دخل الصراع السياسي في تونس مرحلة جديدة، بعد تصعيد يوم الخميس، بين الرئيس التونسي، قيس سعيّد، ومعارضيه. وأعلنت مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب"، دخول عدد من النواب والشخصيات الاعتبارية التونسية في إضراب احتجاجي عن الطعام، كشكل متقدّم من أشكال النضال السياسي.
يوحي ذلك بتحول الصراع إلى مواجهة مباشرة مع الرئيس، الذي خرج في مساء نفس اليوم يحذر التونسيين من مؤامرات تحاك وتتحدث عن اغتيالات لعدد من المسؤولين، متحدثاً عن وجود مكالمة هاتفية تؤكد حتى موعد الاغتيال.
الشخصيات الوطنية المناهضة للانقلاب، فسّرت، في بيان لها، إضرابها عن الطعام بأنه جاء بعد أن "لم يعد أمام القوى الديمقراطية المعارضة للانقلاب إلا أن تدخل الآن مرحلة الدفاع عن الحرية بأجسادها لتنبيه الحركة الحقوقية وطنياً ودولياً على أنّ سلطة الأمر الواقع تتجه نحو القمع العاري والإغلاق النهائي لمربّع الحريات"، وقد أصبح واضحاً الآن "أنّنا نواجه انقلاباً يدفع بالقوة الصلبة للدولة في معركته مع معارضيه بعد أن استُحكمت عزلته داخلياً وخارجياً".
وأضافت، أنّ "خطاب قيس سعيد يوم 13ديسمبر بوضوح لم يعد يحتمل الشك أنّ الانقلاب ماض بلا تراجع في استكمال الإجهاز على ما تبقّى من المسار الديمقراطي والإلغاء التام لدستور 2014"، فقد "تبيّن بوضوح للجميع أنّ قيس سعيد يتّجه قدماً إلى تثبيت حكمه الفردي المتنكر تحت شعارات شعبوية".
تصعيد في مطالب المعارضة التونسية
وفي مواجهتهم تلك، رفع المحتجون سقف المطالب عالياً، نحو مزيد الضغط على الرئيس سعيد، وطالبوا بـ"السراح الفوري لكلّ النواب و المساجين السياسيين وإيقاف كلّ المحاكمات العسكرية والتوقف عن الإساءة إلى الجيش الوطني ومحاولات توريطه في المسار الانقلابي"، إضافة إلى "إطلاق سراح بقية من تمّ اعتقالهم يوم 18 ديسمبر 2021 على خلفية التحركات السلمية الأخيرة وإيقاف كلّ التتبّعات المتعلقة بحقّهم".
وطالب المضربون بـ"الكف عن تهديد القضاء وهرسلته ومحاولة توظيفه في مسار تصفية الخصوم السياسيين على غرار فضيحة المحاكمة الوهمية والحكم الجائر الصادر في حق المناضل ورئيس الجمهورية الأسبق محمد المنصف المرزوقي".
كما دعا المضربون إلى "الكفّ عن توظيف المؤسسة الأمنية والتوقّف عن إقحامها في الصراع السياسي ولا سيما عبر اختراقها بالتعيينات القائمة على أساس الولاءات السياسية، والتوقف عن محاصرة حرية الإعلام وتعطيل حقّ النفاذ إلى المعلومة وتضليل الرأي العام وتعطيل الهيئات الوطنية الحقوقية عن أداء مهامها".
ولقي الإضراب تفاعلاً واسعاً من الساحة السياسية والإعلامية في تونس، وتحول مقر الإضراب إلى مزار للشخصيات الوطنية المساندة، وأعلن الرئيس الأسبق، منصف المرزوقي، من باريس، انضمامه للإضراب، وكذلك فعل، رئيس كتلة "قلب تونس"، أسامة الخليفي، متضامناً مع زملائه.
وكان الحكم الصادر بحق المرزوقي لمعارضته سعيّد، بمثابة النار التي أشعلت المعارضة التونسية ووسعت دائرتها، ليتبلور مطلب جديد بضرورة التوحد في هذه المرحلة.
وقال حزب "العمال" اليساري، الذي يتزعمه حمة الهمامي، في بيان له، إنّ "الحزب الذي يختلف جوهرياً مع مواقف منصف المرزوقي، ويحمّله صحبة حزبه جزءاً كبيراً من مسؤولية الثورة المضادة والتدهور والفشل، إبان حكم الترويكا، يدين هذا الحكم ويعتبره دليلاً على حالة القضاء المدجّن والتابع، ويعتبر الحكم الصادر حكماً سياسياً مملى من قصر قرطاج، وهو حكم ينضاف إلى بقية الأحكام الأخرى الجائرة التي طالت نشطاء ومدونين آخرهم السيدة مريم بريبري".
وطالب الحزب كل القوى التقدمية، بأن" تضاعف يقظتها تجاه توظيف أجهزة الدولة لتصفية الخصوم السياسيين وتلفيق القضايا وتتبّع النشطاء عوض فتح الملفات العالقة التي ينتظر الشعب التونسي تحريرها وتحرير القرار إزاءها".
ويشير رئيس "حزب الأمل" أحمد نجيب الشابي، عضو "اللقاء الوطني للإنقاذ" المعارض، إلى أنّ "أي ملاحظ يدرك أنّ وضع البلاد حرج لأقصى درجة، والبناء التونسي المركزي يتهدده السقوط حجرة وراء حجرة، فخزائن الدولة فارغة والوضع المالي للحكومة متردٍ، في وقت لا يمكنها التداين الخارجي في مقابل محدودية التداين الداخلي".
وحذر الشابي، في حديث لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، من أنّه "في حال استمر هذا الوضع فقد يصبح عنصراً لتعميق الأزمة في وضع اجتماعي متفجر، لا سيما وأنه توجد احتجاجات واضطرابات في أكثر من مكان وهي مؤشرات مهمة لا تخطئ".
ولفت إلى أنّه "في مقابل هذه الحالة الحرجة، تبدو القيادة السياسية مهمومة فقط بتصفية حساباتها مع خصومها وتعزيز قبضتها على السلطة"، موضحاً "أعني الرئيس قيس سعيد، فخطاباته تخلو من أي إشارة لأي برنامج واقعي من أجل النهوض بتونس وإنقاذها مما تردت فيه".
وتساءل الشابي "إزاء هذه الخطورة هل يبقى المعنيون بهذا الوضع يشاهدون؟ وأعني الأحزاب والمنظمات؟ لا يمكن ذلك ولا يوجد طرف قادر بمفرده على حل هذا المشكل فحتى اتحاد الشغل التونسي غير قادر بمفرده على ذلك"، موضحاً أنّ "هذه المرحلة تحتاج وحدة الجميع وعدم الاستغناء عن أي طرف إلا من أراد أن يستثني نفسه، وهذا من أجل بحث مصيرنا ومخرجنا من هذه الأزمة".
وأكد الشابي، على أنّ "الدعوة لمدّ أيدينا لبعضنا البعض هي أدنى ما يمكن أن يطرح لإنقاذ الوضع"، كاشفاً أنّ "اللقاء الوطني للإنقاذ يعمل الآن للتحاور بين مختلف المكونات المدنية والسياسية وذلك لحثّها على الاجتماع ولو بشكل غير رسمي في ندوة استشارية، لنستأنس طريق الخروج ثم نعمل مع بعضنا لتحضير الحوار الوطني، ونفرضه على من يرفض هذا الحوار، لأنّه لا خلاص لتونس خارج الحوار".
وأكد الشابي أنه سيتوجه لمقر المضربين عن الطعام من أجل مساندتهم في مطالبهم، "المتمثلة في الرجوع عن الحالة الاستثنائية والعمل بالمراسيم المخالفة لأبجديات الديمقراطية"، مشيراً إلى أنّ "النضال من أجل الدّيمقراطيّة يبدأ دائماً أقلياً ثم يتوسع وينتشر، وتطور الأحداث سيعطي لهذه المجموعات التي تناضل من أجل الديمقراطية صدى لأعمالها فيما بعد".
قيس سعيد.. خطاب رئيس جمهورية أم مترشح انتخابي؟
وبخصوص ما قاله الرئيس سعيد بشأن وجود مخططات اغتيال، قال الشابي "ما لم تتم إحالة هؤلاء المتآمرين على القضاء، فإني أعتبر هذا الخطاب غير جدي، ونحن في الواقع نسمع منذ أشهر عن اغتيالات ومؤامرات، فأين هم؟ في الظلام أم في الخيال؟ وأنا شخصياً لا أعطي هذه التصريحات أي قيمة".
وبدورها، وصفت القيادية في حزب "آفاق تونس"، ريم حجوب، تصريحات سعيّد بأنها "خطيرة ولها تأثير داخلي وخارجي" ويؤدي إلى "نفور المستثمر الأجنبي من تونس، نظراً لعدم الاستقرار الذي يتحدث عنه رئيس الدولة".
ودعت حجوب، في تصريح لإذاعة "شمس" الخاصة، وزارة الداخلية التونسية، لـ"توضيح المسألة للرأي العام والكشف عن الأطراف التي تقف وراء تدبير عمليات الاغتيال"، مشددة على أنّ "الأمر خطير، والأخطر هو أن تصدر المعلومات عن رئيس جمهورية". وقالت "يبدو أنّ رئيس الجمهورية لم يستوعب بعد المنصب الذي يرأسه ويتصرف وكأنه في حملة انتخابية".
كذلك، طالبت رئيسة الحزب "الدستوري الحر"، عبير موسي، الرئيس سعيّد، بضرورة الكشف عن تفاصيل ما تحّدث عنه بخصوص التدبير للقيام باغتيالات لعدد من المسؤولين في تونس. وأكدت، في كلمة لأنصار حزبها، أنه "من غير المقبول إثارة البلبلة في صفوف التونسيين وإدخال الرعب فيهم بمثل هذه التصريحات".
وليست المرة الأولى التي يتحدث فيها سعيّد عن هذه الاغتيالات، فقد سبق وأن أشار، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلى وجود مخططات للاستيلاء والاغتيال، كما أشار، في أغسطس/آب، إلى وجود مخطط اغتيال، ومن قبلها شبهات الظرف المسموم الذي وصل القصر الرئاسي، وتم فتح تحقيقات في كل هذه الاتهامات دون نتائج تذكر حتى الآن.
والخميس، دعت النقابة العامة للحرس الوطني (الدرك)، وزير الداخلية التونسي، توفيق شرف الدين إلى توضيح ما يتم تداوله عن "الاغتيال وساعته" وشددت النقابة، في بيان مقتضب، نشرته على صفحتها الرسمية في "فيسبوك" على أنّ "أبناء المؤسسة الأمنية لن يكونوا كبش فداء، وأن الحقيقة وحدها تفند الإشاعات، والأمن القومي خط أحمر".