الرئيس والجيش، الجمعيات والأحزاب، الصحافة والنخب، الجميع يفكر في الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقررة في أواخر عام 2024. ويبدو هذا التفكير مشروعاً لكنه مبكر جداً في موعد ما زال بعيداً على المستوى الزمني على الأقل.
لسبب ما، لمح الرئيس عبد المجيد تبون في حواره التلفزيوني الأخير قبل نحو أسبوعين، إلى أن "هناك من ينتظر انتخابات 2024". لم يوضح الرئيس مقصده بالضرورة، لكن سياق الحديث والمعنى كان يفيد بشعوره أن هناك من ينتظر تحييده في الانتخابات المقبلة (دوائر نفوذ أو مجموعات مصالح)، تحاول الإفلات من سياساته وتعطيل تنفيذ خياراته إلى حين تحييده.
في الواقع كانت تلك رسالة من تبون إلى أطراف لم يسمّها، بأنه منتبه إلى بعض الهمس وما الذي يعنيه، وأنه مصرّ على تنفيذ مشروعه إلى أن يقرر الشعب موقفه.
لكن الرئيس، وكل الجزائريين، يدرك أن الطبيعة السياسية في الجزائر لا تسمح لأية كتلة سياسية أو من مجتمع الأعمال، بأن تتحدث عن الانتخابات الرئاسية همساً، من دون أن يكون هذا الحديث صدى لأحاديث ما في مجتمع السلطة نفسه.
يعني هذا أن تبون الذي سبق له أن تحدث أكثر من مرة عن مقاومة له داخل الإدارات الحكومية واشتكى عدم تطبيق الحكومة لقراراته، أعاد استدعاء، سواء عن قصد أو غير قصد، مناخ "صراع الإرادات".
وهو استدعاء يفسح المجال لكثير من التأويلات، ويعني أن البيت السياسي لم يستقر بعد على النحو الطبيعي الذي يفترض له، لكنه قد يكون أيضاً مجرد "اختبار فرز"، في وضع مشابه لما قبل انتخابات الرئاسة عام 2004، عندما بدأت الحسابات مبكراً، بين الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة وخصومه، الذين دفعوا رئيس حكومته علي بن فليس إلى منافسته في الانتخابات.
من الواضح أن الحالة الجزائرية ما زال يسيطر عليها قدر من القلق السياسي، نتيجة الهزة والخلخلة الحادة التي أحدثها الحراك الشعبي في منظومة الحكم، والارتباك الكبير الذي خلّفه ذلك الحدث الشعبي الكبير في بنية السلطة، إذ لم يستقر البلد بالقدر اللازم، ولم يصل إلى مرحلة يصبح فيها الاستحقاق الرئاسي محطة طبيعية تضعه على "قرن ثور".
ولذلك تبدو كل حركة لها صلة بحسابات الاستحقاقات المقبلة، ويُرد كل تصريح أو تلميح إلى صراع المواقع. وعلى الرغم من ذلك، فإن الجزائر بلد حيوي، مكنته التجارب المريرة من أن يمتلك المناعة الكافية، للحفاظ على المستوى الضروري للاستقرار الداخلي، عند أي اختلاف أو تغيير تفرضه ملابسات معينة أو استحقاقات.