فيرمونت، كان الأول من نوعه لامرأة جمهورية في تاريخ الولاية. وبإعلانها الانسحاب أمس تكون هيلي قد أنهت أشهراً طويلة من تحدي ترامب.
وتمكنت هيلي من البقاء على قيد الحياة سياسياً، وأرجأت حسم ترامب المعركة الجمهورية أشهراً طويلة، تحديداً بعد انسحاب المنافس الأبرز للرئيس السابق، حاكم فلوريدان رون ديسانتيس.
ترامب يدعو للوحدة الحزبية والتركيز على هزيمة بايدن
وسبق لهيلي أن تعهدت في وقت سابق من الحملة بتأييد مرشح الحزب في نهاية المطاف، لكنها رفضت منذ ذلك الحين إعادة تأكيد هذا الالتزام عندما سئلت عن ترامب. واعتبرت أنه "لدي مخاوف جدية بشأن دونالد ترامب لكن لدي مخاوف أكثر جدية بشأن جو بايدن".
أما على الجانب الديمقراطي، لم يكن اكتساح بايدن جميع الولايات الـ15 مفاجئاً، لغياب أي منافس جدي في معسكر حزبه، غير أن تعثره الوحيد جاء في منطقة ساموا الأميركية، وهي جزيرة صغيرة في المحيط الهادئ. هناك حقق رجل أعمال غير معروف، وهو جيسون بالمر، فوزاً لافتاً بحصوله على 56 في المائة من أصوات الناخبين في مقابل 44 في المائة لبايدن.
إلا أن الرئيس الأميركي، باشر معركته ضد ترامب، مشيراً في بيان بعد صدور نتائج الحزب الديمقراطي الأولية إلى أن "كل جيل من الأميركيين سيواجه لحظة يتعين عليه فيها الدفاع عن الديمقراطية. دافعوا عن حريتنا الشخصية. دافعوا عن حق التصويت وحقوقنا المدنية. إلى كل ديمقراطي وجمهوري ومستقل يؤمن بأميركا حرة ونزيهة: هذه هي لحظتنا. هذه هي معركتنا. معاً سنفوز".
ورمى بايدن الكرة في ملعب الناخبين بقوله: "نتائج (الثلاثاء الكبير) تترك للشعب الأميركي خياراً واضحاً: هل سنستمر في المضي قدماً أم سنسمح لدونالد ترامب بجرنا إلى الوراء، إلى الفوضى والانقسام والظلام الذي ميز فترة ولايته؟".
ومن المتوقع أن يتطرق بايدن إلى المعركة الرئاسية بصورة أشمل، في خطاب حال الاتحاد، المقرر مساء اليوم الخميس. وحصل بايدن على دعم 1707 مندوبين على الأقل من أصل 3934 مندوباً في الحزب الديمقراطي، ويحتاج إلى القليل للوصول إلى عتبة 1968 مندوباً، التي تسمح للحزب بتبنّي ترشيحه رسمياً، في المؤتمر الحزبي العام بين 19 أغسطس/آب المقبل و22 منه في شيكاغو ـ إيلينوي.
خصم بايدن غير المرئي
إلا أن بايدن يواجه خصماً غير مرئي، وهو الناخبون الديمقراطيون غير الملتزمين، الممتنعون عن دعمه بسبب موقفه المؤيد لإسرائيل في عدوانها على غزة، الذي تحول منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى ملف خلافي يؤرق صفوف الحزب الديمقراطي.
وظهر أن طيفاً واسعاً من أجنحة الحزب المنتمية إلى العرب والمسلمين واليسار والتقدميين، قادوا وشاركوا في تظاهرات احتجاجية في مدن أميركية عدة، رفضاً للدعم الأميركي لإسرائيل، وداعين لقيام دولة فلسطينية.
وبلغة الأرقام، فإن 3.9 في المائة من ناخبي أيوا الديمقراطيين، و6 في المائة في ألاباما و7.6 في المائة في كولورادو و9.4 في المائة في ماساشوسيتس و19 في المائة في مينيسوتا و12.7 في المائة في كارولينا الشمالية و7.9 في المائة في تينيسي، امتنعوا عن التصويت. وهو ما أظهر، مع نتائج الامتناع في ولايات أُجريت فيها الانتخابات لدى الحزب الديمقراطي سابقاً، خصوصاً ميشيغن (امتنع 13.2 في المائة عن التصويت)، بلوغ معدل الممتنعين على المستوى الوطني 5.3 في المائة، مهددين احتمالات فوز بايدن بالولايات المتأرجحة أمام ترامب في 5 نوفمبر.
مع العلم أنه في آخر استطلاعات للرأي حول حظوظ ترامب وبايدن في الرئاسيات، بدا أن الرئيس الأميركي في حاجة إلى أصوات غير الملتزمين، إذ منح مؤشر "ريل كلير بوليتيكس" 45.5 في المائة لبايدن في مقابل 47.5 في المائة لترامب. أما مؤشر "ديشيجن ديسك أتش كيو/ذا هيل"، فقد منح ترامب 45.6 في المائة في مقابل 43.5 في المائة لبايدن. ونُشرت نتائج المؤشرين الأحد الماضي.
تمكنت هيلي من أن تكون أول امرأة تفوز بولاية فيرمونت
ووفقاً لمركز "أبحاث إديسون"، فإن "الطلاب ونساء الضواحي والنشطاء اليهود الليبراليين كانوا من بين أولئك الذين انضموا إلى الأميركيين المسلمين غير الملتزمين". وبحسب كريستيان بيترسون، طالب القانون في جامعة مينيسوتا، فإن ارتفاع أرقام الناخبين غير الملتزمين "طريقة قوية لتوجيه رسالة إلى الإدارة للتوقف عن إرسال المساعدات العسكرية إلى إسرائيل".
وأوضح في حديثٍ لوكالة "رويترز"، أنه صوّت لصالح بايدن في رئاسيات 2020، لكنه غير ملتزم في رئاسيات العام الحالي. أما والتر فروم، الذي وصف نفسه بـ"اليهودي المناهض للصهيونية"، فقال لـ"رويترز"، إن "مجتمعي اليهودي بأكمله لم يلتزم مع بايدن"، متوقعاً أن هذه الحركة ستنظم نفسها في ولايتي جورجيا وبنسلفانيا خصوصاً، وولايات رئيسية أخرى".
ورأى البعض أن قفز نائبة الرئيس، كامالا هاريس، إلى دائرة الأضواء أخيراً، مع دعوتها الأحد الماضي، إلى "وقف مؤقت لإطلاق النار" في غزة، أظهرت أن "الإدارة، وتحديداً نائبة الرئيس، تستمع إلى أصوات غير الملتزمين". وحول ذلك، قالت أسماء نظامي، وهي إحدى الناشطات التي دعت لعدم الالتزام في ولاية مينيسوتا لـ"رويترز": "لا أعتقد أن نائبة الرئيس كانت ستدلي بمثل هذا البيان الشامل، لولا "الثلاثاء الكبير". وكانت هاريس، قد اعتبرت أن "إسرائيل بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد للسماح بدخول المساعدات إلى غزة... الناس يعانون من ظروف غير إنسانية وكارثة إنسانية".
وذهبت إلى أبعد من ذلك في تصريحاتها التي انتقدت فيها الحكومة الإسرائيلية أكثر مما فعل بايدن. وقال مسؤول في حملة بايدن، لم يرغب في الكشف عن هويته لـ"رويترز"، إن "بايدن سمع الناخبين المشاركين في الحملات غير الملتزمة... وهو يشاركهم هدفهم من أجل سلام عادل ودائم ويعمل بلا كلل لتحقيق هذه الغاية".