مع استمرار الحرب على غزة للشهر الرابع على التوالي، ما زالت أصداؤها تلقي بظلالها على السياسة الداخلية في بريطانيا في ظل حكومة المحافظين المنحازة لإسرائيل، ووجود حركة تضامن شعبيّة كبيرة مع الفلسطينيين تخرج في تظاهرات أسبوعيّة لم تتوقف منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وكان آخر هذه التفاعلات تهديد وزير الإسكان والتطوير مايكل غوف بإغلاق كل مؤسسة خيريّة يُمكن أن تُتّهم بتمويل حركة "حماس". يأتي تهديد غوف على ضوء ما نشرته صحيفة "ذا تلغراف" عن أن مسؤولين في وزارة الإسكان والتطوير كانوا ساخطين على جمعية "إنترفيث نتوورك" (InterFaith Network) كونها لم تُدن عملية حركة "حماس" في 7 أكتوبر، إضافة إلى انضمام المجلس الإسلامي في بريطانيا إلى مجلس إدارة الجمعية، في ظل مقاطعة المحافظين للمجلس الإسلامي منذ عام 2009.
وتتلقى الجمعية تمويلاً حكومياً، وهي مؤسسة خيرية تسعى للتعريف بمختلف الأديان والطوائف وتقاليد ممارساتها في بريطانيا. وصرّحت الجمعية بأن عدم حصولها على التمويل الحكومي قد يدفعها للإعلان عن إفلاسها، مؤكدة أن سياساتها تمتنع عن التعليق على أحداث سياسية خارجية.
"مخاطر شديدة" بسبب الحرب على غزة
اعتبر رئيس شرطة مكافحة الإرهاب مات جوكس أن الحرب على غزة خلقت "لحظة تطرف" جديدة في المملكة المتحدة مع احتمال دفع المزيد من الناس نحو الإرهاب. وقال جوكس في تصريحات أخيراً، إن "الكميات غير العادية" من التعليقات عبر الإنترنت، والتي تضخمت بسبب المعلومات المضللة والصور الزائفة التي أنشأها الذكاء الاصطناعي، غذت "المخاطر الشديدة".
تم اعتقال 33 شخصاً بموجب قوانين الإرهاب المتعلقة بإسرائيل وغزة
وتم حتى الآن اعتقال 33 شخصاً بموجب قوانين الإرهاب المتعلقة بإسرائيل وغزة، بينهم من اعتُقل بسبب منشورات أو شعارات في الاحتجاجات. ولا يزال تقدير الحكومة الرسمي لخطر وقوع هجوم "إرهابي" عند "كبير"، وهو ثالث أعلى مستوى من خمسة. وقال جوكس إن الهجمات الإرهابية المحتملة قد لا تحدث على الفور و"يمكن أن يكون للتطرف أثر طويل"، مضيفاً "يظل المحققون قلقين للغاية بشأن التهديد بهجوم منفرد، ربما من قبل أفراد فوضويين يعانون من ضعف الصحة العقليّة".
تحذير من السفر إلى مصر
وأصدرت وزارة الخارجية البريطانيّة تحديثاً على قائمة الدول التي تحذّر فيها مواطنيها من السفر إليها لتضيف إليها دولة مصر، في ظل ما وصفته بـ"التطورات الأمنية الحالية في الشرق الأوسط". وتشمل القائمة كلاً من: لبنان، سورية، الأردن، إسرائيل، فلسطين، مصر، جيبوتي، إريتريا، الصومال، السعودية، اليمن، سلطنة عُمان، الإمارات، الكويت، العراق، إيران، البحرين، وقطر. وجاء في تحذير وزارة الخارجية عدم السفر إلى سيناء وعدم السفر إلى محافظة الإسماعيلية، شرق قناة السويس، إلا للضرورة.
وقالت وزارة الخارجية في تحذيرها إن هناك "تهديداً كبيراً بوقوع هجوم إرهابي على مستوى العالم يؤثر على مصالح المملكة المتحدة والمواطنين البريطانيين، بما في ذلك من الجماعات والأفراد الذين يعتبرون المملكة المتحدة والمواطنين البريطانيين أهدافاً".
كير ستارمر ينتقد نتنياهو
وفي موقف مخالف لمواقفه السابقة في دعم إسرائيل، قال رئيس حزب العمال المعارض النائب كير ستارمر إن تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن الدولة الفلسطينية "غير مقبولة". وجاءت تصريحات ستارمر بعدما قال نتنياهو في الأيام الأخيرة إنه يُعارض قيام دولة فلسطينية، وإن السيطرة الأمنية في غزة بعد الحرب ستكون لإسرائيل، وكذلك في غور الأردن.
انتقد ستارمر تصريحات نتنياهو عن رفضه قيام دولة فلسطينية واعتبرها غير مقبولة
وقال ستارمر الذي يرفض حتى الآن التصويت لوقف إطلاق النار في غزة: "قيام دولة فلسطينية مستقلة حق للشعب الفلسطيني والسبيل الوحيد لتحقيق تسوية آمنة ومستقبل آمن للفلسطينيين والإسرائيليين". وعُرفت عن ستارمر تصريحاته في أكثر من مناسبة بعد 7 أكتوبر بتكرير مقولة "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". وتأتي تصريحاته الأخيرة ضد نتنياهو على ما يبدو لمحاولة احتواء النقد الداخلي والاستقالات من الحزب.
وواجه حزب العمال البريطاني في الأشهر الأخيرة استقالات عديدة من صفوفه منها نواب في حكومة الظل، وكان آخرها استقالة عضو مجلس كيركليس عمّار أنور، الأربعاء الماضي. وأعلن أنور استقالته خلال اجتماع عام، إذ ألقى خطاباً ذكر فيه أن ابنته سألته ماذا فعلتَ لأجل وقف الحرب في غزة؟ وظهر أنور وهو يبكي خلال إلقاء خطابه أكثر من مرة، قائلاً "لقد كنت عضواً فعّالاً ومؤيداً لحزب العمال منذ أن كنت في سن الـ14. أؤمن بقيمه ومبادئه، ولكن للأسف، في ظل القيادة الحالية، شعرت بخيبة أمل كبيرة تجاه الحزب".
رفض جلب عائلات البريطانيين الغزيين
قدّم نحو 200 فلسطيني من حملة الجنسية البريطانية، الأسبوع الماضي، عريضة إلى وزارة الداخلية البريطانية تُطالب بجلب أُسرهم من غزة إلى بريطانيا بسبب الأوضاع الحياتيّة الصعبة جراء الحرب، إلا أن الوزارة رفضتها.
وحققت العريضة أكثر من 28 ألف توقيع، ووردت فيها مطالب كتلك التي وضعتها الحكومة البريطانية لجلب الأوكرانيين إلى بريطانيا: إلغاء رسوم تأشيرات لمّ الشمل، وإلغاء شرط الحد الأدنى للأجور واختبارات اللغة. وقالت الحكومة البريطانية في وقت سابق إنها لا تنوي اتخاذ إجراءات خاصة لجلب العالقين في قطاع غزة، مؤكدة أن الطريقة الوحيدة للقدوم إلى بريطانيا هي الحصول على التأشيرة وفق النظام المعمول به حالياً.
ولا يمكن للفلسطينيين البريطانيين جلب أقاربهم العالقين في غزة إلا عن طريق تأشيرة الأسرة، التي تُعَد مكلفة وتستغرق وقتاً طويلاً، وفي الغالب تستثني جلب الأشقاء وأولياء أمور الأطفال البالغين والأقارب من الدرجة الثانية. ولاستصدار تأشيرة الأسرة، على المتقدمين تقديم معلوماتهم الشخصية للسفارة البريطانية في مصر بما في ذلك البصمات. يُذكر أن الحكومة البريطانية وضعت مخططاً لجلب أُسر البريطانيين الأوكرانيين بعد أسابيع فقط من اندلاع الحرب في أوكرانيا.
دعوى ضد مسؤولين بريطانيين في شرطة لندن
قدّم المركز الدولي للعدالة من أجل الفلسطينيين (ICJP) أدلة على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبتها إسرائيل في غزة إلى شرطة العاصمة لندن، في أعقاب دعوات من وحدة جرائم الحرب في الشرطة بتقديم أدلة حول جرائم الحرب في فلسطين.
تتكون الأدلة المجمعة في الملف المكون من 78 صفحة من شهادات شهود عيان وأدلة فوتوغرافية تتعلق بعدد من جرائم الحرب. وتشمل الهجمات على المدنيين والبنية التحتية المدنية مثل المستشفيات والممتلكات الثقافية، واستخدام التجويع كسلاح في الحرب، واستخدام إسرائيل للفوسفور الأبيض ضد المدنيين.
تقديم أدلة على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبتها إسرائيل في غزة إلى شرطة لندن
وقال مدير المركز الدولي للعدالة طيب علي لموقع "نيو أرب"، إن الأدلة تتعلق بأربعة وزراء ومسؤولين كبار في حكومة المملكة المتحدة، والذين هم "متواطئون على أساس المسؤولية الثانوية". وأعلن كذلك أن تسعة مواطنين بريطانيين سافروا إلى إسرائيل للقتال في الجيش الإسرائيلي كانوا في القضية. كما تم تقديم أدلة تتعلق بالعديد من المسؤولين الحكوميين الإسرائيليين رفيعي المستوى، بما في ذلك أعضاء مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي، وأفراد عسكريون رفيعو المستوى.
عريضة من أطفال بريطانيا لأجل غزة
ردّت الحكومة البريطانية على عريضة موقّعة من 250 طفلاً ومراهقاً بريطانياً باسم الأطفال في غزة، والتي قُدّمت للحكومة خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، طالبوا فيها الحكومة بـ"الضغط على إسرائيل لوقف القصف الجوي والبري والبحري على غزة، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية والطبية إلى القطاع المحاصر".
وجاء في رد الحكومة البريطانية "نحن قلقون للغاية بشأن الوضع الإنساني في غزة، ومستمرون بالضغط على إسرائيل من أجل تحقيق استجابة متناسبة مع أفعال حماس وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة". وتزامن تسليم العريضة مع تظاهرة حاشدة أمام مكتب رئيس الحكومة ريشي سوناك، شارك فيها أطفال بريطانيون مولودون لآباء أو أجداد من غزة.
تظاهرات متواصلة في بريطانيا
في موازاة ذلك، تتواصل التظاهرات الأسبوعيّة تنديداً بالحرب على غزة ودعم الحكومة البريطانيّة لهذه الحرب، وتنديداً أيضاً بالهجمات على اليمن. وخرجت يوم السبت الماضي، عشرات المسيرات في عدد من المدن والبلدات البريطانية، إضافة إلى أنشطة ثقافية مختلفة مناصرة للشعب الفلسطيني.
وشملت الاحتجاجات استهداف مصانع وشركات الأسلحة أو المؤسسات والشركات التي لديها استثمارات لدى الاحتلال الإسرائيلي. وبعد التظاهرة الوطنيّة الأخيرة في مدينة لندن يوم 13 يناير/ كانون الثاني الحالي، والتي شارك فيها قرابة نصف مليون شخص، بحسب المنظمين، من المزمع خروج تظاهرة وطنيّة جديدة يوم السبت في الثالث من فبراير/ شباط المقبل.