الحدود الأفغانية ــ الباكستانية: توتر أمني بأبعاد سياسية

27 ديسمبر 2021
عنصر من طالبان ينظّم العبور على الحدود (جافيد تانفير/فرانس برس)
+ الخط -

تشهد الحدود الأفغانية الباكستانية توترات أمنية في الآونة الأخيرة بسبب محاولة القوات الباكستانية نصب سياج على الحدود، تعتبر حركة طالبان بأنه يقع داخل الأراضي الأفغانية.

ويأتي هذا التوتر ليضاف إلى قائمة من القضايا العالقة بين باكستان والحركة، ما يجعل العلاقة بينهما مفتوحة على احتمالات عدة.

وأظهرت فيديوهات متداولة على منصات التواصل الاجتماعي قوات طالبان، وهي تجمع الأسلاك التي أتت بها القوات الباكستانية من أجل نصب السياج.

ولم تكتفِ الحركة برفع السياج في بعض مناطق ولاية ننغرهار، بل استهدفت المناطق الباكستانية على الحدود، ونشرت تسجيلاً مصوّراً لذلك على منصات التواصل الاجتماعي.

وظهر أحد عناصر الحركة، وهو من رماة الصواريخ على الجانب الباكستاني، وهو يقول إن "الجيش الباكستاني اعتدى على أراضينا ونحن نقوم بالرد بالمثل".


طالبان: لن نساوم على سيادة دولتنا وفي الدفاع عن أراضينا

بدوره، ظهر رئيس استخبارات طالبان في ولاية ننغرهار، دكتور بشير، المعروف بعدائه لتنظيمات مسلحة أخرى، وهو يتوجّه للجنود الباكستانيين بالقول: "أحذركم من الاقتراب من حدودنا. نحن لا نريد الحرب، وعليكم ألا تجبرونا على ذلك، حينها سنحاربكم وسيكون اللوم عليكم. لن نساوم على سيادة دولتنا وفي الدفاع عن أراضينا".

التوتر يتصاعد على الحدود الأفغانية ـ الباكستانية

 

كما زار قائد القوات المسلحة في حكومة طالبان قاري فصيح الدين مراكز قوات الحركة على الحدود الأفغانية الباكستانية في منطقة بلوسي بمديرية لعل بوره في ولاية ننغرهار، مساء الجمعة الماضي.

وقال فصيح الدين، في كلمة له أمام القوات التي وضعتها طالبان في حالة تأهب قصوى، بسبب التوتر مع القوات الحدودية الباكستانية: "نؤمن بمبدأ حسن الجوار مع الجميع، ولكننا في الوقت نفسه مستعدون لمواجهة أي اعتداء على أراضينا".

ونقل المكتب الإعلامي في حكومة ولاية ننغرهار الشرقية، عن فصيح الدين قوله: "إذا اعتدى أحد على أراضينا فلن تصمت الحركة، وتكون الدولة المعتدية مسؤولة عن النتائج الوخيمة".

من جهته، أكد المتحدث باسم وزارة دفاع طالبان عنايت الله خوارزمي، في بيان، أن هجمات باكستان الصاروخية على مناطق في شرق أفغانستان لن تبقى من دون رد، وقوات طالبان على الحدود تقوم بما هو لازم، ولم تترك اعتداءً باكستانياً واحداً من دون رد.

وأضاف خوارزمي: "لن نبقى صامتين إزاء أي اعتداء من قبل أي دولة على أراضي أفغانستان".

وفي ولاية كنر، المجاورة لننغرهار، أطلقت القوات الباكستانية الصواريخ على مناطق مختلفة في مديرية سركانو.

كما سبق أن استهدفت طائرة بلا طيار مجهولة مواقع في الولاية، وتردد أن هدف الطائرة كان القيادي في طالبان باكستان المولوي فقير محمد، وهو أحد الذين أفرجت عنهم طالبان بعد السيطرة على كابول، لكنه لم يصب بأذى.

وأثار استهداف القوات الباكستانية لمناطق في كنر استياءً واسعاً في أفغانستان.

وفي تعليق له على القضية، يقول الإعلامي الأفغاني سميع يوسفزاي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن حكومة طالبان وليدة وضعيفة وهشة، ولا تتحمل الحرب مع أي جهة.

ويعتبر يوسفزاي، أن الحركة تواجه ملفات داخلية وخارجية، وليس من سياساتها إشعال الحرب مع أي جهة، تحديداً باكستان، التي ترى أن التواصل مع طالبان يمرّ عبرها، مستبعداً أن يكون ما يحدث على الحدود هو التوجه السائد لدى القيادة العليا لطالبان.

ويؤكد يوسفزاي، أن ما حصل ليس إلا أفعالاً قام بها بعض القادة الميدانيون، لكن زيارة قائد القوات المسلحة الأفغانية قاري فصيح الدين للمنطقة، قد تشير إلى أن القضية ليست مقتصرة على بعض القادة الميدانيين.


حكومة طالبان وليدة وضعيفة وهشة، ولا تتحمل الحرب مع أي جهة

ويرى يوسفزاي أن باكستان مرتاحة جداً، وهي لم تكن كذلك في العقدين الماضيين، حيث كان في كابول جيش واستخبارات ولوبي معارض تماماً لباكستان، غير أنّ كل ذلك انهار الآن، لغياب الرئيسين السابقين أشرف غني وحامد كرزاي، وشخصيات عدة اعتادت على رفع الصوت ضد باكستان.

تصريحات عمران خان لب القضية

 

وفي سياق التطورات المتصاعدة على الحدود، أثارت تصريحات رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان امتعاضاً في أفغانستان.

ففي كلمة له أمام اجتماع منظمة التعاون الإسلامي، في 19 ديسمبر/كانون الأول الحالي في إسلام أباد، اعتبر خان أن منع الفتيات من التعليم جزء من ثقافة القبائل الأفغانية.

ووصف الحكومات الأفغانية السابقة بـ"الفاسدة". وردّ كرزاي على خان بالقول، إن لا أساس لكلامه، والشعب الأفغاني لديه شغف بالتعليم، نساءً ورجالاً، معتبراً أن خان يتدخل في شؤون أفغانستان.

من جهته، يضع الناشط الأفغاني نصير أحمد كمال في حديثٍ مع "العربي الجديد" ما يحصل على الحدود، في سياق محاولات لتهدئة غضب الأفغان إزاء تصريحات خان، لأن طالبان لا تتحمل في الوقت الراهن غضب باكستان ولا العداء معها.

تحديات حكومة طالبان

 

وتواجه حكومة طالبان تحديات كبيرة وأزمات مختلفة داخلياً وخارجياً، أبرزها كسب ثقة الشعب الأفغاني ومواجهة حالة الانهيار الاقتصادي، في ظل عزلة دولية نجم عنها تجميد الأصول الأفغانية.

ومن أجل مواجهة هذه التحديات وغيرها، فإن الحركة بحاجة ليس فقط إلى تعاون من قبل الأفغان بل أيضاً لمساندة دول الجوار، تحديداً باكستان وإيران على الرغم من أن الاعتقاد السائد لدى الأفغان، الذين ذاقوا مرارة الحرب خلال العقود الأربعة الماضية، أن دول الجوار تقاطعت مصالحها وتدخلاتها في أفغانستان بما سبّب استمرار دوامة الحرب.

طالبان والاعتماد على سياسة المصالحة

 

وتتبنى طالبان في الوقت الراهن سياسة المصالحة في التعامل مع دول الجوار، وهذا ما أشار إليه نائب وزير الخارجية، عضو المكتب السياسي للحركة في الدوحة شير محمد عباس ستانكزاي، في حواره الأخير الذي بثته قناة "شمشاد" المحلية، يوم الخميس الماضي.

واعتبر أن لطالبان مبادئ أساسية، ومنها سياسة المصالحة والعمل مع كافة دول الجوار، على ألا يشكّل ذلك خطراً على أي دولة، مجاورة أو غير مجاورة للأراضي الأفغانية.


ترى باكستان في تطورات أفغانستان مكسباً لها بعد سيطرة طالبان هناك

ويسود اعتقاد لدى مراقبين بأن باكستان ترى في التطورات الأفغانية بعد انهيار حكومة الرئيس السابق أشرف غني والجيش والاستخبارات تباعاً بيد طالبان، مكسباً كبيراً لها.

ولا يوجد في كابول من يتحدث بنبرة معارضة لباكستان، ولم يتح أحد الفرصة للاستخبارات الهندية من أجل التدخل في شؤون باكستان، أو العبث بأمنها من خلال تأييد طالبان الباكستانية، أو الحركات الانفصالية البلوشية، كما كانت تظنّ إسلام أباد قبل سيطرة طالبان على السلطة في منتصف شهر أغسطس/آب الماضي.

من طرفها تبذل إسلام أباد، وفقاً لصنّاع القرار في باكستان، جهوداً حثيثة من أجل إخراج طالبان من عزلتها الدولية وإقناع العالم بالتعامل معها، خصوصاً بما يتعلق بالمساعدات الإنسانية والاعتراف بحكومتها.

وكانت استضافة باكستان اجتماع منظمة التعاون الإسلامي للبحث في شؤون أفغانستان، آخر ما فعلته إسلام أباد في هذا الصدد.

لكن العسكريين في حركة طالبان، وبخلاف السياسيين، غير راضين عن تعامل باكستان مع بلدهم، ويظنون أن ما تفعله إسلام أباد هدفه القول للعالم إن الطريق إلى طالبان يمرّ عبرها.

وحول ذلك، يقول القائد الميداني في الحركة محمد سليم في حديثٍ مع "العربي الجديد": إننا منذ البداية لم نكن نعتمد على سياسات باكستان، ولا نستطيع أن نعتمد عليها. ألم تكن هي من سلمت سفيرنا الملا عبد السلام ضعيف إلى الولايات المتحدة بعد سقوط حكومتنا في عام 2001؟ ألم يلقَ القيادي البارز في الحركة، الملا عبيد الله، وهو الأهم في طالبان بعد المؤسس الملا عمر، حتفه في سجن باكستاني؟.

ويضيف سليم: هناك نحو 1300 شخص من عناصر وقيادات الحركة بيد الاستخبارات الباكستانية، ولا نعرف مصيرهم بعد.

ويرى أنه "لا يمكن لنا أن نعتمد على باكستان، إلا إذا أثبتت من خلال سياستها أنها ليست ضد دولتنا، ونحن خرجنا من نطاق تنظيم مسلح إلى دولة لها سيادتها وأولوياتها وخطوطها الحمراء".

ويشدّد على أن ما يحدث هذه الأيام على الحدود الباكستانية الأفغانية لن تتحملها طالبان ولا الشعب الأفغاني طويلاً، بل سيكون هناك رد فعل أقوى وأشدّ.