الجزائر... في مواجهة الرجعية الفرنسية

26 يونيو 2024
جوردان بارديلا في باريس، 24 يونيو 2024 (أسوشييتد برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- صعود اليمين المتطرف في فرنسا يجدد التوترات مع الجزائر، مع إعادة ظهور الخلافات المتعلقة بالفترة الاستعمارية والمطالبات الجزائرية بحقوق تاريخية.
- اليمين المتطرف يستمر في استخدام خطاب الاستعمار، معتبرًا ثورة التحرير الجزائرية عمليات إرهابية، ويستغل قضايا الهجرة لإثارة الجدل والعنصرية.
- الجزائر تتخذ موقفًا استراتيجيًا بعدم الانجرار للمناكفات مع اليمين المتطرف، مع التركيز على حرمانه من تحقيق أهدافه والضغط لحل المسائل التاريخية.

عندما يصعد اليمين المتطرف في المشهد السياسي والانتخابي في فرنسا، تبرز مؤشرات قلق في العلاقة بين الجزائر وباريس، وترتفع في المقابل حدة الجدل والتوتر السياسي مع الجزائر. في الغالب، تعود كل القضايا المرتبطة بالذاكرة والمسائل ذات الصلة بالفترة الاستعمارية محل جهود التسوية بين البلدين إلى الواجهة، ويعود معها الخطاب الرجعي المتطرف للنخب الفرنسية ضد الجزائر، المصادم للمطامح المشروعة للجزائر بشأن استعادة حقوق تاريخية واجبة. مشكلة اليمين المتطرف الفرنسي أنه ما زال يدير العلاقة مع الجزائر بمقولات الاستعمار، بمعنى أنه مستمر بالرفض القاطع لتجاوز فكرة الجزائر المستقلة، ولا تزال خطاباته تتأسس على هذا العداء المجنون لحقائق التاريخ، ونخبه معتقلة داخل المربع نفسه، ولا تزال كتاباته تتحدث عن أن ثورة التحرير هي عمليات إرهابية، وعن جبهة التحرير الجزائرية تنظيماً إرهابياً، بل إن بعض التصريحات المعقوفة لنخب اليمين المتطرف في فرنسا، وجدت في هجوم المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فرصة لإعادة إنتاج التوصيف نفسه للإرهاب على هجمات الثوار الجزائريين. وقد صدر أخيراً في باريس كتابٌ بعنوان "مديرية مراقبة الإقليم على جبهة الحرب ضد الإرهاب"، عاد إلى استخدام هذه التوصيفات الظالمة بحق ثورة الجزائر.

ولأن المؤسسة الرسمية في فرنسا نجحت في التعسف على نفسها، حسمت من جانبها باتجاه وضع معالجة قضايا ملف الذاكرة بين الجزائر وباريس، خارج الإطار الحكومي والسياسي الذي يمكن أن يطاوله التغيير، وثبتته بين يدي لجنة مشتركة من المؤرخين الفرنسيين والجزائريين، فإن اليمين الفرنسي المتطرف ظل يبحث عن حصان طروادة آخر، يكون صالحاً للمناكفة السياسية والاعتراض على أية تسويات سياسية بشأن الملفات العالقة، من شأنها أن تعيد رسم العلاقات على نحو مفيد للبلدين، الجزائر وفرنسا، وفقاً للمنفعة والصالح المتبادلة للشعبين.

وجد اليمين المتطرف اللامتعايش ما يفي بالغرض في ملف الهجرة ومسألة المهاجرين بكل الأبعاد المتصلة بهم، الإقامة والديمغرافيا والهوية والدين وغيرها، وعثر في الاتفاقية الثنائية الموقعة عام 1968، المتعلقة بحقوق الرعايا الجزائريين في فرنسا (تتضمّن حقوقاً وامتيازات استثنائية خاصة بالجزائريين)، ما يمكن أن يخلط به الأوراق ويعيد إنتاج خطاب الحقد التاريخي للجزائر والكراهية والعنصرية. ويبني زعيم اليمين المتطرف الفرنسي (التجمّع الوطني) جوردان بارديلا، خطابه الانتخابي في الانتخابات النيابية المقررة في 30 يونيو/حزيران الحالي و7 يوليو/تموز المقبل، في فرنسا على فكرة "منع مزدوجي الجنسية من تولي المناصب الاستراتيجية". وغرّد قبل أيام مطالباً الجزائر باستعادة مهاجريها من فرنسا. هناك انتباه سياسي جزائري لافت، أخيراً، إلى أن من الخطأ التعاطي أو الرد على الخطاب المجنون لهذا التيار العدائي، إذ نجحت الجزائر في صياغة موقفٍ يستند إلى مسألتين. المسألة الأولى، هو عدم الانجرار إلى المناكفات السياسية مع اليمين المتطرف، سواء في العلاقة بمسألة الذاكرة أو المهاجرين وغيرها، من منطلق أن مواقف اليمين المتطرف وجدله مسألة فرنسية داخلية، وبالتالي يجب حرمانه من تحقيق غايات التشويش أو عرقلة خط التسوية القائم بين الجزائر وفرنسا. وفي المسألة الثانية، استخدام مواقف اليمين المتطرف نفسها لزيادة الضغط على الدولة الفرنسية لحسم المسائل التاريخية في أقرب وقت.

المساهمون