الجيش الأميركي يعزز انتشاره بمحاذاة روسيا بعد اتفاقية دفاعية مع الدنمارك

19 ديسمبر 2023
طمأنت فريدركسن المعارضة أنه لا تخزين لأسلحة نووية في القواعد العسكرية (فرانس برس)
+ الخط -

بعد السويد وفنلندا، أعلنت الدنمارك اليوم عن توصلها إلى اتفاقية تعاون دفاعي مع الولايات المتحدة الأميركية، تتضمن إطارا واسعا لوجود جنود أميركيين على الأراضي الدنماركية، بما في ذلك التدريب وتخزين الأسلحة، وذلك بعد عام من المفاوضات.

وتسري الاتفاقية لمدة 10 سنوات، وتدخل حيز التطبيق العام المقبل، وتتضمن وجودا أميركيا في نحو 3 قواعد جوية، يتوقع أن يجري تطويرها لتشمل وجودا أميركيا في جزيرة غرينلاند الجليدية القطبية الضخمة وجزر الفارو. 

واحتاجت الاتفاقية الجديدة بين واشنطن وكوبنهاغن لمفاوضات استمرت نحو عام لتذليل عقبات وضعتها المعارضة اليسارية الدنماركية، التي طمأنتها رئيسة حكومة الائتلاف (يسار ويمين الوسط) ميتا فريدركسن، بأنه "لن يجري تخزين أسلحة نووية أو قنابل عنقودية في القواعد العسكرية".

وتعزز التعاون بين الجانبين بصورة مكثفة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، في فبراير/ شباط الماضي، إذ تحول ميناء إيسبرغ الواقع على بحر الشمال (غرب البلد) إلى ميناء رئيسي في سياق الدفع الأميركي لمعدات وآليات عسكرية نحو بقية أنحاء الشمال الأوروبي، وبصفة خاصة إلى دول البلطيق الصغيرة، والسوفييتية السابقة، لاتفيا وليتوانيا واستونيا، وأنحاء "دول الشمال" الأخرى، كالسويد وفنلندا. 

وكانت واشنطن قد أبرمت خلال الشهر الحالي اتفاقيتي تعاون مع استوكهولم وهلسنكي، تضمن وجودا عسكريا أميركيا موسعا على طول حدود فنلندا مع روسيا (نحو 1340 كيلومترا).

وأعلنت فريدركسن في مؤتمر صحافي، قبل ظهر اليوم الثلاثاء، برفقة وزير دفاعها ترولس لوند بولسن أن الاتفاق الجديد يظهر "الحاجة لتعاون على مستوى حلف شمال الأطلسي (ناتو) لتعزيز دفاعات أوروبا".

وتشمل المواقع العسكرية التي سينتشر فيها الجنود الأميركيين (بعد رفض أقطاب من المعارضة جعلها سرية) مطارات عسكرية من ألبورغ شمالا إلى وسط وجنوب الدنمارك. ويشمل ذلك الانتشار طائرات أف 35 ومعدات عسكرية أخرى، بما "يتيح للأميركيين سرعة الانتشار والعمل اللوجيستي، في مواجهة تحديات الدفاع عن القارة"، بحسب ما ذهب محللون في مجال الدفاع لهيئة البث العام الدنماركية، فور الإعلان عن الاتفاقية.

وبررت حكومة الائتلاف بين يسار الوسط (بزعامة فريدركسن)، والليبراليين بزعامة رئيس الحكومة السابق ووزير الخارجية الحالي لارس لوكا راسموسن، هذه الاتفاقية باعتبار أنها "تضمن أمن الدنمارك في ظل التطورات العالمية خلال السنوات الماضية".

توسيع لـ"ناتو" يهدد موسكو

وبعد توقيع الجارين السويد وفنلندا (إلى جانب عدد من الدول الأخرى في إسكندنافيا والبلطيق وصولا إلى بلغاريا جنوبا) عبّرت موسكو عن امتعاضها من توسيع الوجود الأميركي في المناطق القريبة منها. وقدمت الحرب في أوكرانيا فرصاً كبيرة لواشنطن وحلف شمال الأطلسي لتوسيع رقعة انتشاره شرقا وشمالا. ويعتبر ذلك التوسع متعارضا تماما مع السردية الروسية التي ركّزت على خرق "ناتو" وواشنطن لتعهدات بداية تسعينيات القرن الماضي، بألا يتوسع الحلف شرقا.

ففي "مجموعة دول الشمال" (التي تضم الدول الإسكندنافية السويد والنرويج والدنمارك إلى جانب فنلندا وأيسلندا) لم تبق دولة خارج اتفاقيات التعاون العسكري مع واشنطن، حيث تركز الأخيرة أنظارها مستقبلا على مخططات تشمل الدائرة القطبية الشمالية بما في ذلك غرينلاند الدنماركية، وسط قلق من تعاون روسي- صيني متزايد في المنطقة الحيوية.

ومنذ 2014، وبعد ضم موسكو شبه جزيرة القرم، عبر استفتاء لا يعترف به كثيرون في أوروبا، تزايد منسوب التوتر في مناطق البلطيق والقطب الشمالي، وكذا التعاون العسكري مع واشنطن، فاندفعت دول كثيرة نحو ذلك التعاون الذي كان يلقى معارضة شعبية قبل حرب أوكرانيا.

شمل ذلك السويد التي تخلت عن سياسة الحياد بين الأحلاف، التي استمرت نحو قرنين. هذا إلى جانب تمرد فنلندا على مسار طويل من العلاقة المتجنبة لاستفزاز روسيا، بتقديمها طلب انضمام مشترك مع السويد إلى "ناتو" بعد بدء الغزو الروسي لأوكرانيا ببضعة أسابيع. وبرغم تحذيرات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أصرت هلسنكي على العضوية، التي مُررت ربيع العام الحالي، بينما تنتظر السويد موافقة البرلمان التركي على عضويتها.

ومع إعلان كوبنهاغن عن الاتفاقية، تتوسع قدرات وإمكانيات الجيش الأميركي اللوجستية على تخوم روسيا. ففي فنلندا، المحاذية لحدود روسيا، يستطيع الأميركيون "بكل حرية ودون عوائق الوصول إلى 15 منطقة، بما في ذلك أربع محطات جوية وميناء عسكري"، بحسب ما أعلن أمس الاثنين. وكانت استوكهولم قد أعلنت في السابع من الشهر الحالي التوصل إلى الاتفاقية نفسها، برغم أنها رسميا ليست ضمن "ناتو"، مما يمكن الجيش الأميركي من الوصول إلى 17 قاعدة عسكرية، إلى جانب استخدام مناطق واسعة للتدريب وتخزين الأسلحة وهبوط الطائرات.

وكانت أوسلو قد توصلت إلى اتفاقيات مماثلة في 2021 منحت الأميركيين التصرّف بحرية في أربع قواعد. ذلك يعني ببساطة أن الجانب الأطلسي، وبالطبع على رأسه الأميركي، بات أكثر وجودا في نصف دائرة شمالية تحيط بروسيا، من المنطقة القطبية الشمالية النرويجية إلى فنلندا والبلطيق والدنمارك، إلى جانب بولندا قرب جيب كالينينغراد الروسي.

ويذهب مؤيدو تلك الاتفاقيات إلى تبريرها على أساس أن قبلها "كان الاستعداد للدفاع عن أوربا يستغرق وقتا طويلا، رغم أن الأطلسي على الورق أقوى (في مقابل روسيا)، وهو ما تجعله الاتفاقية أسرع اليوم"، وهو ما ذهب إليه الخبير الدفاعي الدنماركي أندرس بوك نيلسن في تعقيبه على الاتفاقية، اليوم الأربعاء.

وفي كل الاتفاقيات المشار إليها يبقى الجانب الأميركي صاحب الولاية القضائية على جنوده. أي أن ارتكاب الجنود الأميركيين جرائم وانتهاكهم قوانين البلاد خارج القواعد العسكرية، بما فيها الدنمارك، يجري الفصل فيها من قبل الأميركيين أنفسهم، وليس للقضاء الوطني سلطة على هؤلاء.

المساهمون