تبحث السلطات الجزائرية، وبتحرّ عميق، في الكيفية التي أمكن فيها لشاب الوصول إلى طائرة في مطار وهران غربي الجزائر، والتسلل ثم الاختباء في صندوق عجلتها، بنية الهجرة غير النظامية.
الحالة ليست الأولى، لكن السؤال الأكثر جدارة بالتقصي عنه هو لماذا يغامر شاب، وغيره كثر، بالهروب من البلد بهذه الطريقة الجنونية؟
بخلاف هذا الشاب، الذي أطاحت فعلته المدير العام للأمن الوطني فريد بن شيخ وعدداً من الكوادر الأمنية، هناك العشرات من الشباب "الحراقة"، يرتكبون الجنون نفسه وبشكل مختلف، عبر ركوب القوارب بنية الهجرة غير النظامية، هروباً من البلد ولأسباب مختلفة ودوافع متعددة.
هؤلاء للأسف لا يحظون بالحرص الكافي من قبل السلطة، للتحري عن الكيفية والدوافع التي تحرضهم على الهروب من البلاد.
من بين أكبر اللافتات التي رفعت في أولى تظاهرات الحراك الشعبي في فبراير/ شباط 2019، كانت لافتة كبيرة كتب عليها "لن نحرق (لن نهاجر)، بل نحرق رؤوسكم (نحاسبكم)"، لكن هذا الشعار هزمه الواقع.
يقول قائل ويسأل سائل، هل الوضع في الجزائر بهذا السوء وبمستوى من التردي بحيث يدفع الشباب إلى البحث عن منافذ للخروج من الجزائر؟ وما الذي ينغص حياة الجزائريين، خصوصاً الشباب منهم، ويضيّق أفق الحياة والمستقبل؟
الجزائر ليست بهذا السوء فعلاً، ولا الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فيها متردية إلى الحد الذي يدفع شاباً إلى الهجرة بأية طريقة، ولو مع عجلة طائرة. فالحكومة ما زالت توزع السكن مجاناً وتوفر التعليم والصحة مجاناً، والنقل والطعام المدرسي والجامعي مجاناً، وتدعم الأسعار وتساعد الشباب على إنشاء المشاريع.
والسلطة السياسية في الجزائر تملك مثل هذه الأجوبة الجاهزة، وتعرض بعضها بكثافة في شكل تقارير يومية تتحدث عن المنجزات في نشرات الأخبار.
لكن التلفزيون في الجزائر يقدم البلد بصورة لا تتطابق بالضرورة مع الواقع أيضاً. ومع ضيق هوامش النقاش السياسي والمجتمعي، لم تعد هناك مساحات كافية للتعبير عن الخلل والمشكلات القائمة في تسيير الشأن العام. ولذلك تبرز ظاهرة غريبة على المستوى السياسي في الجزائر، حيث لا يخلو بيان لأي حزب من الموالاة أو المعارضة من الدعوة إلى الحوار.
هناك معضلة إذاً في الجزائر، يجدر البحث فيها بكثير من المكاشفة. يشعر الشاب أنه بلا أفق فيهاجر بأية وسيلة كانت، ويشعر السياسي أنه على هامش الحكم والخيارات فيطالب بالحوار، ويشعر الجزائريون أن هناك خللاً وعدم توازن بين المقدرات الاقتصادية للبلاد والواقع المعاش.
هي لا محالة معضلة مزمنة وليست طارئة في المشهد الجزائري، وعلى هذا الأساس تبدو المسألة معقدة وذات أبعاد مختلفة، لكنها سياسية بالأساس ومرتبطة بإخفاقات الدولة والسلطة ومجموعات الحكم المتعاقبة.
ينعكس ذلك أولاً في قراءة الأشياء بصورة صحيحة، وثانياً في صياغة مشروع متكامل وتصوّر للدولة والمجتمع، وثالثاً في استثمار مقدرات البلاد لتحويلها إلى ثروة وبنية تحتية، وتغيير الأنماط والمعايير المعيشية، ومدن قابلة للعيش والتفكير في المستقبل.