استمع إلى الملخص
- **محاولات فاشلة سابقة**: حفتر حاول السيطرة على طرابلس مرتين، في 2015 و2019، وفشل في كلتا المحاولتين، مما دفعه لإعادة تقييم استراتيجيته والتركيز على الجنوب.
- **الجزائر تراقب بحذر**: الجزائر ترفض تمركز قوات حفتر قرب حدودها، خوفاً من تهديد أمنها ومنشآتها الحيوية، وتعتبر أن الأطراف الداعمة لحفتر تسعى لزعزعة استقرار المنطقة.
فهم خليفة حفتر أن الدخول إلى طرابلس لا ممر له إلا الجنوب، لكن هذا الجنوب عصي ورماله متحركة، والسبيل إليه مضنٍ، ناهيك عن أن دولاً بعينها، كالجزائر على وجه الخصوص، ليست في وارد القبول بأن يُفرض عليها أمر واقع، يغيّر من مقتضيات أمنها القومي، ويضع على جوارها من يحمل أجندة لا ترتاح لها الجزائر، فقد سبق أن حاولت الحكومة الانتقالية في مالي ذلك قبل فترة قصيرة، لكنها فشلت على نحو فادح.
سبق لحفتر أن حاول السيطرة على طرابلس مرتين، عام 2015 في الحرب بين قوات "فجر ليبيا" التابعة لحكومة طرابلس، وقوات "الكرامة" الموالية لحفتر، انتهت بخروج قوات الأخير من طرابلس. بعد ذلك بأربع سنوات، في إبريل/نيسان 2019، أطلق حفتر حملته الثانية على طرابلس، والتي انتهت بالفشل مجدداً. كان ذلك كافياً ليعيد حفتر والأطراف الراعية له حساباتهم، بأن الجنوب مرتكز أساس بالنسبة لطرابلس، وأن الدخول إليها لن يحدث قبل تحييد الجنوب، ليس فقط على افتراض أنه يمثل خط إسناد جزائريا لطرابلس، ولكن أيضاً للاعتقاد أنه منطقة رخوة، لذلك توجّه حفتر هذه المرة إلى الجنوب رأساً.
الشك في السياسة أصل، وفي الحرب عقيدة، لذلك يمكن ملاحظة أن حفتر، ومثلما حاول استغلال فترة الحراك الشعبي في الجزائر ربيع 2019 لغزو طرابلس، فليس هناك شك في أن حفتر قرأ في الانتخابات الرئاسية الجزائرية بداية سبتمبر/أيلول المقبل، توقيتاً مناسباً لإطلاق حملته إلى الجنوب المحاذي للحدود مع الجزائر، على اعتبار أن القيادة الجزائرية قد تكون مشغولة بمجريات الانتخابات، وهذا مناخ يوفر له -بحساباته- ظروفاً مناسبة لإنجاز السيطرة على الجنوب، جغرافياً وحدوداً ونفطاً. الطاقة والمعابر التجارية هنا، جزء حيوي من القصة، إن لم تكن هي القصة كلها، فالسيطرة على الجنوب تعني السيطرة على حوض غدامس الغني بالغاز، ثم على مسالك التجارة بين ليبيا مع النيجر وتونس، ومع الجزائر بدرجة أكبر.
لا تطمئن الجزائر بأي حال من الأحوال لتمركز قوات حفتر قرب حدودها في الجنوب الشرقي، ليس فقط لاعتبارات تخص الخلاف في المواقف ورفضها الحل العسكري للأزمة الليبية، ولكن لأن الأطراف الراعية لحفتر مشروعاً سياسياً، غريبة عن جغرافيا المنطقة ولا تخفي عداءها للجزائر، وهي شريكة -ليس بالصدفة- في كل توتر إقليمي يحيط بالجزائر، وهي بحد ذاتها أدوات وظيفية لمشروع خلخلة كبير يستهدف إعادة هيكلة المنطقة على نحو يتيح تقاسم مواردها لصالح القوى المهيمنة، ولاعتبارات أمنها الحيوي، بحيث لن تغامر بوضع أمن منشآتها الحيوية القريبة من الحدود مع ليبيا (تعرضت منشأة الغاز تيقنتورين لهجوم انطلاقا من ليبيا في يناير/كانون الثاني 2013)، تحت رحمة حفتر ورعاته.
بالنسبة للجزائريين، يمكن الآن بوضوح فهم الدواعي التي دفعت السلطة إلى تسبيق الانتخابات الرئاسية عن موعدها (كانت مقررة في ديسمبر/كانون الأول المقبل)، وقد عبّرت عنها وكالة الأنباء الجزائرية في مايو/أيار الماضي "بتوترات إقليمية مخطط لها"، بما يعنى أن المعلومات المتداولة على نطاق ضيق، من أن الدافع يتعلق بتقدير أمني وسياسي بشأن مخطط حسم عسكري مدبر في الإقليم يشمل ثلاث مناطق معنية بها الجزائر بشكل مباشر (الصحراء الغربية، شمالي مالي، جنوب ليبيا)، كانت تقديرات صحيحة.