تُلقي الأزمة السياسية في العراق بظلالها على حزمة كبيرة من القوانين والتشريعات المُرحّلة إلى البرلمان المنبثق من الانتخابات التشريعية التي أُجريت في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي الجديد بغية التصويت عليها.
ولم ينجح البرلمان الجديد في الأشهر الماضية من تمرير أي قانون أو تشريع قرّر البرلمان السابق ترحيله إليه، على الرغم من تشكيل اللجان النيابية وتوزيع جداول المهام الرقابية لها. ومنذ عقد أول جلسة رسمية للبرلمان الجديد في 9 يناير/كانون الثاني الماضي، لم ينجح المجلس النيابي في عقد جلسة كاملة واحدة بعدها، بسبب الأزمة السياسية.
تنتظر قوانين عدة دورها في البرلمان وأبرزها قانون الموازنة
ومن بين القوانين المهمة والحرجة التي ينتظرها الشارع العراقي، قانون الموازنة العامة للعام الحالي، وما تحمله من مشاريع خدمية وتعويضات للمواطنين، وكذلك قانون النفط والغاز، وقانون حماية المرأة والطفل، وقانون حرية الإعلام والجرائم الإلكترونية، وقانون التكافل الاجتماعي، وقانون الأحوال المدنية، وقانون حماية التنوع ومكافح التمييز الطائفي والعرقي، وقانون الاختفاء القسري، وقانون توزيع قطع الأراضي السكنية للمواطنين.
كذلك تنتظر العديد من القوانين التي تتوقف عليها حياة شرائح كثيرة من العراقيين دورها، فضلاً عن عرقلة الاتجاه لتشكيل لجان لدراسة تعديل بعض بنود الدستور الحالي.
وعرقل تحالف "الإطار التنسيقي" انعقاد ثلاث جلسات برلمانية متتالية مخصصة لانتخاب الرئيس العراقي، من خلال مقاطعته الجلسات التي تتطلب حضور ثلثي الأعضاء لاستكمال النصاب القانوني المطلوب لانتخاب الرئيس.
ويسعى التحالف المدعوم من طهران، لدفع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إلى القبول بمشاركته في الحكومة المقبلة، بناءً على عرف "المحاصصة"، فيما يتمسك الصدر بتشكيل حكومة "أغلبية وطنية".
تعطيل الجلسات البرلمانية
وحول هذه التطورات، يقول النائب إسكندر وتوت في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن "مجلس النواب شبه معطل بسبب الخلافات والصراعات السياسية على تشكيل الحكومة، التي أثّرت سلباً بعمله، خصوصاً أنها كانت سبباً لتعطيل الكثير من الجلسات المهمة".
ويشير إلى أن "الأزمة السياسية أثّرت أيضاً بعمل اللجان البرلمانية، التي يفترض أن تتولى ممارسة الدور الرقابي والتشريعي"، لافتاً إلى أنه "نقترب من نصف عام منذ إجراء الانتخابات، ولم يقم البرلمان بأي إنجاز تشريعي من خلال إصدار قوانين مهمة، ولا حتى إنجاز رقابي من خلال استجواب وزراء ومسؤولين مقصّرين في أدائهم أو تحوم حولهم شبهات فساد". ويعزو السبب إلى "استمرار الصراع السياسي الذي يعني بقاء البرلمان من دون إنجازات في الفترة المقبلة".
من جهته، يؤكد النائب عن تحالف "الإطار التنسيقي"، أحمد الموسوي، أن عمل البرلمان "يحتاج إلى توافق سياسي وأجواء مستقرة، وكل هذه الظروف غير متوافرة حالياً بسبب الانسداد السياسي، ولهذا نجد البرلمان من دون أي إنجاز تشريعي خلال الفترة الماضية".
ويتهم الموسوي في حديثٍ مع "العربي الجديد"، "أطرافاً سياسية، باستغلال الأزمة للسيطرة على اللجان البرلمانية المهمة، من دون عقد أي اتفاق أو إجراء أي حوار مع الكتل والأحزاب السياسية الأخرى"، في إشارة إلى التيار الصدري.
ويعتبر أن "هذا الأمر مرفوض، وسيكون له تبعات سلبية في المستقبل على العمل التشريعي والرقابي للبرلمان العراقي، إذ لا يمكن حصر اللجان بجهات معينة".
ويؤكد أن "الأجواء لا تشير إلى وجود انفراجة قبل فترة العيد (عيد الفطر مطلع الأسبوع المقبل)، ما يعني أن تعطيل جلسات البرلمان سيستمر وسيترتب عنه انعدام أي فرصة لتشريع القوانين المهمة أو ممارسة أي دور رقابي حقيقي من قبل النواب".
توقعات باستمرار الأزمة السياسية وتعطيل العمل البرلماني
بدوره، يرى النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني محما خليل، أن لتعطيل البرلمان آثاراً سلبية كبيرة، مشيراً إلى أنّ "هناك الكثير من القوانين التي ينتظرها الناس".
ويضيف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الخلافات السياسية حالت دون تحقيق أي إنجاز للبرلمان، على الرغم من عقد العديد من الجلسات، لكنها لم تسفر عن إقرار قوانين مهمة"، معدّداً السلبيات: "لا تصويت على قوانين، ولا تصويب أو استجواب للوزراء وغيرهم من المسؤولين في الدرجات العليا الخاصة، بسبب الخلاف والصراع بين القوى السياسية واستمرار الانسداد وغياب الحوار والتفاوض بين الشركاء".
ويضيف خليل: "نتوقع استمرار تعطيل العمل البرلماني، سواء رقابياً أو تشريعياً، إلى حين التوصل إلى حلول بين القوى بشأن أزمة تشكيل الحكومة، وبصراحة حتى هذه اللحظة لا توجد أي بوادر لحل هذه الأزمة".
لا انفراجة قريبة للأزمة السياسية
وحول ذلك يقول المحلل السياسي أحمد الشريفي في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن "ظاهرة ضياع نصف عام من عمر البرلمان ليس جديداً، بل يتكرر كل دورة انتخابية بسبب أزمات ومشاكل على تشكيل الحكومة، وهو أمر يتكرر في كل انتخابات منذ عام 2010".
ويضيف: "حالياً لا يمكن التنبؤ بتاريخ معين لاستئناف البرلمان نشاطه، إلا بعد انفراج الأزمة السياسية الحالية، ونعتقد أن ذلك لن يكون قريباً".
ويعتبر الشريفي أن "المتضرر الأكبر من ذلك شرائح كثيرة من العراقيين بانتظار تشريع قوانين مهمة ترتبط بأوضاعهم المالية أو المعيشية، لكن الكثير من الكتل لا تريد تحمّل مسؤوليتها".
وتمثل النسخة الخامسة للبرلمان العراقي منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، تجربة جديدة بطريقة انتخابه التي جرت بقانون انتخابات جديد اعتمد نظام الدوائر الانتخابية المتعددة، وبواقع 329 مقعداً يمثلون المحافظات العراقية الـ18، وفقاً للنسب السكانية لكل محافظة.