لماذا يجب على التاريخ أن يعيد نفسه وبالتفاصيل ذاتها في الجزائر، من دون أن تأخذ السلطة والجيش والفواعل السياسية العبرة لتفادي نفس النهايات، وإعادة إنتاج الأزمة والتشوهات التي ترهن مستقبل البلد؟
في 1995 جرت انتخابات رئاسية في الجزائر، في خضم أزمة سياسية وأمنية عاصفة. تلاها بعد أقل من عام، استفتاء على دستور جديد. وبعد نصف عام، في مايو/أيار 1997، جرت انتخابات نيابية. اتُخذ لهذا المسار عنوان يعطي الانطباع أن البلد يتجه إلى تحول وتغيير سياسي: "التقويم المؤسساتي".
لكن هذا المسار كله لم يحل أزمة ولم ينتج حلاً، وانتهى بعد فترة قصيرة باستقالة الرئيس ليامين زروال في سبتمبر/أيلول 1998. واضطر البلد إلى البدء من الصفر مجدداً مع عبد العزيز بوتفليقة في 1999. كان واضحاً أن المؤسسة الحاكمة حينها، تختزل أزمة الحكم بكل أبعادها في شرعية الانتخاب. تماماً كما في الوقت الراهن. وتعتقد أن الحل بالضرورة في الصندوق، من دون أن يسبقه توفر عوامل أخرى، لذلك رفضت وبشدة كل مبادرة دعت إلى صياغة حل سياسي قبل الانتخابات، بما فيها المبادرة، التي طرحتها في يناير/كانون الثاني 1995، قوى وشخصيات عاقلة وذات رمزية تاريخية أيضاً، (أحمد بن بلة وحسين آيت أحمد وعبد الحميد مهري)، تتضمن حواراً وطنياً جامعاً يؤهل البلاد للخروج من الأزمة ويضعها على سكة الحل.
قد يختلف السياق وتتباين التفاصيل بين المراحل. لكن نتيجة مسار 1995 معروفة للجميع، وتُفرض على الجزائريين الآن، وقد قطعوا في مسار مماثل منذ ديسمبر/كانون الأول 2019 شوطين من ثلاثة، إجراء انتخابات رئاسية واستفتاء دستوري، في انتظار شوط ثالث في الربيع المقبل، بإجراء انتخابات نيابية، وأن يفضي هذا المسار، الذي فُرض دون أن يسبق ذلك توفير الظروف والشروط الملائمة لنجاحه، إلى نقل البلاد لحالة تغيير سياسي وتحقيق التطلعات الديمقراطية. لأن النوايا على افتراض حسنها لا تكفي مطلقاً.
المخرجات التي انتهى إليها الاستفتاء والمقاطعة الشعبية الواسعة بنسبة 77.3 في المائة، يجب أن توضع في سياقها. هي مقاطعة لمسار كامل وليس لاستفتاء. وحصول الدستور الجديد على تزكية 3.3 ملايين من مجموع 24.3 مليون ناخب، هو رفض للمسار وليس للدستور بالضرورة. الأزمة ستكون أكثر عمقاً إذا غامرت السلطة بالذهاب إلى انتخابات نيابية ومحلية قد تفرز مؤسسات معطوبة في السند الشعبي، من دون أن يسبقها حل وحوار سياسي حقيقي، تكون مخرجاته ملزمة للجميع.
أثبت الاستفتاء الأخير مجدداً، أن الحل السياسي يجب أن يسبق الصندوق وقد يأتي من خارجه. البلاد لا تعيش أزمة مؤسساتية حصراً، ولا أزمة نص دستوري، لكنها تعاني من أزمة سياسية ومأزق الخيار الديمقراطي. كلما مر وقت أكثر، كلما اقتربنا من ظروف أزمات أعقد. من الخطأ الاعتقاد أن تعزيز القدرات الدفاعية للجيش وتكديس السلاح، يمكن أن يحميا البلاد من أزمات ومشكلات عميقة. ومن الخطأ الفادح الاعتماد على مقاربات حل تعود إلى ما قبل 22 فبراير/شباط 2019.