يمهّد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لاتخاذ خطوة سياسية جريئة الأسبوع المقبل، تتعلق بإلغاء استخدام اللغة الفرنسية في الإدارات والقطاعات الحكومية، وإحلال اللغة العربية، وذلك في مناسبة تاريخية بالغة الأهمية تخصّ إحياء ذكرى اندلاع ثورة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي (1954)، والتي تصادف في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني. وتأتي خطوة تبون المرتقبة، ضمن خطوات سياسية جدّية من قبل الجزائر، تستهدف الرد على باريس، وعلى تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أساءت للجزائر.
وفي السياق، تؤكد مصادر متطابقة أن تبون سيصدر مذكرة رئاسية عشية الاحتفال بذكرى ثورة التحرير، تتضمن قراراً يقضي بمنع استخدام اللغة الفرنسية في المؤسسات الحكومية والمراسلات والوثائق، وإحلال اللغة العربية "تكريساً للمبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، وتطبيقاً للباب الأول من الدستور، لا سيما المادة الثالثة منه، التي تنص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة". وهذه الخطوة من شأنها رفع التجميد المطبق على قانون جزائري كان صدر في عام 1991 ويتعلق بتعميم استخدام اللغة العربية، وهو القانون الذي كان الرئيس السابق ليامين زروال قد أعاد إصداره عام 1996، قبل أن يقدم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة على تجميده مجدداً.
يتوالى صدور قرارات وزارية بإلغاء اللغة الفرنسية وإحلال اللغة العربية مكانها
وقبل صدور المذكرة الرئاسية، مهدت الحكومة الجزائرية بالترتيبات العملية لذلك، حيث يتوالى صدور قرارات وزارية بإلغاء اللغة الفرنسية وإحلال اللغة العربية مكانها. وأصدرت وزارة التشغيل والضمان الاجتماعي يوم الثلاثاء الماضي مذكرة وجّهتها إلى الإدارات المركزية والمحلية التابعة للقطاع، تقضي بتعريب كلّ الوثائق والمراسلات الصادرة عن الوزارة وملحقاتها المحلية كافة. كما أصدرت وزارة التكوين المهني تعليمة وجّه من خلالها وزير التكوين والتعليم المهنيين ياسين ميرابي، لـ"إلزامية استعمال اللغة العربية في ميدان التدريس المضمون على مستوى المؤسسات التكوينية التابعة للقطاع"، وكذا في المراسلات الصادرة عن القطاع، لافتاً إلى أنه "يولي أهمية خاصة لتطبيق مضمون هذه التعليمة".
وفي السياق، بدأت المشافي والمراكز الصحية في البلاد باستبدال الإشارات والعلامات الخارجية والداخلية، وكتابتها باللغة العربية والإنكليزية، مع حذف اللغة الفرنسية، كما أصدرت إدارات المشافي تعليمات إلى الأطباء بكتابة التقارير الطبية والوصفات باللغة العربية، تطبيقاً للدستور الذي ينص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية والوطنية، وكذلك قانون 26 سبتمبر/ أيلول 1991 المتعلق بتعميم استخدام اللغة العربية. وتلقى الأطباء في مستشفى العقبي بولاية قالمة، شرقي الجزائر، مذكرة من إدارة المستشفى تحثهم فيها على الاستخدام الحصري للغة العربية في المراسلات والتقارير والوثائق، ووضع آلية تساعد على الانتقال إلى هذا الوضع الجديد.
وكان وزير الشباب والرياضة عبد الحق سبقاق قد أصدر بدوره الأسبوع الماضي مذكرة طلب فيها من مجموع إطارات ومصالح الوزارة مركزياً ومحلياً تعميم استعمال اللغة الوطنية في القطاع وفي كافة المؤسسات التابعة له، مشدداً على أنه لن يسمح بأي تهاون في هذا الموضوع. وسبق هذا القرار قرار مماثل اتخذته وزارة العمل والضمان الاجتماعي، التي أكدت في مذكرة على منع استعمال اللغة الفرنسية في المراسلات والوثائق التي تصدرها الوزارة والمؤسسات التابعة لها، بل اللغة العربية حصراً. وكانت وزارتا الدفاع والعدل قد سبقتا كافة القطاعات الحكومية في مجال التعريب وتوطين اللغة العربية في المراسلات الرسمية والوثائق والخطابات، واتجهت وزارة الدفاع في مرحلة ثانية إلى استخدام الإنكليزية.
واذا كانت السلطات الجزائرية تدرج القرار الأخير في سياق استكمال ما تصفه بـ"مقومات السيادة واستعادة السيادة اللغوية والثقافية"، فإن التوقيت السياسي لهذا القرار، المتزامن مع أزمة دبلوماسية حادة وغير مسبوقة مع فرنسا، يضعه ضمن سياق الأزمة وخطوات الرد الجزائري، خصوصاً أن مسألة استخدام اللغة الفرنسية في المؤسسات الحكومية والإدارات وإعطاءها أفضلية في قطاع التعليم في الجزائر، ظلّت أحد أبرز المداخل التي تستغلها باريس للهيمنة السياسية والثقافية والاقتصادية في الجزائر، عبر تشكيل ما تصفه القوى الوطنية في البلاد بـ"حزب فرنسا".
ويفسّر مراقبون قرار الجزائر بالتخلي عن اللغة الفرنسية وتضييق مجالات استخدامها بأنه موضوع سياسي بامتياز، ولذلك يتوجب التعاطي معه على هذا الأساس. وفي هذا السياق، أعرب الكاتب والمحلل السياسي سيف الدين بلعابد، لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن السلطة السياسية في الجزائر "انتبهت أخيراً إلى أن أكثر ما يمكن أن يوجع باريس هو التخلي عن اللغة الفرنسية، وتوطين اللغة العربية، والتوجه في الوقت ذاته نحو اللغة الإنكليزية، لكون ذلك سيقلص تأثير اللوبيات الموالية لفرنسا بشكل أو بآخر"، مشيراً إلى أن "بعض التجارب السياسية لبعض الدول في أفريقيا، على غرار رواندا، وهي مستعمرة فرنسية سابقة مثل الجزائر، وما رافقها من تحرر في الخيارات الاقتصادية، ألهم الجزائريين بالتوجه إلى الخيار نفسه، خصوصاً مع ما تفرضه بعض المعطيات لجهة تحرير الاقتصاد الجزائري".
يتوقع متابعون أن تلجأ السلطات الجزائرية إلى إجراء مراجعة في النظام التعليمي
ويتوقع متابعون أن تلجأ السلطات الجزائرية في سياق الرد أيضاً إلى إجراء مراجعة في النظام التعليمي، لتعزيز تعليم اللغة العربية وتقديمها، وإحلال اللغة الإنكليزية محل الفرنسية التي يبدأ تدريسها في صف متقدم.
ويأتي كل ذلك في هذا المناخ الذي تشهد فيه العلاقات الجزائرية - الفرنسية أسوأ فتراتها، منذ قرار السلطات الجزائرية إلغاء زيارة كان مقرراً أن يقوم بها رئيس الحكومة الفرنسية جون كاستيكس إلى الجزائر في إبريل/ نيسان الماضي، تبعها إنهاء عقود شركات فرنسية عاملة في الجزائر، وتلتها أزمة التصريحات المثيرة للجدل لماكرون في حقّ الجزائر، ما دفع الرئاسة الجزائرية إلى استدعاء السفير الجزائري في باريس، محمد عنتر داوود، وإغلاق المجال الجوي في وجه المقاتلات العسكرية الفرنسية ومنع السفن الفرنسية من دخول الموانئ الجزائرية.