الحراك الجزائري... قراءات الفشل والنجاح لما انطلق منذ 3 سنوات

22 فبراير 2022
يطالب المحتجون بالديمقراطية والتغيير الجذري للنظام (رياض قرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

قبل ثلاث سنوات، في 22 فبراير/شباط 2019، تفاجأت السلطات في الجزائر بتدفق المتظاهرين إلى الشوارع للمطالبة بالتغيير السياسي، وبالأساس رفضاً لترشح الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة. لم تكن تلك التظاهرات العارمة مسبوقة في الجزائر من حيث الزخم والضخامة الشعبية، والنفس الطويل. لكنها لم تكن سوى لحظة استئناف الجزائريين للمطلب الديمقراطي المتمركز في عمق المطالب السياسية، وضمن عدد من حركات احتجاجية شهدتها البلاد منذ عقود.

وفي حين تقول السلطة إنها تحقق هذه المطالب بشكل تدريجي عبر إعادة البناء الديمقراطي، يعتبر نشطاء الحراك وقوى المعارضة أنها تقوم بالالتفاف على المطالب، لتجديد النظام من الداخل.

مطالب الديمقراطية والتغيير للنظام السياسي الجزائري

ولئن كان الشعار المركزي بالنسبة للجزائريين في بدايات الحراك قبل ثلاث سنوات، رفض ترشح بوتفليقة لولاية خامسة في الانتخابات التي كانت ستُجرى في إبريل/نيسان 2019، وإنهاء فترة حكمه الذي دام عقدين، فإن الأمر لم يكن سوى عنوان كبير تضمّن في صلبه جملة من المطالب السياسية.

وتعلقت هذه المطالب بالديمقراطية والتغيير الجذري للنظام السياسي القائم، وتكريس استقلالية العدالة، وتحرير الإعلام والصحافة من قبضة المؤسسة الرسمية، ومحاربة الفساد، ومحاسبة رموز السلطة والعدالة الاجتماعية.

هذه المطالب توضع اليوم على ميزان التقدير بشأن ما إذا كان المسار الذي اتخذته الأحداث والتطورات السياسية بعد تظاهرات 2019، يقود إلى تكريس هذه المطالب وتحقيق تطلعات الجزائريين بشأنها.

خدير: غالبية التطورات منذ الحراك صبّت في صالح خيار السلطة

قبل اندلاع الحراك الشعبي في فبراير 2019، كان الناشط حبيب إبراهيمي، وهو قيادي في حزب "جيل جديد"، يقود حركات احتجاجية في الشارع ضد السلطة. ومع اندلاع الحراك كان حبيب يعتقد أن تلك الفعاليات الاحتجاجية ساهمت بشكل أو بآخر في خلق حالة احتجاج شعبي عارم.

وأكد إبراهيمي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، رداً على سؤال حول ما تحقق في غضون الثلاث سنوات الماضية، أن "أبرز مكسب هو أن الشعب أظهر قدرته على التعبير بصوت مرتفع، في الوقت الضروري، لوقف الانهيار".

وتساءل: "هل حققنا كل المطالب؟ لا أعتقد. صحيح أننا قضينا على عصابة سياسية ومالية كانت متمركزة داخل النظام، من حيث مكافحة الفساد واعتقال عدد كبير من الوزراء والمسؤولين ورجال المال والأعمال، ومحاكمتهم بتهم نهب المال العام، وهو أمر يمكن وضعه في إطار الاستجابة لمطالب الحراك الشعبي، لكننا في المقابل ما زلنا بعيدين في مجال المشاركة الحقيقية داخل مؤسسات الدولة".

وأشار إلى أن "الأمر يتطلب تدخلات أكبر، وأكثر فاعلية، من قبل النخب السياسية، من أجل ترجمة روح التغيير، وتنظيم حقيقي للمجتمع، من أجل الضغط لتحقيق التغيير السياسي".

التطورات لم تكن في صالح المطالب الأساسية للحراك الشعبي الجزائري

من جهته، أعاد الناشط في الحراك الشعبي، نور الدين خدير، في حديث مع "العربي الجديد"، قراءة المطالب منذ اندلاع الحراك الشعبي ومقارنة ما تحقق على صعيد الواقع.

واعتبر خدير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "ما حدث في غضون ثلاث سنوات من تطورات، لم يكن في صالح المطالب الأساسية للحراك. وإذا وضعنا في الميزان المطلب الأبرز، وهو الحريات وتحرير فضاءات النقاش، وحق التعبير والتظاهر، فإننا بعد ثلاث سنوات بصدد خسارة ذلك. وليس عيباً أن نقول إنه حصل تراجع على هذا المستوى".

واعتبر أن "غالبية التطورات التي حصلت منذ الحراك صبّت في صالح خيار السلطة السياسية، التي تدعمها مؤسسة الجيش".

وأوضح خدير أنه "منذ إنشاء لجنة حوار وطني بشكل منفرد في أغسطس/آب 2019، رفضت غالبية الأحزاب السياسية والشخصيات المعارضة التحاور معها. كما أن إنشاء هيئة مستقلة للانتخابات، شكل خطوة أولى لتنظيم انتخابات رئاسية جرت في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، وحملت عبد المجيد تبون إلى سدة الحكم".

وبعد تسلّمه السلطة كان يتعين على تبون القيام بخطوات حيال الشارع الغاضب، بينها إطلاق الناشطين المعتقلين، وسلسلة لقاءات مع قادة الأحزاب السياسية وشخصيات وطنية، في محاولة لاستيعاب ما تبقى من الشارع الرافض لهذا المسار.

وتمهيداً لخطوات لاحقة كان وعد بها، وتخص أساساً إجراء تعديل دستوري عميق يستجيب لمطالب الحراك الشعبي، وفي خضم جدل سياسي عاصف، طرح تبون مسودة دستور جديد في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بدت بنوده أكثر ديمقراطية من سابقه.

وتلا هذه الخطوة الإعلان عن حل البرلمان، وتنظيم انتخابات مبكرة في يونيو/حزيران 2021، ثم الانتخابات المحلية في نوفمبر الماضي، التي أعادت تصدير نفس أحزاب السلطة ووضعها في الواجهة. وقد أصابت هذه التطورات قطاعاً واسعاً من الجزائريين بالخيبة من إمكانية تحقيق تغيير سياسي جدي في البلاد.

لكن بالنسبة للسلطة السياسية، فإن طرح دستور جديد وإنشاء هياكل للمجتمع المدني، ومجلس قضاء أعلى مستقل يكرّس استقلالية العدالة، وإجراء انتخابات نزيهة تحت وصاية سلطة مستقلة، واستبعاد المال السياسي الفاسد عن الانتخابات، وفتح الباب أمام الشباب، استجابة كبيرة لمطالب الحراك الشعبي في التطهير السياسي ووضع البلد على مسار التحولات التدريجية نحو البناء الديمقراطي.

وفي السياق، قال تبون، خلال لقائه مع الجالية الجزائرية في قطر أمس الأول الأحد، إن "كل هذه المنجزات السياسية التي ساهمت في الاستقرار وحماية البلاد من أي انفلات، تأكيد لالتزامه بتحقيق المطالب الديمقراطية للحراك. لكن الديمقراطية التي لا تقود إلى الفوضى، وأنا ملتزم بالمسار الديمقراطي وتكريس الحريات المسؤولة".

السلطة أغلقت كل الفضاءات أمام المعارضة

لكن قوى المعارضة في صورة "حركة مجتمع السلم"، كبرى أحزاب المعارضة السياسية في البلاد، تشكو من تفاقم التضييق. وقال رئيس الحركة عبد العزيز مقري، في مؤتمر صحافي الأحد الماضي، إن "وضع الحريات السياسية والإعلامية بات أسوأ بكثير مما كان عليه قبل الحراك".

واعتبر أن "السلطة أغلقت في وجوهنا كل الفضاءات، وحتى وسائل الإعلام. (هي) لا تعترف بوجود المعارضة إلا في الدستور فقط، لكنها لا تقبل الحوار معها، وهذا أمر غير معقول. من حق المعارضة أن تمارس حقها ويجب على السلطة التعقل".

هكذا تصريح من زعيم حزب شارك 12 سنة في الحكومة، ومعتدل في مواقفه مقارنة بأحزاب معارضة أكثر تشدداً، يؤشر إلى أن مطلب الحريات السياسية والمدنية، الذي كان في صلب ما ينادي به الحراك الشعبي، قد تأخر تحقيقه.

الجزائر
برز عشية الذكرى الثالثة للحراك تعزيز التواجد الأمني في الميادين (رياض قرامدي/فرانس برس)

وبرز عشية الذكرى الثالثة للحراك، تعزيز السلطة الجزائرية التواجد الأمني في الميادين والشوارع الكبرى في قلب العاصمة وكبرى المدن، خصوصاً في منطقة القبائل، تحسباً لخروج أية تظاهرات أو فعاليات احتجاجية، اليوم الثلاثاء، إذ لا تسمح السلطات بالتظاهر منذ مارس/آذار 2021، تاريخ محاولة الحراك استئناف الخروج إلى الشارع بعد فترة توقف طوعي بسبب فيروس كورونا.

وفي وقت سابق، كانت السلطات تبرر المنع بالظروف الصحية والوضعية الوبائية لكورونا، لكن تبون أعلن، في حوار تلفزيوني قبل نحو أسبوع، أن هذا الأمر مرتبط بفرض سلطة القانون، مشيراً إلى منع أية تظاهرة لا يقدم بشأنها طلب إلى السلطات، ويعرف المسؤولون عنها ومطالبها وشعاراتها ومساراتها.

تدابير أمنية للسلطة واعتقالات لناشطين

وتزامنت التدابير الأمنية مع حملة اعتقالات في صفوف الناشطين الميدانيين، والذين تتوقع السلطات خروجهم في تظاهرات أو قيامهم بحركات احتجاجية.

وكان لافتاً أن الاعتقالات تزايدت مع اقتراب الذكرى الثالثة للحراك، وشملت ناشطين يعملون في رصد الاعتقالات فحسب، بينهم زكي حناش وفالح حمودي اللذان طالبت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالمدافعين عن حقوق الإنسان ماري لولور، أخيراً، السلطات بسرعة الإفراج عنهما.

وقال الكاتب في الشؤون السياسية محمد إيوانوغان، لـ"العربي الجديد"، إن مجموع هذه التدابير الاحترازية من قبل السلطة تبرز "حقيقة أنها بعد سنة من التضييق، وترسانة من التعديلات في قانون العقوبات لمنع عودة الحراك الشعبي، ما زالت تخشى عودته. وهذا وحده مؤشر كاف على أن الحراك ما زال مستمراً كفاعل رئيسي في المعادلة السياسية".

وأضاف: "الحقيقة الثانية أن هذا الحراك بحاجة إلى آفاق جديدة حتى لا يبقى صوته يقتصر على أخبار الاعتقالات. والحراك ما زال يسكن الكثير من الجزائريين، وتفكير السلطة بالأساس، وهو جو مرشح للاستمرار سنوات طويلة".

وأشار إلى أن "السبب هو أن المواطن الجزائري مهتم بالشأن السياسي أكثر من السابق، وأن السلطة لا تملك حلولاً لجعل المواطن ينخرط في مشروع سياسي جديد، يجسد تطلعاته السياسية والاجتماعية، التي خرج للتظاهر سلمياً من أجلها لمدة ثلاث سنوات".

تحميل المعارضة الجزائرية مسؤولية الفشل بالتغيير 

وتضع بعض القراءات السياسية ما يمكن أن يعتبر فشلاً نسبياً للحراك الشعبي في تحقيق مطالب التغيير السياسي والديمقراطي، على عاتق قوى المعارضة، السياسية والمدنية، التي لم تكن جاهزة لتأطير المطالب السياسية للشارع، ولم تكن قادرة على تجاوز خلافاتها الأيديولوجية، والوصول إلى نقاط توافق تسمح بطرح خريطة طريق متوافق عليها، تضع السلطة أمام الأمر الواقع.

كما أن بعض الأطراف التي دفعت بشعارات متشددة وعنيفة ضد الجيش والمؤسسة الأمنية، لم تطمئن السلطة، وطرحت مخاوف جدية من وقوع انحرافات.

لكن أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، توفيق بوقاعدة، اعتبر أن الحديث عن فشل الحراك الشعبي في تحقيق الأهداف السياسية، أمر سابق لأوانه، ومرتبط باختلال في موازين القوى بين السلطة، التي تملك كل الأدوات، والحراك الذي يملك الشارع.

بوقاعدة: أدوات النضال السياسي فشلت في تحقيق أهداف الحراك

وبرأي بوقاعدة، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن "الحكم على الحراك بالفشل في تحقيق أهدافه أمر سابق لأوانه. لكن يمكن القول إن أدوات النضال السياسي فشلت في تحقيق أهدافه. كما أن نجاح السلطة نسبي، فهي استطاعت إخماد مظاهر الحراك ونشاطه السياسي الميداني، لكن في الوقت نفسه عملت على تأكيد طروحاته ومقارباته التي كان يقدمها".

وأضاف: "فعلياً السلطة استطاعت بما تملكه من أدوات أن تحوّل الحراك إلى حالة السكون، وتستوعب الشارع تدريجياً، على الرغم من أن الأسباب التي تدفع إلى حالة الاحتقان والثورة من جديد، ما زالت قائمة، خاصة بسبب الفشل الاقتصادي".