الحركة القضائية بتونس.. استباق من السلطة لتهيئة تعيين المحكمة الدستورية؟

07 سبتمبر 2023
غياب المحكمة الدستورية مكن سعيّد من التفرد بالحكم (Getty)
+ الخط -

تتواصل بتونس الانتقادات الموجهة للحركة القضائية الصادرة نهاية أغسطس/ آب الماضي، حيث أكد المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين أنها تستبق تشكيل المحكمة الدستورية وتهيئ لتسمية أعضائها من القضاة، محذرين من تسييس وتوظيف هذه الحركة من قبل السلطة.

وقالت الجمعية في بيان لها، أمس الأول الثلاثاء، إنه "لا شك أن تركيبة المحكمة الدستورية وعضويتها كانتا حاضرتين وبقوة في ذهن معد الحركة ويتبين ذلك من الحركية الكبيرة التي شهدتها محكمة التعقيب على مستوى رؤساء دوائرها، خروجا ودخولا".

وأضاف البيان: "بالإضافة إلى حالات الإحالة على التقاعد، غادر المحكمة سبعة رؤساء دوائر ممن تزيد أقدميتهم فيها عن أربع سنوات، في حين التحق بها أخيرا 11 رئيس دائرة جديدا في عملية انتقاء واضحة وعلى المقاس من خلال توظيف عملية التسمية بخطة رئيس دائرة بمحكمة التعقيب والتجريد منها طبق خيارات السلطة السياسية وتصورها لتركيبة المحكمة الدستورية".

واعتبرت الجمعية أن ذلك "تسييس واضح لهذه المحكمة ومس باستقلاليتها وتعد كبير على حقوق رؤساء الدوائر المبعدين من محكمة التعقيب، لأغراض لا علاقة لها بالإدارة الموضوعية والشفافة لمساراتهم المهنية".

وينص الفصل 125 من الدستور على أنّ المحكمة الدستورية تتشكل من تسعة أعضاء، ثلثهم الأول من أقدم رؤساء الدوائر بمحكمة التعقيب، والثلث الثاني من أقدم رؤساء الدوائر التّعقيبية بالمحكـمة الإدارية، والثلث الثالث والأخير من أقدم أعضاء محكمة المحاسبات.

وينتخب أعضاء المحكمة الدستورية من بينهم رئيسا لها طبقا لما يضبطه القانون.

واعتبر القاضي السابق عمر السيفاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "الحركة القضائية أبرزت أن تشكيل المحكمة الدستورية كان حاضرا بوضوح في هذه الحركة القضائية لدى السلطة".

وأشار إلى أن "عدم تركيز (تشكيل) المحكمة الدستورية إلى حد الآن (بالقانون الجديد) يكذّب كل ما كان يقال حول تأخير إحداثها بعد دستور 2014 لأن طريقة إرسائها سابقا كانت تتطلب انتخابا من قبل مجلس نواب الشعب بثلثي الأعضاء على الأقل، وهي طريقة صعبة، ولكنها كانت ستقود إلى تركيبة محكمة دستورية مستقلة وقوية وتحظى برضا واسع من الجميع، وكذلك عندما حاول البرلمان تعديل القانون لتجاوز صعوبات انتخابها في 2019 لم يمض رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، على التعديلات".

وكان الرئيس التونسي يعيب في عدد من خطاباته على أحزاب وبرلمان 2014 عدم تشكيلها المحكمة الدستورية، رغم صعوبات انتخاب أعضائها، في مقابل ذلك مكّن عدم وجودها من تفرده بتأويل الدستور واعتماد البند 80 من دستور 2014 لفرض سيطرته على جميع السلطات رغم معارضة غالبية خبراء القانون الدستوري ووصف ما أقدم عليه بـ"الانقلاب الدستوري".

وأضاف السيفاوي: "في المقابل، ورغم سهولة تعيين أعضاء المحكمة الدستورية اليوم، وهم معلومون لدى من له السلطة فإنها لم تر النور، وهذا يفسر ما جاء في بيان جمعية القضاة بأن الحركة القضائية أخذت بعين الاعتبار استبعاد أشخاص من أن يكونوا أعضاء في المحكمة الدستورية بصفتهم، وبالتالي كانت مسألة تشكيل المحكمة الدستورية حاضرة بقوة في فلسفة هذه الحركة".

وشدد على أنه "رغم سهولة طريقة تعيين وتشكيل المحكمة الدستورية منذ صدور دستور 2022 العام الماضي لأن الأعضاء معلومون بالاسم ولكن لم يقع تشكيلها، وذلك حتى يتم تعيين محكمة تتماشى مع ما يريده الحاكم"، بحسب قوله.

ومنح سعيّد نفسه عبر الدستور الجديد اختصاصاً لم يخوّله دستور 2014 للمحكمة الدستورية، حيث سحب من رئيس البرلمان، في حالات الشغور النهائي في منصب رئاسة الجمهورية، نيابة الرئيس وقتياً، حتى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ومنحها في مقابل ذلك لرئيس المحكمة الدستورية، ما يعني أن هذا المنصب شاغر بسبب غياب محكمة دستورية لحد اليوم.

وأكد القاضي بمحكمة الاستئناف عمر الوسلاتي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "من غير المفهوم سبب عدم تركيز المحكمة الدستورية إلى اليوم"، مضيفا: "أعضاؤها موجودون ومعلومون منذ إصدار دستور 2022، وكان يمكن تعيينهم ولكن الأمر مرتبط بخيارات سياسية وليس بخيارات قانونية".

وتساءل الوسلاتي عن المانع من "سن قانون منظم للمحكمة الدستورية والبرلمان الجديد موجود (منذ مارس/آذار الماضي)، ويمكن لعشرة نواب أن يقترحوا قانونها إذا لم يقترح رئيس الجمهورية قانونا".

ويواصل البرلمان عطلته منذ نهاية يوليو/ تموز الماضي، فيما يعتبر نواب من كتل مختلفة أن قانون المحكمة الدستورية أولوية ولكنهم يفضلون أن يقدم رئيس الجمهورية مبادرة تتم مناقشتها في ما بعد في البرلمان.

المساهمون